التقرير السنوي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية 2022
التقرير السنوي عن العام 2022 - الرجاء الضغط هنا لتحميل التقرير كاملًا او قراءة التقديم ادناه
تقديم - زياد عبد الصمد
يأتي هذا التقرير ليوثق نشاط الشبكة خلال العام 2022، وهي تعتبر من أصعب المراحل التي تمر بها المنطقة لا بل العالم بأسره.
فقد شهد العالم في العام المنصرم احداثا شديدة الخطورة ذات انعكاسات معقدة. فانطلقت في بدايته الحرب الروسية على أوكرانيا محدثة خسائر جسيمة بالأرواح والممتلكات ومتسببة بملايين من اللاجئين الى أوروبا. ومن تبعات الحرب أيضا تهديد الأمن والاستقرار الدولي ما دفع ببعض الدول الأوروبية لمضاعفة موازنات الدفاع لإنتاج السلاح وتوفير الدعم للقوى المتقاتلة. الا ان الخطر الذي نتج عن الحرب هو التهديد المباشر لأمن الطاقة ما دفع الى إنهاء اعتماد الاتحاد الأوروبي على الوقود الأحفوري الروسي، والذي يستخدم كسلاح اقتصادي وسياسي ويكلف دافعي الضرائب الأوروبيين ما يقرب من 100 مليار يورو سنويًا من جهة، وما يساهم في معالجة أزمة المناخ من جهة أخرى. كما تسبب الحصار على أوكرانيا الى استخدام العديد من الدول قيود التصدير على المواد الغذائية، مما أدى الى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية عالميا أي الى المزيد من الفقر والاقصاء. وقد أعلن المبعوث الألماني الخاص الى سوريا "ان الحرب الأوكرانية كانت لها تبعات على 1.6 مليار انسان و94 بلد". انعكست هذه الازمات المستجدة على المنطقة مهددة الاستقرار السياسي ومتسببة بتفاقم أزمة الغذاء فيها.
وكشفت مفاوضات المناخ التي جرت أواخر العام في شرم الشيخ في مصر عن التباين الكبير في المواقف بين الدول النامية التي تمسكت بمبدأ المسؤولية المشتركة عن تدهور المناخ ولكن المتفاوتة حيث ان الدول الصناعية تتحمل المسؤولية التاريخية عن تبعات الممارسات التي تلت التطور الصناعي والسياسات الاستعمارية ما ضاعف الفجوة مع البلدان النامية وأدى الى انبعاث الغازات الدفيئة وارتفاع درجات حرارة الأرض متسببة في التصحر وتهديد التنوع البيولوجي والاضرار بالبيئة بشكل عام. ففي حين تمسكت الدول النامية بمبدأ التعويض عن الخسائر والاضرار التي تسبب بها تغير المناخ تهربت الدول الصناعية من هذه الالتزامات. ولم تنجح مفاوضات المناخ في التوصل الى حلول عملية والالتزام بالاستثمار في التكنولوجيا النظيفة وتعميمها على جميع الدول والانتقال من انتاج الطاقة الأحفورية الى الطاقة النظيفة واستخدام أنماط مستدامة للإنتاج والاستهلاك واتاحتها امام الدول النامية. اذ بعد ان أدت الحرب في أوكرانيا الى التراجع عن اتفاقيات المناخ التي اتفق عليها في باريس (2015) وغلاسكو (2021)، اتفق المفاوضون في شرم الشيخ على مبدأ انشاء صندوق للتعافي، ولكن التباينات حول هيكلية الصندوق وآليات عمله وتمويله والاولويات التي سيعمل على تمويلها احيل القرار النهائي الى جولة المفاوضات اللاحقة في دبي أواخر العام 2023.
وفي ظل هذا التوتر على المستوى الدولي، شهدت المنطقة عددا من التطورات ذات الانعكاسات السلبية، حيث أججت الانقسامات الى محاور إقليمية الصراعات والنزاعات المسلحة مهددة الأمن والاستقرار فيها. كما أدى وصول القوى المتطرفة الى الحكم في الانتخابات الإسرائيلية واعلانها عن النوايا التوسعية واتخاذ الإجراءات القضائية الصارمة بحق المعترضين والمدافعين عن أراضيهم والمتمسكين بحق تقرير المصير الى المزيد من التوتر والانتهاكات من قبل قوى الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني واضعاف قدرات السلطة الفلسطينية في ظل سكوت عالمي عن الجرائم الرهيبة التي ترتكب يوميا بحق المدنيين العزل والأطفال والشيوخ.
انعكست هذه التطورات الدولية والإقليمية بشكل خطير على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. اذ وعلى الرغم من الأرباح التي حققتها الدول المصدرة للنفط نتيجة الارتفاع في أسعاره، ارتفعت معدلات الفقر والبطالة والتضخم في سائر دول المنطقة بشكل ملحوظ، "فوصل عدد الفقراء إلى ما يقرب من 130 مليون شخص، أي ما يمثل ثلث سكان المنطقة، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا. وقد ارتفع معدل التضخم في المنطقة ليصل إلى 14% في عام 2022، كما سجّلت المنطقة العربية أعلى معدّل بطالة عالميا في عام 2022 بنسبة 12%"، فضلا عن تعمق فجوة اللامساواة بين الدول العربية وداخل كل دولة. فتحتل المنطقة العربية المركز الأول عالميا في اللامساواة في الدخل، حيث يتحكم 15 بالمائة من السكان بأكثر من 60 بالمائة من الدخل مقارنة بـ 36 بالمائة في أوروبا و47 بالمائة في الولايات المتحدة، هذه الدراسة جاءت قبل تفشي جائحة كورونا في حين يتوقع ان الجائحة تسببت في تعميق هذه الفجوة.
تأثرت الكثير من الدول اقتصاديا بسبب جائحة كوفيد-19، حيث اضطرت بعض الحكومات إلى اتخاذ إجراءات قاسية للحد من انتشار الفيروس، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة. وعلى الرغم من أن بعض الدول بدأت في تحقيق بعض التعافي الاقتصادي، إلا أن هناك تأثيرات طويلة الأمد على الاقتصاد العالمي، مثل الديون المتراكمة وتغيرات سوق العمل وتغيرات سلوك المستهلكين. ومن المتوقع أن يستغرق العديد من الدول سنوات للتعافي بالكامل من تأثيرات الجائحة.
وكان للجائحة كذلك تأثيرا كبيرا على السكان في المنطقة، اذ أنها أضاءت على ضعف قدرات الدول العربية على الاستجابة للازمات بشكل عام، وعلى هشاشة الأنظمة الصحية بشكل خاص وتحديدا في مواجهة الانتشار وتوفير العلاج وفي مرحلة لاحقة تأمين اللقاحات بشكل عادل. كما عانت الديمقراطية والمشاركة السياسية من الانتهاكات. أذ تسبب انتشار الوباء بعدد من التحديات للمشاركة السياسية، بما في ذلك القيود التي فرضتها الحكومات على التجمعات العامة وعلى حرية التعبير. لقد سلط الوباء الضوء على أهمية الشفافية والمساءلة في الإجراءات الحكومية، فضلاً عن الحاجة إلى المشاركة الشاملة والتواصل الفعال. في حين استخدمت بعض الحكومات الوباء كذريعة لقمع المعارضة السياسية أو لإسكات الأصوات الناقدة.
ونظرا الى تراجع معدلات النمو وتباطؤ الاقتصادات وارتفاع نسب التضخم في ظل مديونية عامة مرتفعة وعجز في الموازنة وميزان المدفوعات، تفاقمت الأوضاع الاجتماعية في معظم الدول العربية، لجأت بنتيجتها الى المؤسسات المالية الدولية لاسيما صندوق النقد الدولي. وقد اشترطت المؤسسات المالية والجهات المانحة من هذه الدول الالتزام ببرامج إصلاحية هيكلية تطال البعد المؤسسي والسياسات المالية والنقدية والتوجهات الاقتصادية والانفاق العام لاسيما على قطاعات الخدمات والدعم والانفاق الاجتماعي في ظل غياب شبه كامل لأي رؤية تنموية شاملة تتبنى سياسات اجتماعية تساهم في تحسين الشروط المعيشية للناس وتخفف من وطأة الازمة.
في ظل هذه الأوضاع، ركزت الشبكة في استراتيجيتها المعتمدة على خمسة أهداف استراتيجية تؤدي بالنهاية الى تقوية وتمكين المجتمع لتحقيق ميزان قوى يساهم في تعزيز المشاركة في رسم السياسات العامة والتأكد ان البرامج الإصلاحية تأخذ بالاعتبار مصالح مختلف الفئات في المجتمع بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفا. وتنطلق استراتيجية الشبكة من ضرورة بناء كتلة مدنية حرجة قادرة على التحرك والتعبير، تمتلك الأدوات المعرفية والتقنية المساعدة في ظل بيئة ممكنة.
ان تمسك الشبكة بالرؤية التنموية التي تربط الابعاد الخمسة للتنمية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية كونها متكاملة وشاملة، من جهة، وعلى قاعدة ثابتة تنطلق من مقاربة حقوق الانسان والعدالة والاستدامة والشراكة كشرط من شروط نجاح الجهود التنموية من جهة ثانية، ساهم الى حد كبير في تحقيق بعض التقدم في النتائج والتي سيضيئ التقرير عليها، لعل أبرزها توسيع العلاقات مع الشركاء الدوليين والشراكات الاقليمية والمحلية مع مختلف أصحاب المصالح من صانعي القرار والقطاع الخاص والمجتمع المدني والاكاديميا وانخراط مئات الناشطين في اعمال ونشاطات الشبكة لاسيما في برامج بناء وتنمية القدرات والحوارات الوطنية متعددة الأطراف واللقاءات مع المؤسسات الدولية وإنتاج المواد المعرفية واوراق السياسات والمواد التحليلية والتدريبية وكلها متوفرة على الموقع الالكتروني للشبكة.
وخلال هذه السنة، أنجزت الشبكة تطورا ملحوظا في البناء المؤسسي وأدوات التخطيط والتقييم وتطوير الموارد البشرية وسياسات التواصل والتشبيك.
هذه الإنجازات رغم الصعوبات الذاتية التي واجهتها والتحديات التي تعيشها دول وشعوب المنطقة لم تكن لتكون لولا التزام الأعضاء بمبادئ الشبكة وكذلك الشركاء والأصدقاء المتطوعين وفريق العمل التنفيذي بكل عناصره.
اترككم بين دفتي التقرير لعلكم تجدون فيه قراءة موضوعية فيها اضاءة على الإنجازات المحققة والدروس المستقاة والتي نتعلم منها لتطوير عملنا وتحصينه. - الرجاء الضغط هنا لتحميل التقرير
بيروت في 27 شباط 2023
زياد عبد الصمد