Sep 09, 2024
التحديات التي تواجه الحوار في البيئات المتأثرة بالصراع: حالة اليمن – سلمى أحمد

التحديات التي تواجه الحوار في البيئات المتأثرة بالصراع: حالة اليمن – سلمى أحمد


مع اجتياح الحروب والتدهور الاقتصادي والصراعات من مختلف الأنواع للمنطقة العربية، يتضح فشل المشاركة السياسية في حل أو تقريب وجهات النظر حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية الحاسمة. لذا، على الدول (المتأثرة بالصراع) في المنطقة إعادة تأسيس الخطاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي بطريقة أكثر شمولاً لخلق ظروف معيشية أفضل لسكانها المتزايدين، ويمكن تحقيق ذلك من خلال حوارات الخبراء والحوارات الشعبية المثمرة. ويمكن أن تظهر لنا حالة اليمن مدى صعوبة قيادة الحوار في بلد مجزأ وكيف يمكن للحوارات أن تصنع السلام أو تهدمه.


شهدت اليمن على مدى السنوات العشر الماضية صراعًا غير مسبوق في مدته وتأثيره على الحياة السياسية والمؤسسات العامة والتماسك الاجتماعي وسبل العيش. ومع تجزئة البلاد إلى عدة مناطق سيطرة من قبل الحكومة المعترف بها دوليًا، والسلطة الفعلية لأنصار الله، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وفصائل أخرى، تكتسب المشاركة في الحوارات بين جميع الجهات الفاعلة في الحرب وأصحاب المصلحة الوطنيين والإقليميين والدوليين الآخرين أهمية بالغة لمواءمة وجهات النظر وتحقيق السلام. لقد شهد اليمن العديد من الحوارات العامة والخاصة حول قضايا مختلفة مثل متطلبات السلام، والهدنة الاقتصادية أو التعافي بعد الصراع. وتجدر الإشارة إلى أن الصراع الحالي في اليمن أعقب مؤتمر حوار وطني واسع وشامل برعاية الأمم المتحدة انعقد بين آذار/مارس 2013 وكانون الثاني/يناير 2014، ولم يتم الاتفاق على نتائجه بالإجماع وبالتالي أثار صراعًا لا يزال يتعين حله حتى يومنا هذا.


قد تكون قيادة الحوارات صعبة في بيئات السلام، لكنها تشكّل تحديًا أكبر في بيئة متأثرة بالصراع بسبب المخاطر التي تعترض المتطلبات الأساسية للحوار مثل البنية التحتية والشمولية والمشاركة والتبني. إن أحد أكبر التحديات التي تواجه اليمن في الحوارات في الوقت الحالي هو وجود البنية التحتية المناسبة للحوارات، حيث يتم تيسير جميع الحوارات المتعلقة باليمن تقريبًا في الوقت الحالي من قبل الأمم المتحدة والوكالات الدولية أو الجهات المعنية الإقليمية والدولية، باستثناء منتدى اليمن الدولي الذي يقوده مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، وإن كان ممولًا من قبل الجهات المعنية الأوروبية. وهذا يفترض السماح للمؤسسات التي يقودها اليمنيون وتمكينها من تصميم وتنفيذ الحوارات الاجتماعية والاقتصادية على المستويين الوطني ودون الوطني لميزتها النسبية من حيث المعرفة وإمكانية الوصول والتغطية. بالطبع، قد يكون من الصعب تحقيق ذلك في حالة الحوارات السياسية بين أطراف الحرب بسبب الحاجة إلى وجود جهات محايدة كميسرين لمحادثات السلام أو محادثات تبادل الأسرى. وهذا يقودنا إلى تحدي الشمولية في تصميم وتنفيذ الحوار. ومن الأمثلة الفاقعة على تأثير الفشل في الوفاء بهذا المعيار عند تيسير الحوارات الوطنية هو فشل مؤتمر الحوار الوطني في عام 2014 في أن يكون شاملاً بما فيه الكفاية، على الرغم من إمكانية وصفه بالحوار الأكثر شمولاً في تاريخ البلاد، حيث استبعد بشكل منهجي المجموعات التي تدعو إلى إدراج قضايا تهامي ومأرب وحضرموت، والتي تشكل حاليًا ساحة معركة رئيسية بين الفصائل المختلفة سواء لأسباب سياسية أو اقتصادية أو هوياتية. وقد رأينا الميسرين في الحوارات الأحدث يولون مزيد من الاهتمام ويبذلون مزيد من الجهد في ترسيخ الشمولية في الحوار، حيث نرى مشاركة أفضل وأقوى من القطاع الخاص والمجتمع المدني في الحوارات الاجتماعية والاقتصادية.


ولكن وجود تصميم وتنفيذ شاملين للحوارات الاجتماعية والاقتصادية لا يضمن المشاركة الشاملة الحقيقية لعدة أسباب. تواجه الوكالات التيسيرية أحيانًا تحدي الوصول إلى المشاركين "المناسبين". وهذا أكثر شيوعًا في مشاركة النساء أو الشباب، حيث تجد أحيانًا مشاركة بدون الخبرة. كما يمكن أن تتأثر إمكانية الوصول من جانب المشاركينK حيث نرى المزيد والمزيد من الأشخاص مستهدفين لمشاركتهم في الحوارات التي تستضيف أيضًا ممثلين من أحزاب معارضة. لقد أثرت حملة وزارة الخارجية الأخيرة على منظمات المجتمع المدني العاملة في مناطق سيطرتها بشكل كبير على قدرة منظمات المجتمع المدني على المشاركة ليس فقط في المنتديات الإقليمية أو الدولية ولكن أيضًا في الحوار خارج البلاد. تقلل مثل هذه الأفعال من فرص إجراء حوار هادف ومنتج مع ممثلين قطاعيين وإقليميين معينين، وخاصة تغطية حصة كبيرة من السكان، وعدم القدرة على تقديم رؤاهم واحتياجاتهم ليتم أخذها في الاعتبار في تشكيل نتائج أي حوار معين. إن وضع العقبات في طريق المشاركة في الحوار يُظهر افتقار السلطات إلى الاهتمام بنجاحها.


وفي حال استيفاء جميع معايير تصميم وتنفيذ الحوار الاجتماعي والاقتصادي، يظل هناك تحدٍ حاسم أخير لنجاح الحوار في تحقيق نتائج ملموسة، وهو تبني النتائج. فالحوارات الاجتماعية والاقتصادية، على عكس الحوارات السياسية التي تؤدي إلى اتفاقيات السلام، تؤدي إلى نتائج وتوصيات سياسية تفيد في تصميم السياسات وتنفيذها. وتحتاج هذه التوصيات السياسية إلى سلطات موحدة قوية أو مؤسسات حكومية لتنفيذها وتحقيق النتائج المرجوة منها. وفي بيئة متأثرة بالصراع، قد يكون هذا أحد أكبر التحديات التي تحيط بالحوارات الاجتماعية والاقتصادية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بصراع أهلي في بلد مجزأ مثل اليمن. وقد قادت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا حوارًا اجتماعيًا واقتصاديًا حول التعافي في اليمن بمشاركة شاملة من الخبراء وبالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية، لكن هذا الحوار توقف لاحقًا بسبب تحفظات المجلس الانتقالي الجنوبي على نتائجه. وقد أظهر هذا انقسامًا كبيرًا داخل حكومة الإنقاذ الوطني والافتقار إلى الإجماع بين ممثلي الحكومة بشأن المتطلبات الأساسية للتعافي، مما أدى إلى تقويض قدرة رؤية التعافي المقدمة إليهم على التكيف. إن إمكانية تبني نتائج الحوار تتوقف على عاملين، الأول هو إمكانية تنفيذ النتائج والثاني هو استعداد السلطات لتنفيذ تلك النتائج. وهذا يتطلب تعاوناً أقوى بين ميسري الحوار وصناع السياسات بطريقة لا تمس سلامة الحوار.


ومع اجتيازنا لمشهد مليء بالتحديات في المنطقة العربية، فمن المهم أن نتعلم من التجارب المختلفة في المنطقة. وتشكل حالة اليمن والحوارات المختلفة التي خاضتها مستودعاً حياً للدروس التي يجب تعلمها والإخفاقات التي يجب تجنبها في تيسير الحوار الاجتماعي والاقتصادي في بيئة متقلبة.


سلمى أحمد




احدث المنشورات
Nov 23, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٨
Nov 22, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٧
منشورات ذات صلة
Jan 04, 2022
٢٠٢١... حصاد الحرب والمجاعة في اليمن!
Jul 28, 2021
القطاع الخاص اليمني، بين المسؤولية الاجتماعية وإمكانية المساءلة