Oct 08, 2024
الأبعاد الاجتماعية للتغيرات المناخية في ضوء الحالة المصرية - عبدالمولى إسماعيل

الأبعاد الاجتماعية للتغيرات المناخية في ضوء الحالة المصرية - عبدالمولى إسماعيل
 
 
تعد ظاهرة التغيرات المناخية واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية تأثيراً على بيئة المحيط الحيوي والإنساني على كافة الأصعدة والمستويات سواء تعلق الأمر بالتداعيات والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية أو ما قد يلحق بكوكبنا من كوارث قد تؤدي إلى فنائه.
 
 
 لذا انتبه علماء البيئة والمناخ لتداعيات تلك الظاهرة ودق جرس الإنذار لتنبيه المجتمع الدولي بمخاطر تلك الظاهرة ، الأمر الذي دفع الأمم والشعوب لأخذ زمام المبادرة في العمل على اتخاذ التدابير الواجبة للحد من تدعيات تلك الظاهرة بدءاً من قمة الأرض في عام 1992 وما انبثق عنها من قمم واتفاقيات ومعاهدات وبروتكولات ومسارات إطارية من بينها القمم المناخية الــ ‪ COP‬التي بدأت مع عام 1995 وصولًا لقمة باكو ‪COP29 ‬ ، وما سوف يتبعها من قمم أخرى لاحقة.
 
 
في هذا السياق نحاول أن نتناول بعض الأبعاد التي تكون غائبة في العادة ضمن مسار تلك القمم المناخية وهي المتعلقة بالابعاد الاجتماعية لظاهرة التغيرات المناخية.‪ ‬وذلك من خلال دراسة الحالة المصرية التي قطعت أشواطاً بعيدة في التعامل مع قضية التغيرات المناخية والتي تجلت في بروز الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية في مصر 2035  ،والتي تقاطعت مع استراتيجيات اخرى من بينها الاستراتيحية الوطنية للمياة 2050 ، وأخرى خاصة بالهيدروجين الأخضر.
 
 
وهناك العديد من الملامح الأساسية في تلك الاستراتيجيات مجتمعة هو سلعنة المناخ والموارد الطبيعية بغرض إدماجها بالأسوالق التبادلية باعتبارها سلعة قابلة للبيع والشراء وكذلك مزيد من الاستنزاف والنزح لتلك الموارد لبلدان الشمال.
 
 
كذلك التماهي مع مؤسسات التمويل الدولية والخطاب السائد في مسار الــ‪COP  ‬ وهو المتعلق بالتركيز على إدماج بلدان العالم وبخاصة النامي منها بالمساهمة في الاستراتيجيات المرتبطة بتخفيف الانبعائات من غازات الاحترار على قاعدة إننا جميعا مسئولون عن تلك الغازات الدفيئة بدلاً من التركيز على الاستراتيجيات المتعلقة بكيفية العمل على مواجهة الخسائر والاضرار الناجمة عن عملية الاحترار والتدابير التي يتوجب القيام بها وبخاصة أن بلد مثل مصر معرضة لتأكل سواحلها الشمالية ومساحات زراعية تصل إلى  5.2 مليون فدان (الفدان يساوي 4200 متر) بمنطقة الدلتا وحدها وتأثيرات تلك المخاطر على المزيد من الانكشاف تجاه الفجوة الغذائية المصرية والتي تزيد عن 51.8% في القمح ، والفول 77.2%   وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
 
 
وبدلاً من مجابهة تلك المخاطر التي تحيق بوضعية الأمن الغذائي في مصر والعمل على وضع استراتيجيات مناخية تأخذ في الاعتبار تلك الأبعاد نجد وعلى العكس من ذلك  وضع استراتيجيات تفاقم من تلك الوضعية المتعلقة بحياة الناس وسبل عيشهم.
 
 
في هذا السياق نجد أن الاستراتيجية الوطنية للمناخ تطالب بالعمل على إعادة التركيب المحصولي المصري بالتركيز على تخفيض مساحة المحاصيل كثيفة الاستهلاك  للمياه مثل محصولي الأرز الذي يزرع بصفة أساسية في منطقة دلتا مصر ،  وقصب السكر الذي يتركز في منطقة مصر العليا ، يترافق ذلك مع خطابات مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي الذي أبرم قرضاً مع الحكومة المصرية بتقنين استخدامات المياه في عدد من محافظات الدلتا في مصر وهي الشرقية والمنوفية والغربية بهدف العمل على تحويل الأساليب المتعلقة بالري بالغمر إلى الري بالتنقيط.
 
 
وقد كان من نتاج تلك الاستراتيجيات أن خفضت مصر مساحتها المنزرعة بالأرز من 1.5 مليون فدان عام 2012 إلى 1.1 مليون فدان عام 2023
 
 
مما سيكون له تأثير مباشر على الوضعية الغذائية للسكان في منطقة الدلتا والبالغ عددهم 45 مليون نسمة ، باعتبار أن الأرز هو الغذاء الرئيسي مثله مثل القمح والذرة في باقي مناطق مصر.
 
 
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يمتد إلى حماية أراضي الدلتا البالغة 5.2 مليون فدان من تأكلها بفعل مياه البحر الأبيض المتوسط ، حيث إن مصر وعلى مدار تاريخها قامت بزراعة الأرز في منطقة الدلتا واستخدام تقنيات الري بالغمر في تلك الأراضي الواطئة بالدلتا لخلق حاجز مائي طبيعي  يحول دون تسرب ملوحة مياه البحار إلى الأراضي الزراعية.
 
 
على النقيض من ذلك نجد إنه وفي إطار استراتجيات التخفيف التي تتبناها الاستراتجية الوطنية للمناخ في مصر تتقاطع مع استراتيجية أخرى تتعلق بإنتاج 20 مليون طن من الهيدروجين الأخضر بغرض تصديره إلى البلدان الأوربية  بحلول 2035 ، الأمر الذي يستنزف المزيد من الطاقة المتجددة بدلاً من استخدامها في تغطية الفجوة الخاصة بالوصول للطاقة الكهربائية والتي تشهد مزيد من الارتفاعات المتواصلة في اسعارها ، هذا ناهيك عن استنزاف المزيد من موارد المياه العذبة التي تصل في أقل التقديرات إلى 0.6 مليار متر مكعب من المياه‪*‬.
 
 
الأمر الذي يبرز التناقض في التعامل مع قضية التغيرات المناخية من منظور الحالة المصرية ففي الوقت الذي تأتي فيه تلك الاستراتجية بالعمل على  توفير الموارد المائية اللازمة للغذاء ومراعاة البعد الاجتماعي نجدها تفرط في استخدام تلك الموارد بغرض الاستثمار في الأسواق الدولية لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
 
 
في الإطار ذاته نجد أن الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية تعطي الوزن الأكبر من حيث الإنفاق على الجوانب المتعلقة بالتخفيف حيث تبلغ موازنة التخفيف حتى 2035 ما قيمته 211 مليون دولار بينما موازنة التكيف 113 مليون دولار وجميع تلك الأموال هي في الجانب الأكبر منها على شكل قروض من مؤسسات التمويل الدولية.
 
 
هذا في الوقت الذي كان يتوجب على واضعي الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية إلى المطالبة بإعمال مبدأ العدالة المناخية القائمة في جانب منها على إلزام دول الشمال والبلدان الأكثر تلويثاً في تحمل مسئوليتها التاريخية بالمديونية المناخية ، ففي حالة مصر على سبيل المثال لا الحصر بلغت انبعاثات مصر من غاز ثأني أكسيد الكربون 4.9 مليون طن من عام 1990 وحتى  2020 ، بينما بلد مثل الولايات المتحدة بلغت حصتها 162.7 مليون طن عن نفس الفترة ، ودول الاتحاد الأوربي 100 مليون طن كانت حصة ألمانيا وحدها قد بلغت بلغت 25 مليون طن كذلك الصين كانت جملة انبعاثاتها عن نفس الفترة من ثاني اكسيد الكربون 191.8 مليون طن.
 
 
الأمر الذي يتوجب معه على مصر وبلدان الجنوب أن تطالب البلدان الأكثر تلويثاً بسدداد حصتها من المديونيه المناخية المستحقة عليها إلى صندوق الخسائر والأضرار أو العمل على إنشاء صندوق خاص بالديون المناخية تتحمل فيه كل دولة ما يتوجب عليها دفعه من أموال لصالح الدول الدائنة مناخيًا وفقاً لموازنة المديونية والدائنية لكل بلد على حده ، وأن يتم احتساب تلك المديونية منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الأن ، كذلك يتوجب المطالبة في قمة "باكو" القادمة أن تكون التمويلات المخصصة لإستراتجية التكيف أعلى من تلك المخصصة لاستراتيجية التخفيف ، وذلك بهدف المساهمة في درء المخاطر المتوقعة للبلدان الأكثر هشاشة للتغيرات المناخية والتي من بينها مصر.
 
 
عبدالمولى إسماعيل

باحث في مجال البيئة والتنمية
 


احدث المنشورات
Dec 07, 2024
النشرة الشهرية لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض
منشورات ذات صلة
Nov 30, 2022
التمويل في كوب 27: انتصار ينتظر تغييرًا نظاميًا، فلننتزع جهود التغير المناخي من براثن الممولين - وائل جمال
Feb 28, 2023
قضية تغير المناخ بين تعويضات الكوارث وتمويلات الحروب