تحول مطلي بالأخضر: وهم الحلول المناخية – وفاء حديوي
مع اقتراب مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (كوب29)، أصبح من الصعب تجاهل وهم التقدم الذي يتم الترويج له في خطابات الطاقة العالمية. فالحلول التي تم الاحتفال بها في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين - مثل الهيدروجين الأخضر وتمويل المناخ - لا تتعلق بمعالجة تغير المناخ بقدر ما تتعلق بالحفاظ على اختلالات القوة العالمية. تتوافق هذه الديناميكية مع ما يسميه طارق علي "المركز المتطرف"، وهو إجماع بين النخب السياسية والشركاتية التي تعزز الحلول التكنوقراطية للحفاظ على الوضع الراهن، مع إعطاء مظهر العمل الجريء.
الهيدروجين الأخضر، رهان متفائل تقنيًا
أصبح الهيدروجين الأخضر الطفل المدلل لأجندة المناخ الأوروبية. يتم الترحيب به باعتباره خطوة ثورية نحو إزالة الكربون، حيث يستهدف الاتحاد الأوروبي دول شمال إفريقيا مثل المغرب وتونس كشركاء رئيسيين. ومع ذلك، تكمن وراء السرد المصقول قصة مألوفة عن الاستغلال. يتطلب إنتاج الهيدروجين الأخضر موارد مائية كبيرة، التي تعاني المنطقة من نقص فعلي لها. وعلاوة على ذلك، فإن البصمة الأرضية لهذه التكنولوجيا كبيرة، وتؤثر على المجتمعات التي ترتبط سبل عيشها وتاريخها وهويتها بأرضها.
وقع المغرب أول شراكة للهيدروجين الأخضر مع الاتحاد الأوروبي قبل مؤتمر المناخ كوب27 في عام 2022، الذي عقد في مصر، مما وضع الأساس لطفرة الهيدروجين الأخضر. ومن المقرر أن يتم تركيب 6 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، مثل الأمونيا الخضراء. وتخطط البلاد لتصدير أكثر من 70٪ منه إلى أوروبا وتخصص مليون هكتارًا من الأراضي لإنتاج الهيدروجين الأخضر. بالإضافة إلى الأرض، سيستفيد المستثمرون من حزمة حوافز عالية، بما في ذلك الإعفاءات من ضرائب القيمة المضافة والرسوم، لتزويدهم بمزيد من الثقة للاستثمار في المخطط.
بدلاً من تعزيز الانتقال العادل للطاقة، يمثل هذا شكلاً جديدًا من أشكال الاستخراج. في حين تعمل أوروبا على تقليل انبعاثات الكربون وتأمين طاقة أنظف، فإن شمال إفريقيا ستتحمل التكاليف - استنزاف المياه، ونزع ملكية الأراضي، وتقويض سبل العيش المحلية. إن هذا ليس تحولاً تقدمياً في مجال الطاقة بل استمرار للمنطق الاستعماري، حيث يتم إعادة تعبئة استخراج الموارد ضمن سردية خضراء. وكما كان الحال في الماضي، فإن مصالح الشمال العالمي لها الأسبقية، تاركة وراءها التدهور البيئي والظلم الاجتماعي في الجنوب العالمي.
تعويضات المناخ أم فخ الديون؟
تم اعتماد تمويل المناخ كحل، وهو قضية رئيسية أخرى من مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين ومن المرجح أن تظل مثيرة للجدال في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، فقد وعدت الدول الغنية بمبلغ 100 مليار دولار سنويًا لدعم جهود التكيف والتخفيف في الجنوب العالمي. ومع ذلك، ومنذ هذا التعهد في عام 2009، لم يتم تسليم معظم الأموال. وغالبًا ما يصل القليل الذي تم توفيره في شكل قروض، وليس منحًا، مما يخلق آلية أخرى من الاعتماد المالي على البلدان الأقل مسؤولية عن أزمة المناخ ولكنها الأكثر تضررًا منها.
وتقوم مؤسسات مثل البنك الدولي بتوصيف هذه القروض كمساعدات خيرية، لكنها أدوات للسيطرة، حيث تُرغم البلدان التي تعاني من إرث فعلي للاستعمار والتفاوت النظامي على تحمل المزيد من الديون تحت ذريعة العمل المناخي. وكان من المفترض على صندوق الخسائر والأضرار، الذي تم تقديمه في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين لمساعدة البلدان على إعادة البناء بعد الكوارث المناخية، أن يوفّر الإغاثة. ومع ذلك، مع التعهد بمبلغ 700 مليون دولار فقط مقابل الـ580 مليار دولار المطلوبة سنويًا، فإن صندوق الخسائر والأضرار لا يبدو أكثر من وعد فارغ.
على التعويضات المناخية الحقيقية أن تتجاوز القروض والتزامات التمويل الضعيفة، وأن تتخذ شكل المنح غير المشروطة، مع الاعتراف بالمسؤولية التاريخية لشمال العالم عن قرون من الاستغلال والتدمير البيئي. فتعويضات المناخ لا تتعلق بالصدقة بل بالمساءلة، أي الاعتراف بالدمار البيئي الذي تسببت فيه الدول الصناعية وسداد ديون المناخ المستحقة للجنوب العالمي.
جاذبية الحلول التكنولوجية: وهم مناسب
تبقى الحلول التكنولوجية مثل الهيدروجين الأخضر جذابة بشكل خاص للوسط المتطرف. وكما يصف طارق علي، فإن هذا الإجماع السياسي يقدم نفسه على أنه تقدمي بينما يعمل على إدامة هياكل سيطرة الشركات والدولة ذاتها. إن الحلول التكنولوجية تسمح للشمال العالمي بالحفاظ على أنماط استهلاكه ونموه الاقتصادي، مقابل اختلاق وهم العمل المناخي الهادف. أما التكاليف الحقيقية-التدهور البيئي والظلم الاجتماعي-فتُلقى على عاتق الجنوب العالمي.
إن الهيدروجين الأخضر يناسب هذا الإطار تماما. فبوسع أوروبا أن تزيل الكربون من اقتصادها، وتحافظ على النمو الصناعي، وتبدو وكأنها تقود المعركة ضد تغير المناخ، وكل هذا مع نقل التكاليف البيئية والاجتماعية إلى شمال أفريقيا. تذكرنا فاندانا شيفا بأن تغير المناخ ليس قضية فنية فحسب، بل هو متجذر في قرون من الاستخراج والاستغلال واللامساواة. أما الحلول التكنولوجية كالهيدروجين الأخضر فهي لا تقوم بالكثير لمعالجة هذه المظالم الأساسية. والواقع أنها غالبا ما تؤدي إلى تفاقم أوجه اللامساواة ذاتها التي تزعم القيام بحلّها. إن الحلول التقنية مناسبة سياسيًا، فهي تخفي تقاعس النخب العالمية وراء واجهة الإبداع التكنولوجي، لكنها تفشل في تفكيك بنى السلطة المسؤولة عن أزمة المناخ.
استعادة السردية
مع اقتراب مؤتمر المناخ، يواجه العالم خيارًا صعبًا: إما الاستمرار على مسار التضليل البيئي والحلول التقنية، أو المطالبة بتغيير حقيقي وتحويلي، ولابد أن يكون التحوّل الحقيقي في مجال الطاقة غير استعماري وأن يتسم بالعدالة، ويركز على أصوات الأكثر تضررا من الأزمة. وهذا يعني رفض الحلول التي تقودها الشركات والقائمة على السوق مثل الهيدروجين الأخضر الذي يعمق التفاوتات القائمة، واحتضان البدائل المستدامة التي يقودها المجتمع.
يتعين على الشمال العالمي أن يتحلّى بالمسؤولية عن دوره في التسبب في أزمة المناخ من خلال توفير تعويضات مناخية حقيقية، لا كقروض، بل كمنح. وينبغي أن تتجاوز هذه التعويضات التعويض المالي لتشمل تفكيك البنى التي لا تنفك عن استغلال الجنوب العالمي لصالح القِلّة الثرية.
ومن المرجح أن يستمر الوسط المتطرف في مؤتمر المناخ التاسع والعشرين في دفع الحلول الزائفة المتخفية في لغة التقدم والاستدامة، والتي لا تخدم سوى للحفاظ على ديناميكيات القوة التي أدت إلى أزمة المناخ في المقام الأول. وكما يذكرنا مالكولم فرديناند، فإن التحول الذي نحتاجه لا يمكن أن يكون ذلك الذي يتم فيه إنقاذ قِلة والتضحية بالبقية. نحتاج إلى إعادة هيكلة جذرية لسياسات الطاقة العالمية - والتي تضمن قدرة جميع الشعوب على المضي في عملية الانتقال مع الحفاظ على حقوقها وكرامتها وسبل عيشها. فالوقت يمضي بسرعة، وهل سيكون مؤتمر المناخ التاسع والعشرين مجرد تمرين آخر في التضليل البيئي والوعود الكاذبة، أم أنه سيمثل بداية لمستقبل عادل ومستدام حقًا للجميع؟
وفاء حديوي