Dec 22, 2025
الأمن الغذائي في فلسطين: بين انتهاكات الاحتلال وصمود المجتمع – ميناس الكيلاني

الأمن الغذائي في فلسطين: بين انتهاكات الاحتلال وصمود المجتمع – ميناس الكيلاني

 

في ظل واقعنا الفلسطيني المعقد، يواجه الأمن الغذائي تحديات متصاعدة بسبب الانتهاكات الإسرائيلية الممتدة منذ اللحظات الأولى لتشكل الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته على الأرض ومواردها، وفرضه قيودا ممنهجة على الفلسطينيين. لكن، وبرغم ذلك، يواصل المجتمع الفلسطيني قدرته على الصمود وإيجاد البدائل للمحافظة على الامن الغذائي، من خلال مبادرات الإنتاج المحلي، وتقوية الاقتصاد المقاوم عبر شبكات التضامن المجتمعي.  

 

تستعرض هذه المقالة ملامح الازمة وجهود المجتمع الفلسطيني في محاولة تجاوزها،كما تعرض الحلول الممكنة في ظل الظروف القائمة.

 

ان فلسطين تمتلك أرضا خصبة وطبيعة زراعية مميزة قادرة على الإنتاج، وذلك بحسب عدة دراسات  صادرة عن  مركز الأبحاث الزراعية الفلسطيني (PARC) ومنظمة الاغذية والزراعة العالمية ( الفاو) .الا ان  القيود التي يفرضها الاحتلال، من اغلاقات وحواجز ومنع الحركة ومصادرة الاراضي، وصولا الى حرقها واتلاف المحاصيل،والاعتداء على آبار المياه واستهداف المناطق الزراعية بالصواريخ المحملة بالمواد الكيميائية المدمرة، إضافة الى ضخ المياه العادمة وتهريب النفايات الصلبة والخطرة الى الاراضي الفلسطينية ،تشكل عائقا مباشرا امام تحقيق الامن الغذائي.

  حيث أنه في الربع الاول من العام الحالي /٢٠٢٥، وثقت سلطة جودة البيئة سلسلة من الانتهاكات، منها على سبيل المثال: أكثر من ١٩ اعتداء على آبار وشبكات المياه، شملت تدمير ها وردم آبار في جنين وطوباس والاغوار الشمالية والخليل واريحا وقلقيلية ونابلس. كما رصدت 8 اعتداءات باستخدام المياه العادمة غير المعالجة، حيث عمدت المستوطنات إلى ضخ كميات كبيرة من المياه العادمة باتجاه الاراضي الزراعية الفلسطينية. إضافة إلى ذلك، وصل عدد الاعتداءات الى أكثر من 45 حالة ما بين تجريف واقتلاع وتخريب.

 

 وقد شرعت قوات الاحتلال في بناء مستعمرات جديدة في إطار توسع استيطاني ممنهج، مثل مستعمرة " ناحال حيلتس" على اراضي قرية بتير في محافظة بيت لحم، مع تحطيم ما يزيد عن 670 شجرة زيتون ولوزيات وحمضيات في عدة محافظات.  كما تم تسجيل 11 اعتداء استهدف الثروة الحيوانية، و11 حالة تهريب نفايات صلبة وخطرة من داخل إسرائيل إلى الاراضي الفلسطينية.

 

 ومع استمرار هذه الانتهاكات خلال الربعين الثاني والثالث من هذا العام، وتزايد النسب وصولا إلى ما قبل كتابة هذا المقال بيوم واحد، حيث تم تجريف 61 دونم من اراضي قرية مردة شمالي سلفيت، الى جانب منع الفلسطينيين من الوصول الى اراضيهم، وقطف محاصيلهم الزراعية، خاصة في المناطق المحاذية لجدار الفصل العنصري

 

واذا ما تحدثنا عن غزة المنكوبة، التي اخرج الاحتلال من اراضيها الزراعية نحو 90% منها عن الخدمة، سواء بالقصف او التعريف او إدخالها داخل" الخط الأصفر" الذي حدده   عقب دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.  تعد هذه الانتهاكات غير قابلة للحصر الكامل، سواء الموثق منها اوغير الموثق.

 حتى وإن كان دور الفلسطيني محدوداً، فإن بصمته واضحة، تثبت الحق وتدعم مسيرة النمو وتطور الأمن الغذائي . فانبثقت البنى الشعبية من التنظيم المناهض للاحتلال

، حيث أصر الفلسطيني على تأسيس اقتصاد مقاوم بوصفه وسيلة للاستدامة، ركز على عدة مفاهيم، أهمها مفهوم السيادة الغذائية، الذي ارتكز على مبادئ الاكتفاء الذاتي وصولا إلى التعاونيات الزراعية. يعدّ هذا النمط مكونا اساسيا للمحافظة على الامن الغذائي، حتى في أشد الظروف.

 

وقد شكّلت "حدائق النصر" خلال الانتفاضة الاولى احد اروع    الأمثلة التي جسدت هذا النهج، اذ ركزت على الأنشطة الزراعية على مستوى الأحياء والمنازل، الى جانب تجربة (السقيفة) في بلدة بيت ساحور، التي وفرت البذور والأدوات والمبيدات. وبفضل تلك المشروعات وغيرها، انبثق مفهوم السيادة الغذائية من الحاجة إلى معالجة اوجه القصور، وأهمها تحقيق إنتاج غذائي محلي مستدام.

حيث أن التركيز على مفهوم السيادة الغذائية أفضل من التركيز على مفهوم الأمن الغذائي، كونه يشمل   استصلاح الاراضي والموارد، وبناء منظومة إنتاج غذائي متكاملة، وتأسيس بنية تحتية، مثل تصدير المحاصيل النقدية، إضافة الى الانخراط في التحالفات الدولية لدعم صمود المزارعين بوصفهم اوصياء على الارض، وتعزيز الاكتفاء الذاتي لهم. فأصبحت فلسطين اول عضو في منظمة "لا فيا كامبيسينا " (الحركة الدولية للمزارعين ).

 

 وحتى اليوم، يواصل الشعب الفلسطيني ابتكار الحلول وإيجاد البدائل، من خلال الزراعة في الأراضي المهددة بالمصادرة من قبل الاحتلال، ودعم الحكومة في توفير الاشتال والموارد، وتدريب المزارعين على أشكال جديدة من الزراعة، مثل الزراعة المائية والزراعة العضوية والاستزراع السمكي، الذي ساهم في توفير 70% من كميات المياه المستخدمة في الزراعة، اضافة الى انتاج السماد داخل الاراضي الفلسطينية، تكلفة شرائه من إسرائيل بنسبة تصل الى 50%.

ان استمرار هذه الانتهاكات سيؤثر سلبا على وضع الأمن الغذائي، وهذا يعد انتهاكا صارخا للقوانين والاتفاقيات الدولية. وعليه، يجب على جميع الاطراف، بدءا من الحكومة الفلسطينية التي عملت على اعداد السياسة الوطنية للامن الغذائي والتغذوي 2019 _2030، وصولا الى المحافل الدولية ممارسة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف هذه الانتهاكات، والعمل على إنشاء صندوق للسيادة الغذائية، ودعم التعاونيات والمشاريع الزراعية الصغيرة، الى جانب الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية، وتعزيز تبادل الدراسات والخبرات بين دول الجنوب العالمي وفلسطين في مجال الأمن الغذائي.

في الختام، يبقى الأمن الغذائي ركيزة اساسية لضمان استقرار المجتمعات وصمودها . وفي فلسطين، يظهر الأمن الغذائي كمعركة يومية تلامس جوهر الصمود في ظل واقع الاحتلال بانتهاكاته وقيوده اللامنتهية. ورغم التحديات المعقدة ، يواصل الفلسطيني الاستثمار في قدراته وتطوير حلول مبتكرة لحماية المجتمع وتعزيز صموده على أرضه.



___________________________

المراجع

FAO – Land and Soil Resources in Palestine1.

2. مركز الأبحاث الزراعية الفلسطيني (PARC.

3. تقرير : تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحق البيئة الفلسطينية خلال الربع الاول من 2025.

4.حرب على التربة _محمد ابو قمر .

5.السيادة الغذائية في اقتصاد فلسطيني مقاوم - شبكة السياسات الفلسطينية.

 

احدث المنشورات
Dec 22, 2025
الأرجنتين وصندوق النقد الدولي: تاريخ طويل من التبعية المالية والمقاومة الاجتماعية - توماس باتاغلينو
Dec 22, 2025
ما بعد العمل غير المرئي: إعادة تأطير الرعاية والتنمية - لينا أيوب