التطبيع مقابل القانون الدولي
ان نتائج حكم الرئيس ترامب ثقيلة بالنسبة للفلسطينيين، لجهة مختلف القرارات التي اتخذها خلال مكوثه لأربع سنوات في البيت الابيض. النقطة الأساسية هي عدم احترام القانون الدولي. لقد تجاوز قرارات متعددة للأمم المتحدة، بدايةَ مع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، ثم اعترافه بالهيمنة الاسرائيلية على مرتفعات الجولان، كما بتشريعه لإقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية. لقد صرحت ادارة ترامب مرات عدة بأن الاستيطان لا يخالف القانون الدولي. و ما قدمه ك "صفقة القرن" هو اعادة نظر بالمعايير المتبعة من المجتمع الدولي للتوصل الى جواب للمسألة الاسرائيلية-الفلسطينية، لا بل أخطر من ذلك، لقد قام حرفيا ب "تسييل" حل الدولتين الذي يدعو اليه هذا الأخير.
مع عدم رضاها عن رهون الوفاء المختلفة المقدمة لبنجامين نتنياهو و التي تقلب المعادلة على المدى الطويل، دفعت واشنطن بتطبيع العلاقات بين دول الخليج و اسرائيل. و قد وقعت الامارات العربية المتحدة على الاتفاقات المنطوية تحت اسم "اتفاق ابراهام"، تليها البحرين و السودان. ترامب كما نتنياهو كانا يأملان توقيع المملكة العربية السعودية قبل الانتخابات الاميركية في الرابع من تشرين الثاني؛ الا ان هذه الخطوة هي اكثر صعوبةً للرياض، و التي حتى اليوم، استبعدت أية تطبيع بدون انشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. الملك سليمان، المسجل ضمن خطة السلام العربية المنبثقة عن القمة التي عقدت في بيروت سنة 2002، يتعذر عليه ان يقر التطبيع كما يمليه الأميركيون والاسرائيليون. بالاضافة، فالشعب السعودي يرفض بأغلبيته المسار، و على السلطات السعودية أن تأخذ بعين الاعتبار رأيه العام بموضوع حساس لهذا الحد، و حيث أنه بخلاف الامارات العربية حيث نسبة المواطنين ضئيلة (المواطنون لا يشكلون أكثر من 1 مليون بالنسبة لعدد السكان الاجمالي البالغ 9.5 مليون) و أرجحية الاستياء العام شبه معدومة. ذلك لا يعني بالضرورة أن الرياض ستقاوم الى ما لانهاية رغبة محمد بن سلمان، وريث العرش، بالتطبيع. و فكرة أن البحرين وافقت على الانضمام لهذه الحركة تحمل على الأرجح الموافقة الضمنية للمملكة العربية السعودية. و السؤال على جميع الشفاه هو معرفة متى سينتهي السعوديون بالانضمام الى هذه الحركة.
ان الاجراءات المتخذة لديها العديد من النتائج: أولاً هو أن مسار التطبيع هذا، يقر بالتخلي عن دعم مطلب الفلسطينيين المشروع بإقامة دولة و عدم أخذه بعين الاعتبار؛ ثانياً تحدي القانون الدولي من قبل أول قوة في العالم، الولايات المتحدة، يطرح التساؤلات حول الأسس التي ترتكز عليها العلاقات الدولية و مصيرها؛ ويعزز الافلات من العقاب الذي تستفيد منه اسرائيل مما لن يجعلها تعيد النظر في المفاوضات؛ و أخيراً، ان تخلي واشنطن، وابو ظبي، والمنامة والخرطوم عن القضية الفلسطينية لن يساهم في استقرار المنطقة.
عند هذا الاستنتاج، هل يمكننا أن ننتظر تغييراً في السياسة من جهة الادارة الاميركية الجديدة؟ نعم و لا. جو بايدن سيحترم بقوة على الأرجح القانون الدولي، لكن هل سيتمكن هذا الأخير، بل هل سيرغب بتفكيك ما صنعه سلفه؟ لقد صرح سابقاً بأنه لن يعود عن نقل السفارة؛ بالمقابل فهو ينتقد سياسة الاستيطان التي يدينها جداً. و ان كان ينوي استئناف المفاوضات مع ايران على غير هوى الاسرائيليين، لا ينبغي توقع تغيير جذري في السياسة من الرئيس المنتخب بالنسبة للمسألة الفلسطينية. فعلاقته باسرائيل متينة و قنواته الادارية ستسمح بضمان مصالح الدولة العبرية.
الطريقة ستختلف بالتأكيد، لن يكون مباغتاً ومجابهاً كما كان ترامب، و قد أكد دعمه لحل الدولتين. لكن الملف الايراني يبدو كأولوية وقد يسرق الأضواء من الفلسطينيين بالتزامن مع توجه بلدان الخليج للتخلي عن مطالب الفلسطينيين وفي حين أن التحرك الدولي خجول في هذا السياق.
سوف أختتم بالحلم أن يتخذ الاتحاد الاوروبي قرارات حاسمة. حيث لديه الوسائل باسم الشراكة القوية التي تربطه باسرائيل كما بالسلطة الفلسطينية و بالتمويل الذي يقدمه. و قد يفرض بذلك نتائج مؤثرة على المفاوضات، لكنه لن يستغل ذلك بسبب اختلاف وجهات نظر الدول الأعضاء مما لن يسمح بتوحيد الصف السياسي.
الى متى ستتفرج أوروبا على ما يحدث مكتوفة الأيدي؟ مع أن ذلك يجب أن يكون أولوية نظراً لتأثيرات هذا الصراع المستمر على الشعوب الأوروبية وعلى مصداقية المجتمع الدولي، والتخلص من هذين الهمين والمعايير المزدوجة التي تثقله.
بالنهاية، المسألة الفلسطينية لن تختفي مطولاً، و من المضلل الاعتقاد بأن القوة ستتغلب على القانون. اليوم، التهديد الذي تمثله ايران قد تفوق على كل مسائل المنطقة، راصفاً دول الخليج مع اسرائيل بمواجهة طهران على حساب الفلسطينيين، لكن الى متى؟ بحسب مؤشر الرأي العربي الذي نشره المركز العربي للبحوث و الدراسات السياسية في باريس في تشرين الأول الماضي، ان 88% من العرب المشاركين اعترضوا على تطبيع اسرائيل مع بلدانهم، طالما أنها تحتل الأراضي الفلسطينية، وذلك بسبب طبيعتها الاستعمارية وليس لأسباب دينية. هذه النسبة تثبت بوضوح الأهمية التي ما زالت تحملها هذه القضية وان لم يكن ذلك في عيون القوى الاقليمية، لكن على الأقل لدى شعوبها.
أغنس لوفالوا - زميلة باحثة في المؤسسة للبحوث الاستراتيجية و نائب رئيس معهد البحوث و الدراسات المتوسطية الشرق اوسطية.
نشرت هذه المقالة مؤخرًا عبر مجالات