التنمية المستدامة في علاقة بانخراط الشباب في الشأن المدني - مالك الماي
تعتبر فئة الشباب من أكثر الفئات العمرية اثارة للجدل في شتى المجالات خصوصا في العالم العربي بالنظر لدورها وفعاليتها وبالمقابل هي تواجه الكثير من التحديات والعقبات. وثمة جدل كبير حول انخراط الشباب في منظمات المجتمع المدني، بوصفها فضاءات هامة للتعبير عن هواجسهم وتطلعاتهم، ولكونها تساعد في خلق مساحات منظمة للاجتماع والنقاش ومن ثم المرور لخلق التغيير على المستوى الواقعي.
نحن نعلم أن أهداف التنمية المستدامة و أجندة 2030 منذ ظهورها قد تبلورت بشكل واضح في استراتيجيات عمل مختلف النسيج المكون للمجتمع المدني. فصيغت البرامج المعرفة بها كأهداف في مرحلة أولى ومن ثم العمل عليها. مما أعطى تطورا واضحا لصيغ المناصرة كشكل مهم للمطالبة باسترداد الحقوق، من خلال أنشطة متعددة من بينها التحركات وحلقات النقاش والحضور الاعلامي وأوراق السياسات وحملات الترويج والتحسيس على مواقع التواصل الاجتماعي كما ضخت مبالغ هامة لتأطير الشباب وضمان عملهم على هذه الأهداف. وفي هذا السياق يمكن أن نتبين أشكالا مختلفة من الفوائد لدور أهداف التنمية في تحفيز الشباب على الانخراط في الحياة العامة. فهذه الأهداف لها من التنوع الذي يجعلها جاذبة لأغلب الشباب بمختلف مكوناتهم.
من جهة، إن بعض الأهداف ذات علاقة مباشرة بحقوق الشباب الأساسية، حيث يركز الهدف الرابع على الحق في التعليم، بينما يتناول الهدف الثالث الحق في الصحة. كما نجد أهدافا ذات ارتباط بمسائل مستحدثة كالهدف 9 و 11 ذوي العلاقة بتجديد البنى التحتية و التنمية المستدامة. ومنها الأهداف المتعلقة بالتحديات العالمية الكبرى خاصة البيئة والتغيرات المناخية التي تمثل شبحا يفتك بكل دول العال، مع ما يفضيه من آثار خطيرة كالشح و الفقر المائي التي أصبح شاغلا يوميا أساسيا للدول العربية خاصة دول الخليج و شمال افريقيا. وهذه القضية تناولها الهدف 13 الذي اعتبر ان العمل المناخي من اهم أولويات الشباب بالنظر لكونها قضية ممتدة الجذور و الأسباب و لها علاقة بالواقع و الأجيال القادمة . من جهة ثانية، تركز أهداف أخرى بشكل أكثر تركيزاً على الشباب ودورهم وتحث الدول والمنظمات على تعزيز العمل الجماعي والتشاركي تحقيقا للسلام العالمي وهو ما جاء بالهدفين 16 و 17. ومن شأن الالتزام بمقاصد هذه الأهداف دعم انخراط الشباب على المستوى الوطني وكذلك تعزيز برامج التعاون و التبادل بين الشباب من مختلف دول العالم، ولذلك أهمية في توسع تجارب الشاب العربي تحديدا وفتح آفاقا أفضل له . ومن المهم التأكيد على ترابط أهداف أجندة التنمية المستدامة، والتعامل معها بوصفها أداة دولية مساعدة في تفعيل حضور الشباب وانخراطهم.
لكن، وعلى أهمية هذه الأجندة وغيرها من المعايير الدولية، ورغم ووجود البرامج و مراوحتها بين الزيادة و النقصان حسب الفترات و الأوضاع المحلية الا أنها تبقى منقوصة لتحقيق المنشود وذلك ما أقره حتى أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في حديثه أمام منتدى الأمم المتحدة السياسي رفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة في سبتمبر 2019، حيث صرَّح بأنه "على الرغم من التقدم المحرز ، فنحن ما نزال بعيدين عما يجب أن نحققه."
وما يجب كذلك التنصيص عليه أنه وعلى قدر ما تعتبر أهداف التنمية فرصة للشباب للانخراط واثبات وجوده محليا و اقليميا الا أنها تضع على عاتقه مسؤولية بذل الجهد لحسن استغلال و توظيف هذه الأهداف، ولا سيما شباب منطقتنا.
لا يمكننا في ظل ما نعيشه الاكتفاء بالمعرفة بوجود سبعة عشرة هدفا ينبغي بالدول العمل على تحقيقها بحلول 2030، إذ إن المعرفة لن تعطي نتائج فعالة. بل وجب على الشباب في المنطقة، التعمق في تفاصيل الأهداف والمقاصد الرسمية للتنمية المستدامة والتي يبلغ عددها 169 و المؤشرات التي وافقت عليها الحكومات و التي يبلغ عددها 232.
هذه المعرفة المتعمقة، ينبغي ان تساعد الشباب في تطوير خططه للعمل بفعالية في مسار التنمية. فالتمكن من تفاصيل الأهداف سيوفر المعرفة و السبل الضامنة لنجاح حركتنا في الضغط والمناصرة، وفي تغيير تكتيكات عملنا.
كما أون تعزيز الاهتمام بهذه الأهداف سيرسم طريقا للشباب في المنطقة لمعالجة مسائل من نوع آخر كمعالجة ﻧﻘﺺ ﺗﻤﺜﻴﻞ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺎت ﺻﻨﻊ اﻟﻘﺮار ﻓﻲ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﻤﺎﻟﻴﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻣﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﻘﻮى اﻟﻌﻈﻤﻰ واﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﻜﺒﺮى خاصة عندما تكون لهم القدرة على المحاججة و الاقناع كي يضجى للجنوب العالمي تمركز ونفوذ أهم داخل المنظمة الأممية تجعله قادرا على الضغط لتعديل آرائها أو ميثاقها خاصة فيما يتعلق بالنظام القانوني لمجلس الأمن. و هنا يمكن أن نحيل على شيء آخر وهو دور الحكومات في تعزيز هذا الاهتمام بأهداف التنمية المستدامة. و ذلك بطرق عديدة كالاستثمار في البيانات فيعدّ جمعها ونشرها من المجالات الجوهرية التي لا تعطيها خاصة الحكومات العربية الاهتمام الضروري، إضافة الى ضعف توفير هذه البيانات بشكل مفتوح للعموم، و استغلالها في البحث والتطوير.
كل هذا لن يتحقق خارج إطار دعم الفضاء المدني وإزالة القيود القانونية والتنظيمية وتكريس الحريات المدنية والسياسية للجميع بدون تمييز. هذا سيشكل مساحة للشباب في التفاعل والعمل.
في الخلاصة، إم انخراط الشباب في العمل المدني عامل مهم لضمان وعيهم تكوينهم و حتى تخلصهم من الأفكار المتعلقة بالخلاص الفردي و الاقبال على خدمة الصالح العام و أهداف التنمية. إذ إنه وعلى الرغم من كل ما يشوبها من نقائص فهي تعطي أرضية جيدة لتعزيز هذا الانخراط لدى الشباب، وإن نموذج القمة من أجل المستقبل هي من أهم الفرص لتعزيز الحضور والاعداد للمرحلة القادمة و تعديل السياسات المعتمدة، وفي الإنفاذ الحقيقي لالتزامات الدول اتجاه الشباب.