تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة خلال العدوان الحربي الاسرائيلي
تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة خلال العدوان الحربي الاسرائيلي
شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 10/5/2021 عدواناً حربياً واسعاً على قطاع غزة استمر لمدة 11 يوماً، استهدفت خلاله الطائرات والبوارج والمدافع الإسرائيلية السكان المدنيين وممتلكاتهم، والأعيان المدنية ومنشآت البنية التحتية في القطاع. وفي ذروة هذا التصعيد الخطير، تعطلت الحياة في قطاع غزة، وتدهورت الأوضاع الإنسانية لأكثر من 2 مليون فلسطيني يرزحون تحت الحصار الإسرائيلي منذ 14 عاماً. وافتقد السكان المدنيون خلال العدوان الحربي الخدمات الأساسية والضرورية اللازمة لتمكينهم من البقاء على قيد الحياة والعيش بكرامة، وقد أصبح الهم الأساسي لهم البحث عن مكان آمن لحماية حقهم في الحياة والأمن والسلامة الشخصية.
نزوح السكان المدنيين قسراً عن منازلهم
تسبب تدمير 1300 وحدة سكنية بشكل كلي، وتضرر 143154 وحدة أخرى تراوحت أضرارها بين بليغة وجزئية بفعل القصف الإسرائيلي1، إلى جانب الخوف من اجتياح بري، في نزوح نحو 100 ألف مواطن عن منازلهم قسراً، معظمهم من النساء والأطفال. وقد لجأ هؤلاء إلى المستشفيات والساحات العامة، ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا". وعلى مدار أيام نزوحهم، عانوا من الانقطاع الدائم للكهرباء والماء، وعدم توفر الطعام ومستلزمات المبيت والوقاية من فيروس كورونا، وهو ما هدد بزيادة أعداد المصابين بالفيروس المنتشر في قطاع غزة قبل بدء العدوان.
صعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية ونقص الأدوية الأساسية
عانى سكان قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي من صعوبة حقيقية في الوصول إلى الخدمات الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية، بسبب استهداف القوات المحتلة بشكل متعمد للطرق المؤدية إلى المستشفيات والمراكز الصحية.
وألقى العدوان المزيد من الأعباء على الطواقم الطبية والمنظومة الطبية الهشة، التي تعاني أصلاً، من تدهور خطير ناجم عن سياسة الحصار الإسرائيلي. وقد بلغت الحصيلة الإجمالية لضحايا العدوان (253) قتيلاً، بينهم (66) طفلاً و(39) امرأة، و(1948) مصاباً بينهم (540) طفلاً و(361) امرأة، تفاوتت جروحهم بين بليغة وطفيفة2. وعانت المرافق الطبية خلال العدوان من نقص الكادر الطبي المتخصص، كما تسارعت وتيرة نفاذ الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، حيث نفذ 45% من قائمة الأدوية الأساسية، و33% من قائمة المهمات الطبية، و56% من لوازم المختبرات وبنوك الدم3. وقد فاقم الأوضاع أكثر، القصف الإسرائيلي لعدد من المرافق الطبية، منها المختبر المركزي لوزارة الصحة، والذي توقف عن إجراء فحوصات فيروس كورونا، كما توقفت خدمة الاتصال المباشر المخصصة لتقديم خدمات التطبيب عن بعد، وتقديم الاستشارات الطبية للمواطنين خلال العدوان وجائحة كورونا4.
نقص الطاقة الكهربائية وانقطاعها عن منازل المواطنين والمرافق الحيوية
تفاقمت خلال العدوان أزمة انقطاع الكهرباء في قطاع غزة، بسبب منع سلطات الاحتلال توريد الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، وجراء تدمير جزء كبير من شبكة توزيع الكهرباء5. وأعلنت شركة الكهرباء أن نسبة العجز في الطاقة الكهربائية بلغت نحو 72%، وبسبب ذلك تقلص معدل ساعات وصل الكهرباء إلى ثلاث أو أربع ساعات يومياً، وأكدت الشركة أن عدد المواطنين الذين تأثروا من أزمة الكهرباء بلغ 700 ألف مواطن6.
نقص إمدادات مياه الشرب
عانى سكان قطاع غزة خلال فترة العدوان من انقطاع إمدادات مياه الشرب لفترات طويلة، وقد اضطرت البلديات إلى تشغيل آبار المياه المالحة لتعويض ذلك النقص. وقد أعلنت سلطة المياه في بيان لها أن قدرتها على تزويد السكان بالمياه انخفضت بنسبة 40%، ونجم ذلك عن استهداف الاحتلال للمرافق المائية بشكل مباشر أو غير مباشر في معظم محافظات القطاع7.
تعطل خدمات الصرف الصحي
أشارت سلطة المياه إلى أن استهداف خطوط الصرف الصحي أدى إلى تحويل المياه العادمة إلى الأحواض العشوائية، أو ضخها إلى البحر دون معالجة، وهو ما أدى إلى تلوث مياهه بشكل كبير. وقد واجهت الطواقم الفنية معيقات في القيام بأعمال الصيانة اللازمة لهذه المحطات، جراء صعوبة الوصول إليها،8. وينذر توقف عمل محطات معالجة مياه الصرف الصحي بحدوث مكرهة صحية خطيرة بين المواطنين، إضافة إلى إعادة تلويث خزان المياه الجوفي.
تدمير شبكة الطرق والمواصلات وشل حركة المواطنين
استهدفت طائرات الاحتلال بوابل من الصواريخ عدة طرق ومفترقات رئيسية في محافظات قطاع غزة، مما أدى إلى عرقلة الحركة المرورية للمواطنين من وإلى المناطق المركزية في المحافظات للتزود بالمواد الغذائية والأساسية، والوصول إلى الخدمات الرئيسية وخاصة المستشفيات والمراكز الطبية. كما منع تدمير الطرق الهيئات المحلية والبعثات الدولية والمنظمات الإغاثية الأخرى من تقديم المساعدة اللازمة للسكان.
تدمير شبكات الاتصالات والانترنت وقطعها عن آلاف المشتركين
عمدت طائرات الاحتلال إلى تدمير عدداً من الأبراج السكنية التي يتمركز فوقها أعمدة هوائية لبث خدمات الاتصالات والانترنت، وقد أدى ذلك إلى رداءة الاتصال الثابت والخلوي والولوج إلى الانترنت في معظم أنحاء القطاع. وانقطعت خدمات الاتصال والإنترنت عن عشرات آلاف المشتركين.
الجهود الاغاثية خلال فترة العدوان الحربي
لم تكن الجهود الاغاثية المحلية خلال العدوان الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة بالمستوى المطلوب، الذي يتناسب مع حجم الكارثة التي حلت بسكان قطاع غزة. فعدا عن الدعم الغذائي المتأخر لعدد محدود من العائلات، لم يتم إغاثة هذه العائلات، وخاصة تلك التي نزحت عن منازلها، بالاحتياجات الأساسية، مثل مستلزمات المبيت من فراش وأغطية، ومستلزمات الوقاية من فيروس كورونا. كما لوحظ غياب الجهود الاغاثية الدولية بشكل شبه كلي، واقتصرت المساعدات الدولية على الطرود الغذائية، أو صرف مبلغ مالي محدود لشراء المواد الغذائية9. وكان يُتوقع من هذه الجهات تقديم الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية للمنشآت الصحية التي عانت عجزاً غير مسبوق في هذه الاحتياجات. كما لم تقم هذه الجهات بتوفير الوقود اللازم لتشغيل مولدات الطاقة الكهربية في المستشفيات والمرافق الحيوية، كمرافق المياه والصرف الصحي.
ويعود ضعف العمل الاغاثي خلال العدوان لثلاثة أسباب رئيسية: الأول، الحصار الإسرائيلي وإغلاق كافة المعابر التي تزود قطاع غزة بالسلع والبضائع. والثاني، عدم توقع الجهات الاغاثية الخارجية لوقوع العدوان، وبالتالي لم تكن مستعدة لممارسة دورها الاغاثي المطلوب. أما السبب الثالث، فهو العجز المادي الذي تعاني منه الجهات الاغاثية المحلية والدولية، وما ما انعكس سلباً على عملها، وجعل دورها ضعيفاً.
تحديات عملية الاعمار
إن مشهد الدمار الهائل الذي حل بقطاع غزة، وطال آلاف المنازل ومئات المرافق الحيوية ومنشآت البنية التحتية يتطلب الشروع فوراً بعملية إنعاش مبكر وإعادة الاعمار، غير أن التجارب السابقة، وتحديداً العدوان الحربي عام 2014، تُنبئ بأن عملية الاعمار سيواجهها تحديات حقيقية قد تتسبب في تأخير البدء فيها أو على الأقل سيرها بوتيرة بطيئة واستمراراها لسنوات قادمة. ويكفي تدليلاً على ذلك أن هناك آلاف المنازل والمنشآت الاقتصادية التي تم تدميرها عام 2014 ما زالت على حالها، ولم يتم الشروع في اعمارها أو تعويض مالكيها حتى يومنا هذا10. وما زالت التحديات التي أعاقت تنفيذ خطة اعمار 2014 قائمة، وتشكل تحديات لعملية الاعمار المنشودة عام 2021، وأهم هذه التحديات:
- الحصار الإسرائيلي، وفرض قيود على توريد مواد البناء إلى قطاع غزة، علماً بأن إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة قد توصلوا في أعقاب عدوان عام 2014 إلى آلية أُطلق عليها "آلية الأُمم المتحدة لإعادة اعمار غزة (GRM)"، وقد فشلت هذه الآلية في تلبية احتياجات إعادة الإعمار، نتيجة فرض إسرائيل قيود صارمة جداً على توريد مواد البناء. وقد اعتبرت منظمات حقوق الانسان هذه الآلية بمثابة إعطاء شرعية دولية للعقوبات الجماعية ولجرائم الحرب المُمارسة بحق سكان مدنيين.
- تخلف المانحين الدوليين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية الخاصة بإعادة اعمار ما دمره عدوان 2021، لا سيما أن عدة دول مانحة ما زالت لم تفِ بتعهداتها المالية التي التزمت بها في "مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار قطاع غزة"، الذي عقد في القاهرة عام 2014.
وفي الختام، رغم أهمية التدخلات الاغاثية لإمداد سكان قطاع غزة بالاحتياجات الأساسية، وإنقاذهم من النكبات التي حلت بهم، غير أن الأولوية القصوى يجب أن تكون لإعداد خطة إعمار شاملة ومتكاملة تستجيب للاحتياجات الوطنية وتعد بطريقة تشاركية بين مختلف الجهات المحلية، بضمانات ودعم دوليين، وقائمة على النهج التنموي لإعادة ما دمره العدوان، وما خلفه الحصار الإسرائيلي الجائر من تداعيات كارثية، وأن يتم تحديد الاحتياجات في مختلف القطاعات المتضررة وفقاً للأولويات، وأن تتسم هذه العملية بالنزاهة والشفافية.
د. فضل عصام المزيني
مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المركز الفلسطيني لحقوق الانسان
المراجع
1 - للمزيد عن تدمير منازل المدنيين في قطاع غزة خلال عدوان 2021، وتوزيعها الجغرافي، 20 مايو 2021. أُنظر موقع وزارة الأشغال العامة والإسكان على الرابط الالكتروني:
2 - وزارة الصحة الفلسطينية، تحديث لإجمالي ضحايا العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، 31 مايو 2021. أنظر الرابط الالكتروني:
3 - الجزيرة نت، غزة: الحرب تطيح بإجراءات مكافحة كورونا ومخاوف من موجة ثالثة عنيفة، 30 مايو 2021. أنظر الرابط الالكتروني:
4 - وزارة الصحة الفلسطينية، مؤتمر صحفي للتنديد بتعرض مقر الوزارة للاستهداف واصابة عدد من الطواقم الصحية، 17 مايو 2021. أنظر الرابط الالكتروني:
5 - للاطلاع على المزيد حول أزمة الطاقة الكهربائية في قطاع، وتطوراتها المستجدة، 20 مايو 2021. أُنظر موقع شركة توزيع الكهرباء على الرابط الالكتروني:
6 - المصدر نفسه.
7 - للمزيد أنظر بيان لسلطة المياه الفلسطينية، 16 مايو 2021، على الموقع الالكتروني:
8 - المصدر نفسه.
9 - للاطلاع على المزيد حول الوضع الغذائي في قطاع غزة، أنظر المقابلة التي أجراها مدير برنامج الأغذية العالمي في فلسطين مع موقع أخبار الأمم المتحدة، 19 مايو 2021، على الرابط الالكتروني:
10 - المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، تقرير "أربعة أعوام بلا مأوى ملائم"، 23 ديسمبر 2018، أنظر التقرير على الرابط الالكتروني للمركز: