الابادة الذكية: حرب العالم "المتطور" ضد الفلسطينيين واللبنانيين - الهام برجس
الابادة الذكية: حرب العالم "المتطور" ضد الفلسطينيين واللبنانيين - الهام برجس
مرّت سنة و3 أسابيع على بدء الابادة ضد الشعب الفلسطيني. مع الوقت أصبح المشهد نفسه وردات الفعل ضده آلية. وأقصد بالآلية هنا التلقائية والوضوح في التموضوع. فمن هم ضد، يتمسّكون بموقفهم ويكررونه. ومن هم مع، يفعلون الأمر نفسه من زاوية التعليل والتبرير. والاسرائيليون يستمرون بالقتل والفلسطينيون تتزايد أعداد خسائرهم. هذه الآلية تصبح امتداداً منطقياً لكون المعركة بحد ذاتها تخوضها الآلة، متخطية المعرفة الانسانية وقدرتها على تحمّل حجم الجريمة، واستيعابها ومعاقبتها. يحصل كل هذا، فيما العالم لا يزال في مرحلة تطوير أخلاقيات الذكاء الاصطناعي والقوانين الدولية الناظمة لعمله وصناعته في القطاعين العام والخاص. تنخرط اسرائيل في هذه الورشة الأخلاقية والحقوقية في خضم خوضها لحرب الإبادة في فلسطين. وتعبيراً عن (مصداقيتها)، لقد علّم الاسرائيليون أنظمة ذكائم الاصطناعي الذي يدير عملية الابادة، أن النساء لسن أهدافاً عسكرية، تاركين الأمر للعناصر البشرية لقتلهن مع أطفالهن بصفتهن أضراراً جانبية.
في الخامس من أيلول 2024 انضمت إسرائيل الى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى ووقّعت أوّل معاهدة دولية حول الذكاء الاصطناعي (AI) وحقوق الانسان . وقد تم تطوير وصياغة هذه المعاهدة ضمن إطار المجلس الأوروبي ودول أخرى من بينها "إسرائيل" لتضع قواعد والتزامات للاستخدام "المسؤول" للذكاء الاصطناعي، مع التركيز على حماية حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. يأتي اطلاق هذه الاتفقاية في سياق استمرار اسرائيل في ارتكاب ابادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وتوسّعها لتشمل الأراضي اللبنانية، في تطهير عرقي يشمل سكان الجنوب اللبناني وأجزاء من بيروت ومنطقة البقاع ذي الغالبية المسلمة الشيعية. ترتكب اسرائيل جرائمها ضد الانسانية بدعم من الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، التي تمدّها بالمال والسلاح والذخيرة والكثير من الدعم السياسي الدولي. أيضاً، بتعاون وليد مع المملكة المتحدة، لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي يداً بيد، باتفاقية كلفت الأخيرة 1.7 مليون باوند.
وفي سياق هذه الاتفاقية الأوروبية، يقصد بالذكاء الاصطناعي، النظام القائم على الآلة والذي يقوم لأغراض صريحة أو ضمنية باستنتاج كيفية توليد مخرجات مثل التنبؤات أو المحتوى أو التوصيات أو القرارات التي قد تؤثر على البيئات المادية أو الافتراضية، وذلك استنادًا إلى المدخلات التي يتلقاها. وتختلف أنظمة الذكاء الاصطناعي في مستويات استقلاليتها وقدرتها على التكيف بعد نشرها". لا تخفي الدول التي وضعت الاتفاقية ووقّعتها قلقها إزاء بعض الأنشطة ضمن دورة حياة أنظمة الذكاء الاصطناعي والتي "قد تقوض الكرامة الإنسانية والاستقلالية الفردية وحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون"، وتحديداً تأثير هذه التقنيات "المحتمل في خلق أو تفاقم التفاوتات، بما في ذلك تلك التي تواجهها النساء والأفراد في أوضاع هشّة، فيما يتعلق بالتمتع بحقوقهم الإنسانية ومشاركتهم الكاملة والمتساوية والفعالة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية".
من هنا تم تطوير هذه الاتفاقية تلافياً "لسوء استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي ورفض استخدام مثل هذه الأنظمة لأغراض قمعية تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك من خلال المراقبة التعسفية أو غير القانونية وممارسات الرقابة التي تقوض الخصوصية والاستقلالية الفردية."
وبالطبع، وبما أنه لكل قاعدة استثناءاتها، فإن القاعدة التي تذيّلها "إسرائيل" بتوقيعها لا بد أن تتضمن "المسائل المتعلقة بالدفاع الوطني" كاستثناء غير معلّق على شروط، حيث أن هذه المسائل "لا تندرج ضمن نطاق هذه الاتفاقية".
هذه الاتفاقية، وهي الأولى من نوعها، طُوّرت ودخلت حيز النفاذ في سياق ممتد من العمل الاسرائيلي لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي مخصصة لزيادة عدد الأهداف العسكرية الى الآلاف يومياً، وذلك بناءً على استطلاعات بيانية حول 2.3 مليون مقيم في غزّة، وخرق لكافة خصوصياتهم واستخدام غير مشروع لبياناتهم منذ عدّة سنوات.
وفيما بدأ العمل لصياغة الاتفاقية منذ عام 2019، صدر عام 2021 كتاب بعنوان "فريق الإنسان والآلة: كيفية خلق تآزر بين الإنسان والذكاء الاصطناعي من شأنه أن يغير عالمنا"؛ ألّفه القائد الحالي لوحدة الاستخبارات الإسرائيلية النخبوية 8200، تحت اسم مستعار، ليقدّم فيه حجته لتصميم آلة خاصة يمكنها معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة لتوليد آلاف "الأهداف" المحتملة للضربات العسكرية أثناء الحرب. تبعاً لمؤلف الكتاب، سوف تحل هذه التكنولوجيا ما وصفه بأنه "عنق زجاجة بشري في كل من تحديد الأهداف الجديدة واتخاذ قرارات الموافقة على هذه الأهداف". صدر هذا الكتاب في العام السابق على تشكيل اللجنة التي صاغت اتفاقية الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان في المجلس الأوروبي. أيضاً في العام السابق على إصدار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً يشدد على الأهمية المركزية للقرارات البشرية في استخدام القوة، ويحذر من الاعتماد على مجموعات بيانات غير ممثِّلة، وبرامج تعتمد على الخوارزميات، وعمليات التعلم الآلي، في أكتوبر 2022.
تستخدم إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر نظام "لافندر"، وهو تبعاً للمقالة التي نشرتها مجلة 972+ مطابق لوصف "كتاب فريق الإنسان والآلة". أيضاً تستخدم نظام آخر اسمه Gospel، و نظام "Where is Dady" أي "أين أبي"، بتعبير شديد الوقاحة عن استهداف الرجال وقتلهم في عقر دارهم مع عائلاتهم.
احدث المنشورات
القمة العالمية للتنمية الاجتماعية: بعد ثلاثين عامًا… الحاجة إلى مقاربة جديدة قائمة على العدالة والمساواة - زياد عبد الصمد