Nov 06, 2024
الابادة الذكية: حرب العالم "المتطور" ضد الفلسطينيين واللبنانيين - الهام برجس

الابادة الذكية: حرب العالم "المتطور" ضد الفلسطينيين واللبنانيين - الهام برجس 



مرّت سنة و3 أسابيع على بدء الابادة ضد الشعب الفلسطيني. مع الوقت أصبح المشهد نفسه وردات الفعل ضده آلية. وأقصد بالآلية هنا التلقائية والوضوح في التموضوع. فمن هم ضد، يتمسّكون بموقفهم ويكررونه. ومن هم مع، يفعلون الأمر نفسه من زاوية التعليل والتبرير. والاسرائيليون يستمرون بالقتل والفلسطينيون تتزايد أعداد خسائرهم. هذه الآلية تصبح امتداداً منطقياً لكون المعركة بحد ذاتها تخوضها الآلة، متخطية المعرفة الانسانية وقدرتها على تحمّل حجم الجريمة، واستيعابها ومعاقبتها. يحصل كل هذا، فيما العالم لا يزال في مرحلة تطوير أخلاقيات الذكاء الاصطناعي والقوانين الدولية الناظمة لعمله وصناعته في القطاعين العام والخاص. تنخرط اسرائيل في هذه الورشة الأخلاقية والحقوقية في خضم خوضها لحرب الإبادة في فلسطين. وتعبيراً عن (مصداقيتها)، لقد علّم الاسرائيليون أنظمة ذكائم الاصطناعي الذي يدير عملية الابادة، أن النساء لسن أهدافاً عسكرية، تاركين الأمر للعناصر البشرية لقتلهن مع أطفالهن بصفتهن أضراراً جانبية.



في الخامس من أيلول 2024 انضمت إسرائيل الى الاتحاد الأوروبي  والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى ووقّعت أوّل معاهدة دولية حول الذكاء الاصطناعي (AI) وحقوق الانسان . وقد تم تطوير وصياغة هذه المعاهدة ضمن إطار المجلس الأوروبي ودول أخرى من بينها "إسرائيل" لتضع قواعد والتزامات للاستخدام "المسؤول" للذكاء الاصطناعي، مع التركيز على حماية حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. يأتي اطلاق هذه الاتفقاية في سياق استمرار اسرائيل في ارتكاب ابادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وتوسّعها لتشمل الأراضي اللبنانية، في تطهير عرقي يشمل سكان الجنوب اللبناني وأجزاء من بيروت ومنطقة البقاع ذي الغالبية المسلمة الشيعية. ترتكب اسرائيل جرائمها ضد الانسانية بدعم من الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، التي تمدّها بالمال والسلاح والذخيرة والكثير من الدعم السياسي الدولي. أيضاً، بتعاون وليد مع المملكة المتحدة، لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي يداً بيد، باتفاقية كلفت الأخيرة 1.7 مليون باوند. 



  وفي سياق هذه الاتفاقية الأوروبية، يقصد بالذكاء الاصطناعي، النظام القائم على الآلة والذي يقوم لأغراض صريحة أو ضمنية باستنتاج كيفية توليد مخرجات مثل التنبؤات أو المحتوى أو التوصيات أو القرارات التي قد تؤثر على البيئات المادية أو الافتراضية، وذلك استنادًا إلى المدخلات التي يتلقاها. وتختلف أنظمة الذكاء الاصطناعي في مستويات استقلاليتها وقدرتها على التكيف بعد نشرها". لا تخفي الدول التي وضعت الاتفاقية ووقّعتها قلقها إزاء بعض الأنشطة ضمن دورة حياة أنظمة الذكاء الاصطناعي والتي  "قد تقوض الكرامة الإنسانية والاستقلالية الفردية وحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون"، وتحديداً تأثير هذه التقنيات "المحتمل في خلق أو تفاقم التفاوتات، بما في ذلك تلك التي تواجهها النساء والأفراد في أوضاع هشّة، فيما يتعلق بالتمتع بحقوقهم الإنسانية ومشاركتهم الكاملة والمتساوية والفعالة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية". 



من هنا تم تطوير هذه الاتفاقية تلافياً  "لسوء استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي ورفض استخدام مثل هذه الأنظمة لأغراض قمعية تنتهك  القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك من خلال المراقبة التعسفية أو غير القانونية وممارسات الرقابة التي تقوض الخصوصية والاستقلالية الفردية." 



وبالطبع، وبما أنه لكل قاعدة استثناءاتها، فإن القاعدة التي تذيّلها "إسرائيل" بتوقيعها لا بد أن تتضمن "المسائل المتعلقة بالدفاع الوطني" كاستثناء غير معلّق على شروط، حيث أن هذه المسائل  "لا تندرج ضمن نطاق هذه الاتفاقية".



هذه الاتفاقية، وهي الأولى من نوعها، طُوّرت ودخلت حيز النفاذ في سياق ممتد من العمل الاسرائيلي لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي مخصصة لزيادة عدد الأهداف العسكرية الى الآلاف يومياً، وذلك بناءً على استطلاعات بيانية حول 2.3 مليون مقيم في غزّة، وخرق لكافة خصوصياتهم واستخدام غير مشروع لبياناتهم منذ عدّة سنوات.



وفيما بدأ العمل لصياغة الاتفاقية منذ عام 2019، صدر عام 2021 كتاب بعنوان "فريق الإنسان والآلة: كيفية خلق تآزر بين الإنسان والذكاء الاصطناعي من شأنه أن يغير عالمنا"؛ ألّفه القائد الحالي لوحدة الاستخبارات الإسرائيلية النخبوية 8200، تحت اسم مستعار، ليقدّم فيه حجته لتصميم آلة خاصة يمكنها معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة لتوليد آلاف "الأهداف" المحتملة للضربات العسكرية أثناء الحرب. تبعاً لمؤلف الكتاب، سوف تحل هذه التكنولوجيا ما وصفه بأنه "عنق زجاجة بشري في كل من تحديد الأهداف الجديدة واتخاذ قرارات الموافقة على هذه الأهداف".  صدر هذا الكتاب في العام السابق على تشكيل اللجنة التي صاغت اتفاقية الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان في المجلس الأوروبي. أيضاً في العام السابق على إصدار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً  يشدد على الأهمية المركزية للقرارات البشرية في استخدام القوة، ويحذر من الاعتماد على مجموعات بيانات غير ممثِّلة، وبرامج تعتمد على الخوارزميات، وعمليات التعلم الآلي، في أكتوبر 2022.



 تستخدم إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر نظام "لافندر"، وهو تبعاً للمقالة التي نشرتها مجلة 972+ مطابق لوصف "كتاب فريق الإنسان والآلة". أيضاً تستخدم نظام آخر اسمه Gospel، و نظام "Where is Dady" أي "أين أبي"، بتعبير شديد الوقاحة عن استهداف الرجال وقتلهم في عقر دارهم مع عائلاتهم.  


إذن، كيف يحمي نظام لافندر النساء؟ 


لنبدأ من نظام لافندر الأكثر شهرة. يحلل "لافندر" المعلومات التي تم تجميعها خلال السنوات الماضية والتي شملت 2.3 مليون مقيم في قطاع غزة باستخدام نظام مراقبة جماعية. يتمتع كل شخص من هؤلاء بتقييم من 1 الى 100 حول احتمالية أن يكون ضمن تنظيم حماس أو حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. أما نظام Gospel فيحدد الأهداف العسكرية، ضمنها الأهداف تحت الأرض مثل الأنفاق؛ منازل عائلات الأشخاص المصنّفين أهداف لاسرائيل؛ و"الأهداف الحيوية". والأخيرة هي الأهداف التي "تحدث صدمة" تؤدي إلى تأليب المدنيين للضغط على حماس.  اذن بالاستناد إلى تصنيفات لافندر وتحديد المواقع تبعاً ل Gospel، يتم أخيراً رصد "الهدف" خلال تواجده في منزله، ليتم بعدها قصف هذا المنزل بمن فيه، وعادة ما يحصل ذلك خلال ساعات الليل لضمان الاجهاز عليه، وباستخدام قنابل غبية تحسباً لعدم انفاق اموال طائلة على أهداف (غير مهمة).  


و"الهدف" هو كل شخص يتبع لتنظيم حماس او الجهاد الاسلامي الفلسطيني. يتعرّف الذكاء الاصطناعي إلى هذه الأهداف تبعاً للمعلومات التي زوّد بها، وهي مبنية على المسوحات البيانية التي أجرتها سرائيل في القطاع بصورة غير شرعية، وعلى الفرضيات الاسرائيلية حول آليات عمل المقاتلين في حماس. بناءً عليه، فان كل شخص سبق أن ارتد أي زي يتبع لأحد التنظيم قبل سنة أو اثنتين، تصنّفه الآلة اليوم كهدف عسكري. في مثال آخر، يتتبع لافندر أساليب العمل والتواصل، وبما أن الفرضية الاسرائيلية تعتبر أن التواصل يتم من خلال أجهزة محددة، يصبح بالنسبة لـ لافندر، كل من يستخدم نفس الأسلوب في التواصل هدفاً عسكريا، مثل الشرطة وأفراد الدفاع المدني.


تبعاً  للتحقيق الذي نشرته 972+، يتعامل العسكري الإسرائيلي مع معطيات لافندر وكأنها أوامر بشرية، وحتى من دون التأكد من مطابقة المعلومة للواقع في لحظة تنفيذ الأمر.


أيضاً يتأثر لافندر باستخدام السلطات الإسرائيلية لتعريفات واسعة للإرهاب والجماعات الإرهابية ، والاعتماد على أحكام عامة في القانون العسكري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة لحظر الجمعيات كـ"منظمات معادية" وحتى حظر منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية بوصفها "جماعات إرهابية" في الضفة الغربية، واحتجاز فلسطينيين لمجرد انتمائهم أو ارتباطهم بهذه المنظمات أو الكيانات المرتبطة بها. بكلمات أخرى، فإن أفراد هذه الجمعيات، يمكن لنظام لافندر أن يتعرّف إليهم بوصفهم أهداف عسكرية، الأمر الذي يستتبع قبول قصفهم داخل منازلهم ومع عائلاتهم وقتلهم جميعاً.


إن الخوارزميات التي تستخدمها أنظمة الذكاء الاصطناعي الإسرائيلية في الحرب لا تستند الى القانون الدولي الإنساني، وهي غير معنية بالمبادئ الأساسية لهذا القانون، انما تستخدم حصراً الجنس كمعيار ينطبق على الهدف من دون أن يأبه بالأضرار الجانبية من حوله. لقد لقّن الإسرائيليون أنظمة الذكاء الاصطناعي كل ما تحتاج لكي تتعرف على الفلسطينيين بوصفهم أهدافاً عسكرية، وهم يتبعون أوامر الآلة ليعززوا ادعاءهم بالتزام الدقة، واحترام معايير القانون الدولي الإنساني، الذي لم يعلمه لآلاته على فكرة. الأمر الوحيد الذي تم تلقينه لآلاتهم، هي "الحساسية الجندرية”. يقول أحد الشهود في التحقيق أنه عندما يظهر أن الهدف إمرأة، يفترض الإسرائيلي أن الآلة ارتكبت خطأ انطلاقا من فرضية أخرى تقول أن حماس والجهاد الإسلامي لا يجندون نساء. يكمل التحقيق، أنه بكل الأحوال لا يصرف الاسرائيلي ما يزيد عن 20 ثانية للتأكد ما اذا كان الهدف إمرأة أو رجل. وفي كلا الحالتين، في النهاية يقوم باستهداف الشخص في بيته وبين عائلته وأولاده. تبعاً لذلك، وبما أن الجنس هو المعيار الوحيد الذي يتم استبعاد هدف عسكري بناءً عليه، فإن كل رجل فلسطيني في غزة يمكن أن تصنّفه الآلة كهدف عسكري ليتم القضاء عليه ومعه على كافة أفراد عائلته.  


وتبعاً لآلية الاستهداف الدقيقة التي يتبعها جيش الاحتلال الاسرائيلي، بلغ عدد ضحايا الحرب من نساء وأطفال في غزة أكثر بأضعاف عدد أعلى نسبة قتل للنساء في النزاعات المسلحة منذ 2004. 


فتبعاً لتقرير نشرته أوكسفام نهاية أيلول 2024،أنّ أكبر عدد من النساء اللواتي قتلن في عام بسبب النزاعات المباشرة للفترة 2004-2021 قد بلغ 2600 امرأة، وذلك في العراق في عام 2016.  وفي 16 نيسان 2026، نشرت الامم المتحدة أن "أن من بين النساء اللاتي قُتلن في غزة، ستة آلاف أم يُتـّم بسبب قتلهن 19 ألف طفل".  في الارقام الأخيرة المنشورة على صفحة الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني ، فان عدد الضحايا النساء في غزة وصل الى 11585 امرأة و17029 طفل، وهو ما يوازي 67% من مجمل الضحايا. يضاف الى النساء والاطفال، المسنين وأفراد الطواقم الطبية والصحافيين، ليتخطى مجموع الاضرار الجانيبية للقضاء على الأهداف الدقيقة التي حددتها أنظمة الذكاء الاصطناعي، الـ 75% من ضحايا الحرب. 


هكذا تقتل آلة الإبادة الإسرائيلية النساء والأطفال، بدم بادر، محمّلةً آبائهم وأزواجهم وإخوانهم مسؤوليه تصنيفاتها غير العشوائية، واختيارها القتال بقنابل غبية عن بعد، واختيارها التلاعب بمعيار التناسب إلى أقصى الحدود، متخفيةً وراء الذكاء الاصطناعي.
 بالتوازي مع ارتكابها للابادة الجماعية، تسخر اسرائيل ومعها أميركا والدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من منظومة حقوق الانسان وقضايا الجندر والمساواة والعدالة، تستخدم الحساسية الجندرية لتنظيف صورة آلاتها وأنظمة ذكائها الاصطناعي، فيما تترك لجنودها كامل الحرية لقتل الفلسطينيات جماعياً بقرار بشري واع. تستخدم الآلة بنية صريحة هي مضاعفة أهدافها إلى الآلاف يومياً، فيقال أنها تتوخى الدقة وتصيب فقط الأهداف المحددة. جعلت اسرائيل ومعها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة من منظومة حقوق الانسان مادة لسخريتها، فيما نستمر على المقلب الآخر بالتمسك بهذه المنظومة والدفاع عنها ومحاولة حماية شيء مما تبقى لنا من خلالها.


3 - Abraham, Y. (2024, April 3). ‘Lavender’: The AI machine directing Israel’s bombing spree in Gaza. +972 Magazine. https://www.972mag.com/lavender-ai-israeli-army-gaza/ 
5 - Abraham, Y. (2024, April 3). ‘Lavender’: The AI machine directing Israel’s bombing spree in Gaza. +972 Magazine. https://www.972mag.com/lavender-ai-israeli-army-gaza/ 
7 - Abraham, Y. (2024, April 3). ‘Lavender’: The AI machine directing Israel’s bombing spree in Gaza.  +972 Magazine. https://www.972mag.com/lavender-ai-israeli-army-gaza/
فاق عدد النساء والأطفال الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة عدد النساء والأطفال الذين قتلوا في عام واحد في أي نزاع آخر – منظمة أوكسفام | Oxfam International 


احدث المنشورات
Nov 06, 2024
أجندة المرأة والسلام والأمن: بين الفاعلية والإخفاق - منار زعيتر
Nov 06, 2024
حرب السودان : الاغتصاب من سلاح للهوية الي حرب اجرامية - نعمات كوكو محمد