تونس الخضراء هل من مزيد؟ - ابتهال بن علي
ان كان الوضع في تونس غير مفهوم في ظلِّ موجة غلاء غير مسبوقة حيث ارتفعت نسبة التضخم إلى 9.1٪ خلال شهر سبتمبر 2022 . شهدنا مؤخرا انقطاع المواد الغذائية الأساسية والمحروقات وارتفاع في نسبة البطالة في الوقت الذي اختار عدد كبير من الشباب الموت في المتوسط على العيش بتونس الخضراء، فيلفظ جثثهم البحر الأبيض المتوسط ضحايا الهروب.
عاشت تونس أشهرا صعبة عند انقطاع مواد معيشية أساسية مثل السكر والزيت والدقيق الصافي والحليب، فالسؤال الاشكالي الذي يطرح نفسه، هل هي حقا غير متوفرة ام هي عملية احتكار للسلع من جهة للضغط علي سياسة البلاد ولاسيما رأس السلطة الذي يزعم محاربة الفساد و الفاسدين، ومن جهة أخرى جشع التجار ونيتهم تحقيق أرباحا مستغلين الازمة والعوز المنزايد للمواطنين في ظل غياب الرقابة وحماية المستهلك؟
في حقيقة الأمر ان هذا الموضوع متضارب ومتداخل ما يصعب تناوله؛ خاصة اذا ذهب التحليل باتجاه واحدة. فحسب ما يرى خبراء ان هذا النقص في المواد الأساسية سببه الصعوبات المالية التي أدت الى خلل في عمل المصانع وغياب المنتجات عن رفوف المتاجر، حيث يبدو النقص واضحًا في المراكز التجارية على الرغم من تأكيد وزارة التجارة ان كل شيء متوفر.
قال الخبير الاقتصادي "معز حديدان" ان مشاكل الامداد الدولية تسرع فقط وتيرة الازمة التي لها أسباب محلية بالأساس لصعوبات مالية تعيشها الدولة وأضاف حديدان ان النقص سببه ضعف مخزون العملة الصعبة وان الحكومة تعجز عن تزويد السوق بكل المنتجات في الان نفسه مؤكدا ان الكثير من المزودين الدوليين باتو لا يثقون في تونس ويطلبون دفع ثمن السلع وتكاليف النقل مسبقا بعد تخفيض تصنيفها الائتماني من قبل وكالة فيتش الى CCC في مارس/اذار.
من منظور أخر أرجع "لطفي الرياحي" رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك هذا النقص أساسا الى المضاربة والاحتكار وخاصة في مسالك التوزيع حيث صرح لوكالة الاناضول ان وزارة التجارة تقوم بحجز كميات كبيرة من المواد الغذائية وهو ما يعني ان المواد متوفرة بكثرة لكن المضاربة هي المسيطرة على الأسواق. وهناك سبب اخر هو اضطراب في تزويد السوق.
وفق تصريحات وزيرة التجارة "فضيلة الراجحي" فإن الاحتكار وزيادة الطلب وارتفاع أسعار البترول والمواد الاولية في العالم هي أبرز أسباب النقص في المواد الاستهلاكية في تونس من جانبه أقر مسؤول بوزارة التجارة بوجود بعض الاضطرابات وذلك بسبب اقبال المواطن المتزايد على هذه المواد بكميات أكثر من حاجاته كما كشفنا عن كميات كبيرة يقع تخزينها بطريقة احتكارية وعشوائية.
وفي تصريح لوكالة الأناضول قال "رضا الشكندالي" أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية ان الدولة اليوم غائبة وهو ما يدفع النقابات الى فرض سياسة الامر الواقع واستأنف قائلا ان الدولة لا تتحكم في مسالك التجارة وهذا الفراغ تركته للنقابات للتحكم في الأسعار وهناك أيضا نوعا من الانفلات وقصر النظر على مستوى التحكم في الأسعار مبينا ان الدولة غير قادرة على التحكم في مستوى التكلفة والمعيشة.
بدت ملامح الانهيار الاقتصادي في تونس خلال الفترة الأخيرة تتجلى شيئاً فشيئاً، وذلك نتيجة تراجع قيمة العملة التونسية والارتفاع المستمر لأسعار الوقود والغذاء، بالإضافة إلى انخفاض تصنيف السندات، وتردي الخدمات العامة في البلاد، وغياب سلع أساسية من الأسواق، وهو أمر لم يحدث منذ عقود.
كل الحكومات المتعاقبة لم تنجز المطلوب بشأن الانتقال الاجتماعي والاقتصادي، فاستمرت المشاكل نفسها والمنوال التنموي نفسه، وهذا لا يُؤدي إلا لتداعيات ونتائج سلبية بتواصل البطالة والفقر والتهميش والإقصاء ومع ذلك لم يتخذ الرئيس التونسي أي قرار لإصلاحات هيكلية جذرية تساهم في معالجة المشاكل الاقتصادية، بل تحول إلى زيادة الإنفاق على القطاع العام، وزيادة الاستعانة بالقروض الخارجية، وإرهاق ميزانية تونس بدين خارجي بلغ 34 مليار دولار نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، وهو ما سيشكل عبئاً ثقيلاً على استعادة النمو الاقتصادي والعودة إلى عجلة التنمية.
وقد أشار صندوق النقد الدولي الى أن حكومة تونس بحاجة الى تنفيذ خطة تقشفية صارمة لإنقاذ تونس وتصحيح وضعها الاقتصادي، "تتمثل في مراجعة سياسة دعم السلع الأساسية، وخفض حجم قطاع الوظيفة العامة، وتخفيض أجور موظفي القطاع العام". وهي إجراءات صارمة قد تجعل الاتحاد العام للشغل يعيد النظر بموقفه السياسي في حال عدم تمكنه من تحقيق أي تقدم لمصلحة الفئات التي يمثلها، وبالتالي قد يتجه إلى تعبئة الشارع ضد السلطات الحاكمة، كما فعل في يونيو/حزيران الماضي، عندما نظم إضراباً وطنياً ليوم واحد ضد الحكومة. تونس الخضراء هل من مزيد؟
ابتهال بن علي