الحريات في لبنان: العودة لنظام الوصاية الأمنية - جاد شحرور
لم يعد خفياً على الشعب اللبناني، قرار السلطة الحاكمة بالانقضاض على الحريات المدنية والإعلامية بشتى الوسائل، آخرها الترهيب، وخرق القانون، بتحريف مواد قانون العقوبات المتعلقة بحرية التعبير كيفما اتفق مع مصالح الأحزاب الحاكمة من جهة، وأدواتها من سلطات أمنية وروحية من جهة أخرى. حتماً نحن في رحاب الدولة الامنية البوليسية.
وإن فشل شهر يوليو/ أيلول في أن يبشرنا بفصل الخريف في لبنان، إلا أنه كان اعلاناً واضحاً لخريف الحريات، وتساقط آخر أصوات حرية التعبير في لبنان. فطبيعة الانتهاكات تنوعت بين استدعاء واحتجاز، واعتداء وتهديد وتشهير وخطاب كراهية وضغط أثناء التحقيق ودعاوى قضائية. ومع ذكر طبيعة الانتهاكات، لا بد من ذكر مسبب الانتهاكات والمتضرر منه. فعدد الانتهاكات سبعة لهذا الشهر، أربع انتهاكات منها، سببها أو منفذها هي الاجهزة الأمنية اللبنانية، والانتهاكات الثلاث الباقية فسببها مواطنون ومؤسسة رسمية والقضاء اللبناني، أما المتضررون من هذه الانتهاكات هم، الصحافية مريم مجدولين لحام، الصحافية لين شيخ موسى، الناشط شربل خوري، وقناة الـ MTV اللبنانية.
في ملف مريم مجدولين لحام، يعود بنا الزمن لأجهزة المخابرات اللبنانية والسورية عندما كانت تحاول تركيب فضائح "اخلاقية" في ساحة الشهداء لتشويه سمعة الاعتصام في العام ٢٠٠٥. فبدل التحقيق مع مريم بشكل قانوني، وان في الحقيقة، فكرة التحقيق معها كلها يجب ألا يحصل أبداً. قامت الاجهزة الامنية بمنع محاميتها من مرافقتها في التحقيق بشكل كامل، وفتشت منزلها بشكل غير قانوني، بهدف العبث بأغراضها الشخصية.
معركة حرية التعبير وجولاتها
في معركة الحريات، لم يعد الرقم مهماً، انما تحديد وجهة المعركة هو الاهم، أولى جولات هذه المعركة هي مع ذهنية النظام الحاكم، في تبديد فكرة القمع وفتح المجال أمام الصحافيين القيام بعملهم، وعدم ملاحقة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عند تعبيرهم عن رأيهم خارج مزاج السلطة. كما جزء لا يتجزأ من محاربة سردية النظام، هو ايقاف مقولة، "من يدافع عن حرية التعبير، يدافع عن قلة الادب"، تماماً كما أي مواطن لا يسجل نفسه وعائلته بالتأمين الصحي، لأنه يريد أن يمرض عمداً. ثم وإن كانت هذه الفرضية، موجودة، حسناً لكل منا حرية قلة الأدب، ولكل متضرر حرية تحصيل حقه بالقانون، الا إذا كان يعمل في الشأن العام، ومؤتمن على حقوق المواطنين. فشتم وزير نهب البلد طبيعي، انما التغاضي عن أفعاله فهو الامر غير طبيعي، لا بل هي شراكة في جرم النهب بشكل غير مباشر.
أما الجولة الثانية، فهي حتماً في مناقشة سبل تحسين لغة القانون وتعديله، خصوصاً بالمواد المتعلقة بحرية التعبير وحرية الاعلام. الدستور اللبناني كفل حرية التعبير في مقدمته، وانقض عليها في مواد أخرى. مثلاً، إذا ذهبنا لقانون العقوبات، حيث نجد مواد القدح والذم (٥٨٢-٥٨٦)، وغالباً ما تستخدم هذه المواد لإسكات صحافيين ومواطنين كشفوا فساداً أو عبروا عن رأيهم، نذكر منهم جان قصير ولارا بيطار. واستخدمت المواد المذكورة لإصدار أحكام سجن، بحق كل من ديما صادق، حنين غدار، آدم شمس الدين، ميشال قنبور وفداء عيتاني، الأخير صدر بحقه أكثر من حكم سجن لنشره سلسلة مواقف ضد الطبقة الحاكمة، ونتيجة الحملة عليه من قبل النظام، اضطر إلى الخروج من لبنان، ويبتعد عن عائلته، حماية له ولهم. وطبعاً، هذه القوانين، تناقض جميع المعاهدات الدولية، التي مضى عليها لبنان، فقوانين التشهير والتحقير في لبنان لا تتماشى مع التزاماته بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
والجولة الثالثة، هي مع الناس، مع الشارع، فالتذكير أن امتلاك المعلومة حق، ومن دون صحافة حرة ومعلومة حقيقية لا يمكن أن نحمي أرواحنا من اجرام الطبقة الحاكمة. إن معركة الحريات، معركة كل مواطن، قبل أن يكون صحافياً أو كاتباً أو ناشطاً، هي معركة الشارع ضد النظام البائد.
في السياسة اللبنانية
وفي وقت كاد أن يكون لبنان، مثالاً عن حرية التعبير بعد خلع نظام الوصاية السورية عنه، تراه اليوم يعود للقمع، لكن بإدارته من دون السوري، ليخسر فرصة الغاء الموافقة الامنية المسبقة على صنع السياسة الوطنية. بلا شك إذا أردنا الغوص في ملف الحريات في لبنان، فهذا يتطلب أكثر من مقال، لا بل سلسلة من المحتوى التي تشرح ظروف المرحلة السياسية ربطاً بعمل الاعلام اللبناني المستقل من جهة، وذلك الكلاسيكي المملوك من العائلات السياسية تاريخياً.
لكن عندما يخرج أقوى شخصية عسكرية في لبنان، ومايسترو ايقاع نظام المحاصصة، أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، ليقول موقفه المعادي للمدنيين، للعاملين في مجال المنظمات غير حكومية، التي استبدلت فساد الدولة بحلول ظرفية لصالح الشعب، ضد الصحافيين ووصفهم بقلة الادب، وتجنيد نوابه في المجلس النيابي الماضي في لجنة الاعلام النيابية لاستجواب المحطات المتلفزة حول المحتوى المنشور عن حادثة اغتيال الكاتب اللبناني لقمان سليم، فهذا يعني أن الحريات في لبنان مرفوضة، ودعوة واضحة للعودة للحريات في زمن الوصاية السورية ما قبل الـ ٢٠٠٥. وعندما تلتحق المؤسسات الدينية، الاحزاب اللبنانية وصب قوتها على كل من ينتقد فكرة ما، فهذا مؤشر، أن المأزوم اليوم في السياسة، يستطيع شد العصب من خلال الدين والشارع الطائفي، والعودة لمقدسات الدولة اللبنانية مثل الجيش اللبناني، تماماً ما حصل مع الممثل الكوميدي، نور حجار منذ شهرين.
اليوم معركة الحريات ليست مرتبطة بمن يقول رأيه فحسب، لا بل مرتبطة بتفاصيل يوميتنا، سياسياً، اجتماعياً، واقتصادياً. سردية النظام تقول إن هذا الانهيار الاقتصادي السياسي هو بسبب هذه الحريات، وحدهم أبناء 17 تشرين 2019، مسؤولين عن الازمة، وحدهم المجتمع المدني، الذي يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة، المروجون للمثلية الجنسية ولقلة الادب، هم الذين يعيثون في الارض فساداً. أما النظام الحاكم بريء، وليس بيده حيلة، لكن في الحقيقية، ان كان هناك شيء بيد النظام الحاكم، فهوا حتماً، حياتنا، مستقبلنا، واولادنا.
جاد شحرور
مصادر
1. الانتهاكات في لبنان
2. النبذة 5 : : في الذم والقدح
3. حملة لإلغاء تجريم التحقير والقدح والذم في القوانين اللبنانية
4. لبنان: توقيف فنان كوميدي بسبب نكت نقدية
5. توقيف الصحافية مريم مجدولين لحام... "تجمع نقابة الصحافة البديلة" يكشف عن "اقتحام خصوصيات وخرق الشفافية"
6. جدل في لبنان بعد قرار قضائي بسجن مقدمة البرامج اللبنانية ديما صادق
7. فداء عيتاني... 8 احكام بالسجن لإستخدام نفس العبارة!
8. استنكار لتعرّض نصرالله إلى الإعلام: صاحب الرأي الشجاع متّهم بالعمالة
9. لبنان: حرية الصحافة مهدَّدة في ظل اقتراحين تشريعيين مناهضين لمجتمع الميم