الانقلاب السياسي في سوريا وقضايا النساء - سوسن زكزك

الانقلاب السياسي في
سوريا وقضايا النساء
- سوسن زكزك
على الرغم من حجم
التغييرات الكبيرة الحاصلة في سوريا عقب 8 كانون الأول 2024 إلا أنه لا يمكن وصف
ما حدث بأكثر من "انقلاب عسكري" حيث "سقط النظام ولكن الثورة لم
تنجح"، فانتقل الحكم من نظام حكم شمولي قمعي إلى نظام جديد لم تتكرس صراحة
صفاته التي ما تزال تنوس بين أصولية إسلامية جهادية ونظام اقتصادي حر بواجهة
سياسية أحادية التوجه.
كان شكل الانتقال
السياسي في سوريا شكلا غير ديمقراطي وغير سلمي مما شكل تحديا كبيرا لكل الحركة
المدنية الديمقراطية السورية، والحركة النسوية خاصة، لأن أكثر ما كانت تخشاه
الحركة الديمقراطية، والحركة النسوية في مقدمتها، هو انتصار عسكري لجهة من جهات
النزاع المسلح بدون أي شرعية دستورية، الأمر الذي يكرس قاعدة إقصائية في الحكم
تتمثل ب "الشرعية الثورية"، والتي تقود إلى قاعدة إقصائية جديدة هي
"من يحرر يقرر"!
وبقدر الفرحة الكبيرة
التي سادت في المجتمع السوري بسبب سقوط نظام الأسد، استوطنت توجسات كبيرة عند
الحركة النسوية السورية من أن حق اتخاذ القرار الآن هو من صلاحية مجموعة جهادية
سلفية، تعادي حقوق النساء، ولها تجربة طويلة في حكمها في إدلب، من خلال حكومة
الإنقاذ، في تقييد حقوق النساء ومعاداتها الصريحة للمساواة بين النساء والرجال واستخدام
مصطلح الجندر وموقفها الرافض لاستخدام تعبير الديمقراطية وكل المواثيق الدولية
المرتبطة بها، خاصة اتفاقية سيداو، وفي إجبار النساء على ارتداء الحجاب والتشجيع
على ارتداء النقاب والفصل بين الطالبات والطلاب في جامعات إدلب.
كانت تجربة حكم
"هيئة تحرير الشام" وحكومتها في إدلب من أوضح الصور على حكومة معادية
لكل ما يتصل بحقوق النساء، على الرغم من أن هذه الحكومة كانت قد سمحت للكثير من
الجمعيات النسائية بالترخيص على ان تعمل في مجالين اثنين لا ثالث لهما، وهما مجال
الجمعيات الخيرية ومجال التمكين السياسي للنساء، لأنها تحتاج إلى صورة مشاركة
صورية للنساء في المجال السياسي، تسمح لها بالحصول على تمويلات هائلة من المنظمات
الغربية تستثمرها في حصد أصوات النساء لو قررت ان تجري انتخابات في مناسبة ما.
وعلى الرغم من هذا لم تتمكن النساء السوريات من الوصول إلى الهيئات المحلية في
إدلب إلا مرة واحدة فقط، وسرعان ما جرى إلغاء هذه الانتخابات.
ومنذ استيلاء "هيئة تحرير الشام" على السلطة،
وبعد تعيين أحمد الشرع (الجولاني) لحكومة تصريف الأعمال التي ستستمر في عملها حتى
نهاية شهر شباط، راحت تنتشر مقاطع فيديو تظهر وزير العدل، شادي الويسي، وهو
يأمر بإعدام نساء “متهمات بالدعارة” في إدلب عام 2015. خلال هذه الفترة، كان
الويسي عضواً في جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام قبل تغيير اسمها)، وعمل قاضياً. وهذا ما جعل تعيين الويسي يلقي بالمزيد من
الشكوك على مزاعم الهيئة بالاعتدال، خاصة بعد أن أكد مدير المرصد السوري لحقوق
الإنسان رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس ظهور الويسي في المقطعين اللذين سبق
للمرصد أن وثقهما ويعود تاريخ نشرهما إلى عام 2015.[1]
ولم تقف أخبار الويسي عند هذا الفيديو بل تعدته إلى
تناقل تصريحات عنه، تظهر ثم تختفي، وكأنها بوالين اختبار، بأنه لن يكون هناك دور
للقاضيات في القضاء السوري، وان أي امرأة لن تدخل القصر العدلي إلا وهي محجبة! [2]
ومع تعيين عبيدة أرناؤوط متحدثا رسميا باسم الإدارة السياسة التابعة
لإدارة العمليات العسكرية في سوريا، قال أرناؤوط في تصريحات صحفية إن
"كينونة المرأة وطبيعتها البيولوجية والنفسية لا تتناسب مع كل
الوظائف كوزارة الدفاع مثلاً". لكن أرناؤوط عاد ليختفي مع تصريحاته التي
استدعت نقاشا كبيرا عند الحركة النسوية، وجرى رفض هذا التصريح على صفحات التواصل
الاجتماعي وفي البرامج الحوارية التلفزيونية.
وفي أواخر كانون
الأول 2024 عين الشرع السيدة عائشة الدبس، ناشطة مجتمع مدني سورية، رئيسة مكتب شؤون
المرأة في إدارة الشؤون السياسية في الحكومة السورية الانتقالية . وأصبحت أول امرأة تتولى منصبًا رسميًا
في الإدارة السورية الجديدة.
وأثارت تصريحات السيدة الدبس بأن "فطرة المرأة
السورية وأولويتها هي بيتها وزوجها، وألا تتجاوز فطرتها التي فطرها الله
عليها" الكثير من ردات الفعل عند الحركة النسوية السورية التي بادرت للرد على
تصريحات السيدة الدبس عبر وسائل الإعلام الالكتروني والمرئي. وأضافت السيدة الدبس
إلى أننا "نحتاج إلى صنع نموذج خاص بالمرأة السورية"، "ولن أفتح
المجال لمن يختلف معي"!
ويؤكد لقاء جمع بين السيدة الدبس وعدد من ممثلات الجمعيات التي تعمل بين النساء في عينتاب، جرى في دمشق، على التناقض الكبير بين ما صرحت به السيدة الدبس وما صرح به السيد أرناؤوط وما أشيع عن الوزير الويسي مع توجهات الرئيس أحمد الشرع، حيث سئلت السيدة الدبس عن آفاق العمل المفتوحة أمام النساء في سوريا في المجال العام فأجابت بأنه مفتوح إلى أوسع الحدود، ولكن هناك مقاومة من الفصائل لهذا الاتجاه. [3]
ولكن ماذا عن تصريحات
الرئيس الانتقالي لسوريا، أحمد الشرع (الجولاني)، عن المواضيع التي تتعلق بقضايا
حقوق النساء بدءا من اللباس وصولا إلى المشاركة الكاملة في الحياة العامة؟!
قال الشرع في لقاء موسع مع
عدد من الفعاليات بأنه "لن يفرض تطبيق النقاب على السيدات لأنه ليس فرضا في
الإسلام"[4]
وأكد في مقابلة معه على
قناة BBC قبل أن يصبح رئيسا على أن أوضاع النساء في سوريا لن تكون مشابهة
لأوضاع النساء في أفغانستان وعلى أن "التعليم للنساء مضمون ففي إدلب نسبة
النساء في الجامعات تتجاوز 60% من اعداد الطلاب.. وعلى أن حقوق النساء وتحجيبهن من
عدمه مسألة قانونية يقرها الدستور والقوانين وأنا مجرد شخص وسأنفذ ما يقرره
القانونيون"[5]
إلا أنه أرجأ جميع الاستحقاقات إلى ما بعد إقرار الدستور والقوانين! وعندما سأله المذيع
عن فرض الحجاب هرب إلى إجابة ان المشكلة في سوريا أكبر بكثير من هذه القضايا![6]
وفي هذا الإطار ركزت
جميع الوفود الأوروبية والأميركية التي التقت بالسيد الشرع على ضرورة عدم فرض
الحجاب على النساء السوريات وعلى ضرورة إعطاء النساء السوريات جميع الحقوق التي
يجب أن تتمتع بها[7]،
وأشيع بعدها أن السيد الشرع طلب من الوفود الأجنبية عدم التطرق إلى هذا الموضوع
معه، وأن على النساء السوريات العمل على احتلال جميع المساحات المتاحة حتى يضمن
حقوقهن![8]
وفي محصلة أولية لوصول
النساء إلى مراكز صنع القرار في سوريا بعد استلام الحكم الجديد جرى تكليف السيدة
مهى عبد الرحمن نائبة حاكم مصرف سوريا المركزي بتيسير أعمال المصرف، وفي مجالس نقابة المحامين المشكلة حديثا تم ضم محاميتين فقط إلى مجلسين
من المجالس المعينة حديثا في المحافظات، أحدها في حماة، وتكليف السيدة ريم مصطفى
صالح كأمينة عامة لمحافظة طرطوس وإعادة الصلاحيات لوزيرة الثقافة في حكومة الأسد
قبل سقوطه، السيدة ديالا بركات، وتكليف السيدة الدكتورة ديانا الأسمر مديرة عامة
لمشفى الأطفال في دمشق. كما جرى تشكيل لجنة لإدارة الحوار الوطني في سوريا ضمت
سيدتين من بين سبعة أعضاء.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل تتوافق الإشارات
التي تبدو أنها إيجابية من ناحية الرئيس الانتقالي مع ما يجري على الأرض؟ أم أنها تتوافق
مع الميل الفطري للجماعات الجهادية لحرمان المرأة من حقوقها والتقييد على حريتها
الشخصية؟!
إن ما يجري على الأرض في الحياة اليومية يوضح ان
الاتجاهات الجهادية لا تعرف شيئا عن توجهات القيادة، حتى لو كانت هذه التوجهات
حقيقية وصادقة، لأنه لم يصدر أي قرار أو تعميم إلى الفصائل الموجودة على الأرض،
حتى ولو كانت في دمشق وعلى مقربة مكانية كبيرة من القيادة، بالتوقف عن مجموعة من
التصرفات الحاطة من قيمة النساء، مثل تخصيص المقاعد الخلفية من حافلات النقل العام
للنساء والمقاعد الأمامية للرجال، حتى داخل حافلات نقل العمال، كما لم تصدر
تعليمات واضحة من القيادة بالتوقف عن الدعوة إلى إلزامية الحجاب وارتداء النقاب،
وتعليق الملصقات في حافلات النقل التي تصف لباس النساء بأنه يجب أن يكون ساترا ولا
يشبه ملابس الرجال وان يكون واسعا غير شفاف وغير مزين ..
كما لم تصدر تعليمات واضحة تمنع أوامر الفصل بين
الجنسين ضمن دوائر العمل، التي ما زال يصدرها بعض رجال الهيئة حتى في الدوائر
الحكومية!
لم تقف النساء السوريات عاجزات أمام ما يجري،
لأنهن أدركن حجم التحديات الكبيرة المتمثلة بحكم تيار جهادي قد يغير من لبوسه في
أعلى مواقع صنع القرار، خاصة في مسعاه لإسقاط تهمة الإرهاب عنه والحصول على دعم
غربي يتوج باعتراف دولي بشرعية حكمه، لكنه سيعاني من مقاومة داخلية عنيدة لتغيير
موقف مترسخ في بنيته الفكرية الجهادية وهو موقف العداء لحقوق النساء الإنسانية وفي
مقدمتها الحق بالمساواة التامة وحظر التمييز ومنع العنف ضدها! هذا عدا عن
الاستئثار بالسلطة وعدم تشميل البنى والهيئات المعارضة السلمية بالحكم، والتي كانت
ممثلة في المسار الرسمي لمفاوضات جنيف التي تجري بتيسير من مكتب المبعوث الخاص إلى
سوريا. حيث أدركت الحركة النسوية في سوريا، ومنذ زمن حكم الأسد الأب والابن،
الترابط الكبير بين اتساع الفضاءات الديمقراطية وضمان حقوق النساء، كما تدرك أن
تقليص هذه الفضاءات سيقلص من فرص ضمان هذه الحقوق.
فاجتمعت مجموعة من ممثلات الحركة النسوية ومجموعة
من الناشطات المستقلات والفنانات والمحاميات لوضع خطة عمل استباقية للتأكيد على أن
النساء السوريات متمسكات بحقوقهن وسيعبرن عن ذلك من خلال عدد من الأنشطة الجماعية
والخاصة.
وكانت باكورة هذه الفعاليات هي اعتصام صامت يوم
22 كانون الأول 2024 في ساحة الحجاز في دمشق وفي عدد من الساحات في بعض المدن
السورية، شارك فيه عشرات النساء والرجال مع تغطية إعلامية كبيرة، رافعين في هذا
الاعتصام شعارات تؤكد على حقوق النساء الإنسانية التي لن تتنازل النساء عنها. ثم
نظمت اعتصاما أمام وزارة التربية في 3 كانون الثاني 2025 للاحتجاج على بعض
التعديلات على المنهاج المدرسي التي ستؤدي إلى تهديد الوحدة الوطنية.
وأقام عدد من الجمعيات فعاليات تتعلق بحقوق
النساء في الدستور المزمع صياغته وبتعزيز مشاركة النساء في الحياة العامة؛ كما
وشاركت أعداد كبيرة من النساء في الاعتصامات التي احتجت على تسريح أعداد كبيرة من
العمال، ومعظمهن من النساء، من الوظائف الحكومية بحجة تضخم العمالة في القطاع
العام.
وتخطط الحركة النسوية لإقامة تظاهرة كبيرة يوم
الثامن من آذار القادم (اليوم العالمي للمرأة) بالتنسيق مع فعاليات ستجري في
أوروبا للتأكيد على تمسكها بحقوقها.
لقد وضع شكل الانتقال السياسي الذي حصل في سوريا،
باعتباره انتقالا عنفيا من مجموعات جهادية، وضع الحركة النسوية أمام تحديين كبيرين
ومتلازمين، تحدي الدفاع عن حقوقهن الإنسانية والنضال لتحصيل المزيد منها وضمانها
في الدستور والقوانين، وتحدي ضمان الانتقال إلى الدولة الديمقراطية العلمانية التي
تضمن حقوق المواطنة المتساوية لجميع أبنائها وبناتها دون أي إقصاء او تهميش.
[1] - https://www.alhurra.com/syria/2025/01/08/%D8%B8%D9%87%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B4%D8%A7%D9%87%D8%AF-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%AA%D9%8A-%D8%A5%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D9%81%D8%A9
[2]
- https://www.youtube.com/watch?v=VLk7Kj9WFV0
[3] - وفق ما ذكرته الدكتورة ر.ز لكاتبة المقال
[4] - https://www.youtube.com/watch?v=SEAi76rbnlQ
[6] - المرجع
السابق
[7] - متابعات
كاتبة المقال
[8] - إشاعة
متواترة بالتواتر الشفهي دون إمكانية التأكد منها، ولكنها تتوافق مع رد السيدة
عائشة الدبس بأن، ونسبة للرئيس الشرع، الآفاق أمام النساء مفتوحة للمشاركة الواسعة
لكن هناك خوف من ممانعة الفصائل المحلية