السياسة المالية العامة ومستويات الأسعار والأجور في بلدان عربية مختارة - د. نصر عبد الكريم
السياسة المالية العامة ومستويات الأسعار والأجور في بلدان عربية مختارة - د. نصر عبد الكريم
(المغرب، وتونس، والأردن، والجزائر، ولبنان، وفلسطين)
الرجاء الضغط هنا للإطلاع على التقرير الكامل
ملخص تنفيذي
هدف هذا التقرير إلى اشتقاق التدخلات الحكومية التي تسهم في تجاوز التحديات والأزمات المزمنة وتلك المفروضة في السنوات الأخيرة. ويتم التركيز على السياسة المالية والإجراءات التي تتخذها بعض الدول العربية (لاسيما كل من المغرب، وتونس، والأردن، والجزائر، ولبنان، وفلسطين) لتفعيل السياسة المالية تجاه تحقيق الأهداف الاقتصادية للدولة وتحقيق التنمية المستدامة. وأتت أهمية إعداد هذا التقرير من خلال تركيزه على قضايا تهمّ المواطن العربي، وتمسّ أموره الحياتية بشكل مباشر؛ مما يتطلب من الدول العمل على إصلاح وتطوير سياساتها المالية واستخدام الأدوات المختلفة التي تساعد على تحقيق النمو الاقتصادي، والاهتمام بكافة شرائح المجتمع لاسيّما الفئات الفقيرة والمهمّشة. اعتمد هذا التقرير على المنهج الوصفي التحليلي والاستنباطي، من خلال الاطلاع على البيانات والتحليلات ذات العلاقة في الدول محل التقرير، وإجراء المقارنات بينها.
أبرز الاستنتاجات التي توصّل إليها التقرير
1. هناك العديد من القواسم المشتركة للسياسة المالية في الدول الست محل التقرير، من حيث التركيز على التحفيز للنمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة. ومع ذلك، تختلف الدول في أساليب تنفيذ السياسة المالية؛ فعلى سبيل المثال، تفرض بعض الدول ضرائب على الدخل والمبيعات لتمويل الإنفاق العام، بينما يعتمد بعضها الآخر على الاقتراض الخارجي (مثل تونس).
2. تواجه هذه الدول تحديات مشتركة، مثل زيادة الديون العامة والتضخم وارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية. وتواجه بعض الدول تحديات خاصة، مثل تفشي الأوبئة والصراعات الداخلية.
3. تتشابه الدول الست في تركيبة إيراداتها العامة؛ حيث تعتمد غالباً على عدة مصادر لتوليد الإيرادات. التي أهمها، الضرائب: تُعد المصدر الأساسي لتوليد الإيرادات العامة في هذه الدول؛ تشكل الإيرادات الضريبية الجزء المهم والأكبر من الإيرادات العامة والمنح في جميع الدول الست. وهي تفوق ثلثي الإيرادات في خمس دول (المغرب وتونس ولبنان والأردن وفلسطين)، في حين تشكل نسبة نحو 40 % في الجزائر.
شكلت الإيرادات غير الضريبية نحو 11.7 % للدول العربية مجتمعة في العام 2021، تختلف تركيبة الإيرادات غير الضريبية في الدول الست محل التقرير من دولة إلى أخرى، وتعتمد بشكل كبير على الاقتصاد والقطاعات الحيوية في كل دولة.
4. تحصل بعض الدول على مساعدات دولية من الدول المانحة والمنظمات الدولية، وتشكل هذه المساعدات مصدرًا مهمًا لتوليد الإيرادات العامة وتمويل المشاريع الحيوية في بعض الدول؛ ولكن يلاحظ انخفاضها (كنسبة من الإيرادات العامة) سنة تلو الأخرى فقد انخفضت في فلسطين من نحو 17 % في العام 2017 إلى نحو 7% في العام 2021، وفي الأردن انخفضت بشكل طفيف من نحو 8 % في العام 2017 إلى نحو 7.6 % في العام 2021.
5. يُشكل الإنفاق الجاري معظم الإنفاق العام للدول العربية مجتمعةً، وقد ارتفع خلال الفترة 2017 - 2021 من 80.3 % في العام 2017 إلى 86.1 % في العام 2021، أما الإنفاق الرأسمالي فقد انخفضت نسبته خلال نفس الفترة من 19.7 % في العام 2017 إلى 13.9 % في العام 2021. ويُشكل ارتفاع نسبة الإنفاق الجاري مؤشراً على ضعف السياسة المالية وانخفاض تأثيرها الاقتصادي.
6. تعاني الدول الست من وجود العجز في موازناتها في الفترة 2017 - 2021، وأن هناك تذبذب في قيمة العجز ونسبته من الناتج المحلي الإجمالي. ففي العام 2021 كانت النسبة الأكبر للعجز في لبنان إذ بلغت النسبة 18.4 %، يليها الجزائر 12.4 %، ثم تونس 7.5 %، في حين تتقارب الدول الثلاث (الأردن، وفلسطين، والمغرب) إذ بلغت النسبة ما بين 5.2 - 5.5 %.
7. ارتفع إجمالي الدين العام في الدول الست، وقد جاءت لبنان في مقدمة الدول العربية التي ارتفع لديها إجمالي الدين العام، حيث يواجه لبنان أزمة اقتصادية خانقة وتدهوراً حاداً في قيمة العملة ومستوى المعيشة، ومن أبرز المؤشرات بالنسبة للدين العام هو نسبته من الناتج المحلي الإجمالي؛ فقد تجاوزت نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي في كل من الأردن وتونس ولبنان، في حين يشكل نحو 90 % في المغرب ونحو 57 % في الجزائر، ونحو خمس الناتج المحلي في فلسطين.
8. ارتفع التضخم في أغلب دول العالم بما فيها الدول العربية؛ وذلك نتيجة للعديد من الأسباب مثل تقلبات أسعار النفط، والتغيرات المناخية، والعوامل الجيوسياسية مثل الأزمة الأوكرانية الروسية، إذ أثرت كثيراً على الدول العربية لاسيما على صعيد الأمن الغذائي، وتأثيرها على قطاع السياحة خاصة في تونس والمغرب، كذلك أثرت أزمة كوفيد – 19 بشكل كبير على سلاسل الإمداد وتقييد حرية النقل، كما أدى التعافي من أزمة الجائحة إلى ارتفاع معدلات التضخم نتيجة الطلب الاستهلاكي المتزايد. كما ازداد الأمر تعقيداً في الدول العربية نتيجة للعجز الغذائي والحيز المالي وسعر صرف العملة المحلية.
9. لا تتفاعل الأجور في الدول العربية مع الارتفاع الكبير في التضخم؛ فهي "تزحف" ومعدلات التضخم "تهرول"، وقد زادت في الأشهر القليلة الماضية المظاهرات المنددة بغلاء الأسعار في العديد من الدول العربية وغير العربية، والتي طالب فيها المحتجون بتحسين الأجور في ظل تدنيها أو جمودها لسنوات في مقابل الارتفاع الكبير لتكاليف المعيشة، لاسيما ارتفاع أسعار المواد الأساسية. فقد شهدت الأجور في الدول العربية زيادة طفيفة بنسبة 1.2 % في العام 2022، في حين ناهزت 0.5 % في عام 2021، و0.8 % في عام 2020. وفي المغرب انخفضت الأجور بنسبة 2.6 % في العام 2020. في حين ارتفعت في الأردن بنسبة طفيفة 0.1 % في العام 2020.
أبرز المقترحات الإصلاحية
حول السياسة المالية: من المهم بداية تحسين مستوى العدالة الضريبية في الدول المستهدفة، ويتطلب ذلك: تغيير نمط الموازنة من موازنة البنود إلى موازنة البرامج والأداء، وتطبيق قواعد صارمة لمكافحة كافة أشكال الفساد والتهرب الضريبي في الدوائر الضريبية، ووضع مزيد من التركيز على جمع الإيرادات الضريبية المباشرة (الدخل والثروة) بدلاً من الضرائب غير المباشرة (ضرائب الاستهلاك)، وإعادة تصميم الحوافز الضريبية لتستهدف ليس فقط الاستثمارات الكبيرة، بل أيضا الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والتي تمثل أكثر من 95 % من الأعمال في هذه الدول، وإعادة النظر في القاعدة الضريبية الحالية لتتضمّن الأنشطة غير التقليدية والأنشطة غير المنتجة مثل الصفقات العقارية والمضاربات في أسواق المال، وتوسيع دائرة المشاركة المجتمعية، وتغليب لغة الحوار والنقاش مع الفئات الاجتماعية المتأثرة بقانون الضريبة.
- في ظل الموارد المالية المحدودة، لابد من تحسين كفاءة الإنفاق العام ويتطلب ذلك: إعادة هيكلة الإنفاق الحكومي من خلال إعادة تخصيص موارد أكثر للاستثمارات العامة، وإعادة النظر في حصة الأجور من إجمالي الإنفاق (العالي جداً)، وزيادة الموارد المالية المخصصة للضمان الاجتماعي وبرامج الخدمات التي يستفيد منها الفقراء، وتخفيض أو ترشيد الإنفاق الحكومي على الأسلحة والأمن وتوجيه أي فوائض مالية للخدمات الاجتماعية والتمكين الاقتصادي.
- للتغلب على العجز الدائم وارتفاع الدين العام المستمر، يجب أن يتمّ التركيز على تقديم أدوات مالية غير تقليدية لتمويل عملية التنمية وبرامجها ومشروعاتها، وهو الأمر الذي سيقلّص تلقائيا من لجوء الدول إلى الاقتراض من الداخل أو الخارج. تتضمّن هذه المجموعة جملة من الأدوات التمويلية المبتكرة وغير المفعّلة في الدول العربية بالشكل الكافي، ومن أهمّها: تحويل الدين إلى أداة ملكية فيما يعرف بمبادلة الديون بالملكية (Debt to Equity Swaps)، والتوريق (Securitization)، والصكوك الإسلامية، وتفعيل ممارسة الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام، وسندات المهاجرين (Diaspora Bonds).
- حول الأسعار والتضخم: من غير الممكن لتحقيق فعالية السياسة النقدية في محاربة التضخم أن تتعايش مع الدين العام المرتفع، وأن تعمل الحكومات على تفعيل السياسة النقدية للابتعاد عن دوامة ارتفاع الأسعار وارتفاع الأجور، وأن تعمل البنوك على زيادة التواصل مع كافة القطاعات لترسيخ توقعات اقتصادية أكثر مرونة، وأكثر فهما لأدوات السياسة النقدية.
- حول الأجور وسوق العمل: تحسين الرواتب والأجور من خلال تحسين بيئة الأعمال وزيادة الإنتاجية، والتزام الشركات بمبادئ الحوكمة، وتعزيز دور المنظمات العمالية ودعمها وتشجيعها من الحكومات والمجتمع المدني، وتحديد الحد الأدنى للأجور، وتحسين بنية الرعاية الاجتماعية، وتطبيق الضرائب العادلة والتي تحمي الطبقات الفقيرة والمتوسطة وتحد من التفاوت الاجتماعي، والتركيز على توظيف الشباب وتوفير فرص العمل لهم، وتعزيز الحوار الاجتماعي والتشاور مع المنظمات العمالية والعمال وأصحاب العمل والمجتمع المدني.
الرجاء الضغط هنا للإطلاع على التقرير الكامل
د. نصر عبد الكريم