Sep 10, 2024
الحوار الاجتماعي في تونس مرتبط باستئناف الانتقال الديمقراطي - د. صلاح الدين الجورشي
صلاح الدين الجورشي
صحفي ومحلل سياسي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
صلاح الدين الجورشي

الحوار الاجتماعي في تونس مرتبط باستئناف الانتقال الديمقراطي - د. صلاح الدين الجورشي


يجري الحديث عن الحوار الاجتماعي في تونس منذ سنوات دون أن تبرز آثاره وتداعياته بشكل ملموس وعملي. فالأطراف المعنية بهذا الحوار تؤكد على أهميته وضرورته، وهي الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة، لكن مع ذلك لم يحصل تقدم في اتجاه تحويل هذه النوايا الحسنة إلى خطوات عملية نحو وضع أجندة واضحة، وضبط مواعيد مؤكدة لاستئناف هذا الحوار. ويعود ذلك إلى الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ ثلاث سنوات على الأقل.


الحوار الاجتماعي مسألة قديمة في تونس لها تاريخ يعود إلى فترة الاستقلال، لكنها كانت دائما خاضعة للعامل السياسي الذي يفترض فيه تفعيل الحوار وتنظيمه أو أن يضع أمامه العراقيل والعقبات. وكلما اندلعت أزمة اقتصادية واجتماعية وتضاربت المصالح وأدرك المسؤولون في الدولة خطورة الأوضاع، بادروا عادة بالدعوة إلى الحوار، وعملوا على توجيهه والتحكم في نتائجه.


في هذا السياق تم تأسيس " مجلس الحوار الاجتماعي "، هو مجلس استشاري يتولى تنظيم وإدارة الحوار الاجتماعي في المسائل الاجتماعية والاقتصادية. حصل ذلك بناء على القانون عدد 54 الذي صدر بتاريخ 24 جويلية 2017، الذي حدد طبيعته هذا وأدواره وهياكله الداخلية. ورغم ذلك مرور سبع سنوات على ذلك لم يتم الاستفادة من هذا المجلس وتمكينه من المساهمة في تحديد الخطوات المستقبلية للبلاد.


اللافت للنظر أنه بالرغم من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الهيكلية التي تمر بها تونس خاصة في الفترة الأخيرة، لم تتحرك السلطة من أجل جمع الأطراف الشريكة في الحوار الاجتماعي، ولم يقع البحث حول كيفية إدارة هذه الأزمة والتخفيف من تداعياتها الخطيرة. فنسبة النمو حاليا هي في حدود 0.2 %،  ونسبة البطالة تجاوزت 16 %،  إلى جانب الارتفاع المذهل للأسعار، والنقص الفادح للمواد الأساسية في الأسواق، وهو ما ولد حالة احتقان اجتماعي خطيرة. وتعترف السلطة بأن الاقتصاد التونسي لم يتعافى بعد من المخلفات القاسية التي تركتها جائحة كورونا. وقد حاولت الحكومات المتعاقبة أن تدفع نحو " إعادة التفكير في هيكلة عالم العمل في تونس من أجل إنجاح التعافي بعد جائحة كوفيد-19"، واعترفت هذه الحكومات بأن الحوار الاجتماعي يمكن أن يلعب دور " الرافعة للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي" . لكن هذا الخطاب الرسمي لم يترجم إلى سياسة واضحة وملزمة للجميع "، وبقيت هذه الخطوات متعثرة وبدون متابعة.


لهذا أكد مؤخرا الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي على أن الحوار الاجتماعي" يمثل مكسبا من المكاسب ولا يمكن التراجع عنه مهما كلّف ذلك، مشددا على أن إرساء هذا الحوار لا يكون عبر التفاوض بشروط ". ويقصد بذلك الشروط التي تريد السلطة وضعها مسبقا قبل الشروع في الحوار.  


لقد أسهم عدم الاستقرار السياسي في توتير الأجواء، وخلق حالة من الانكماش وعدم الثقة بين الأطراف. تكفي الإشارة في هذا السياق إلى تعيين خمس رؤساء حكومات خلال السنوات الخمس الماضية، أي رئيس حكومة في كل سنة. وهو ما أسفر عن تغييرات متلاحقة لوزراء الاقتصاد والشؤون الاجتماعية المعنيين بدرجة أساسية بمسألة الحوار الاجتماعي. ومع تعيين كمال المدّوري مؤخرا رئيسا جديدا للحكومة، يتوقع أن يولي أهمية خاصة لمسألة الحوار الاجتماعي رغم أن صلاحياته محدودة. فقد أكد قبل شهرين من تعيينه  على رأس الحكومة أنّ الأزمات الأخيرة " كشفت الترابط بين الاقتصادات والمجتمعات وتنامي الاختلالات الاقتصادية المرتبطة بالتحولات الديمغرافية والتطورات التكنولوجية والتغيّرات المناخية والتوتّرات الجيوسياسية وتفاقم الهجرة القسرية ". ونظرا للعلاقة الإيجابية التي تربطه بالنقابات يتوقع أن يلعب دورا ما لتقريب الشقة بين الرئيس سعيد المتمسك بانفراده بالحكم من جهة وبين قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل من جهة أخرى.


لقد رفض الرئيس سعيد أن تشاركه النقابات في إدارة الشأن العام، فقرر تحجيم دور اتحاد   الشغل، وعمل على تقليص حضوره السياسي وفق رؤيته الرافضة للأجسام الوسيطة المتمسكة باستقلاليتها. وحتى يتمكن من تقييد حركة الاتحاد صدر المنشور عدد 20 بتاريخ 9 ديسمبر 2021، وهو المنشور الذي حدَّد شروط التفاوض مع النقابات وضوابطه. وفرض عليها التنسيق بصفة مسبقة مع رئاسة الحكومة، ومنع الوزراء من الشروع في التفاوض مع النقابات سواء فيما يخص مجال الوظيفة العمومية أو المؤسسات والمنشآت العمومية إلا بعد الترخيص لهم. ورغم اعتراض الاتحاد على هذا المنشور، ولجوئه إلى أشكال متعددة من التصعيد الميداني، أصرَّ رئيس الدولة على موقفه ولم يتراجع قيد أنملة عن قراره، وهو ما اعتبره الكثيرون خضوعًا مؤقتًا للاتحاد لسياسات الأمر الواقع التي نجح قيس سعيد في فرضها على الجميع منذ انفراده بالحكم وإيقافه لمسار الانتقال الديمقراطي في تونس. ويعتقد في نفس السياق بأن البلاد تخوض "حرب تحرير وطنية"، وأنه يعمل على إنقاذها من الفقر والفساد ومن "أعداء الدولة" في الداخل والخارج حمايةً للسيادة الوطنية. وهو ما يفترض تجميع القوى والمنظمات وتفعيل آليات الحوار بينها من أجل صياغة عقد اجتماعي جديد.
على هذا الأساس وجه الأمين العام لاتحاد نور الدين الطبوبي نداءً مؤخرًا دعا فيه إلى إطلاق حوار اجتماعي وصفه بـ "الصادق والنزيه والهادف". وربط الحوار الاجتماعي بحماية "الحق النقابي كمكسب من المكاسب"، مبينًا بالخصوص أنه "لا يمكن الحديث عن حق نقابي طالما لا يتم الحديث عن حقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية التنظيم وحرية الإبداع الفكري".


بناءً عليه، يتأكد أن الحوار الاجتماعي في تونس معطَّل بسبب عدم توفر الإرادة السياسية التي تأخذ بعين الاعتبار استقلالية الأطراف الاجتماعية وحقها في الدفاع عن منظوريها دون إجحاف بما يهدد الاقتصاد العمومي ويعرض السيادة الوطنية للخطر. وبالتالي يبقى الحوار الاجتماعي مؤجَّلًا في انتظار استئناف "الانتقال الديمقراطي".


د. صلاح الدين الجورشي



احدث المنشورات
Nov 23, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٨
Nov 22, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٧
منشورات ذات صلة
Jan 23, 2023
مرصد الفضاء المدني - تونس: الفضاء المدني المهدّد
Jun 05, 2023
نضال النساء والحقوق السياسية