Jul 30, 2024
نظام الكفالة في لبنان: بين العبودية والاتجار بعاملات المنازل
ليلى عيسى
ناشطة نسويّة

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
ليلى عيسى

نظام الكفالة في لبنان: بين العبودية والاتجار بعاملات المنازل - ليلى عيسى


كيف يمكننا غض النظر عن نظام متخاذل، مكرّس ومشرّع من قِبل السلطات ومطبَّع معه من قِبل المجتمع؟


هذه القضية لا ترتبط فقط في الدفاع عن حقوق عاملات المنازل المهاجرات وغير المهاجرات، إنّما ترتبط ارتباطاً مباشراً بالجهد الذي تبذله أمّهاتنا في منازلنا، إذ عملنَ على مدار سنوات من دون إجازات ولا راحة، من دون مقابل أو تقدير. 


لا يعترف قانون العمل اللبناني بهذه الفئة من العمال، ولا يوجد قانون محدّد ينظّم أو يعترف بهذا العمل كمهنة كسائر المهن. ولضرورة تنظيم هذا العمل، وُضع نظام الكفالة (على الرغم من أن التشريع اللبناني لا يتضمن أي تنظيم بشأن هذا المفهوم)، كبديل عن قانون العمل لاستقطاب النساء من بلاد جنوب أفريقيا وغرب آسيا، وتقوم مكاتب الاستقدام بوضع معايير للنساء والفتيات القادمات من تلك البلاد ليتمّ اختيار العاملة "على الكاتالوغ" من قِبل أصحاب العمل بما يناسب معاييرهم الخاصّة (يضمن هذا الكاتالوغ وصف أجساد العاملات ودياناتهنّ وحالتهنّ الاجتماعية وغيرها من التفاصيل) وهكذا تتمّ الصفقة/التجارة.


تُجبر العاملات بعدها على توقيع عقود مكتوبة بلغة لا يفهمونها أو لا تعكس شروط عملهم بدقّة، ولا يَسمح لها وضعها الهشّ وحاجتها للعمل بالمفاوضة أو الاشتراط. فالعاملات تتكبّدنَ ديوناً كبيرة لتغطية رسوم التوظيف ونفقات السفر ممّا يضعهنّ تحت ضغط عبودية الدين من قِبل وكالات التوظيف وأصحاب العمل بهدف استغلالهنّ والسيطرة عليهنّ.


في عام 2009، أصدرت وزارة العمل عقد العمل الإلزامي الموحد لعاملات المنازل، ولكنه موضع نقد من جوانب عدة. فهو متاح باللغة العربية فقط، ولا يضمن حق عاملات المنازل في الاحتفاظ بجوازات سفرهن.  وهو لا يحمي من الصرف التعسفي، على رغم من انه حدَّد الأسباب التي يجوز بموجبها للعامل إنهاء العقد، بما في ذلك تخلف صاحب العمل عن دفع الأجر لمدة ثلاثة أشهر متتالية، أو إذا قام أحد شاغلي المنزل بالاعتداء على العامل أو إساءة معاملته، أو قام أحدهم بالتحرش أو الاعتداء الجنسي على العامل بشرط إثبات ذلك من خلال التقارير الطبية أو تقارير الشرطة أو وزارة العمل، كذلك إذا قام صاحب العمل بتشغيل العامل بصفة أخرى دون موافقته. وهذا يعني أنه إذا لم تحصل العاملة المنزلية على إجازة قانونية، ولم تتمكن من إثبات الاعتداء، ولم تُمنح إمكانية الحصول على القوت والسكن المناسبين، فلا يعد أي من هذا سببًا كافيًا لإلغاء العقد. في المقابل، ووفقاً للمادة 13 من العقد الموحد، يجوز لصاحب العمل إنهاء العقد إذا ارتكبت العاملة المنزلية "خطأ أو إهمالاً" (دون تحديد ما يشكل خطأ أو إهمالاً) أو فعلاً يعاقب عليه القانون اللبناني. ورغم وجود هذا العقد فإن عاملات المنازل غير قادرات على الاستفادة من أحكام قانون العمل ويبقين تحت سيطرة صاحب العمل بسبب نظام الكفالة، خاصة وأن الأمن العام يمنع العمالة الأجنبية (وليست عاملات المنازل فقط) من تغيير الكفالة دون موافقة السلطات المختصة، ومع ذلك لم يتم تحديد ما هي السلطات التي تتمتع بهذه السلطة كما يحظر على العامل الأجنبي نقل كفالته أكثر من مرتين خلال مدة عمله في لبنان. 


نظام العبودية


حاولت منظمات حقوقية تنظيم وضعية العمال المهاجرين من خلال اعتماد عقد عمل موحد، ولكن مجلس شورى الدولة اللبناني، وهو أعلى محكمة إدارية في البلاد، قد وجه صفعة قوية لحقوق عاملات المنازل المهاجرات بتعليق إعمال عقد عمل موحد جديد. تضمن العقد الموحد، الذي تبنته وزارة العمل في 8 سبتمبر/أيلول 2020، إجراءات حماية جديدة لعاملات المنازل المهاجرات، بما في ذلك الضمانات البالغة الأهمية ضد العمل القسري، وكان من الممكن أن يكون خطوة أولى مهمة نحو إلغاء نظام الكفالة المسيء . 

يرتبط وضح العاملات القانوني بأصحاب العمل من خلال نظام الكفالة وغالباً ما يستولي أصحاب العمل على جواز سفر العاملة ووثائقها الشخصيّة ممّا يؤدي إلى تقييد حرّيتها وحجزها في المنزل.


تعيش العديد من العاملات داخل المنازل ظروف حياة شديدة السوء، ويعتمد مصيرهنّ على "حسن نية" أصحاب العمل، وغالباً ما تُحتجز هذه النساء في المنازل، بلا هواتف، بلا أوراق ثبوتية، بلا إجازات أو ساعات راحة، بلا أي وسيلة تواصل مع الخارج، وبلا احترام لخصوصيّتهنّ، عدا عن حرمان الكثيرات من الأجر والسبب الأساسي، وأنّ المتوقّع من هذا العمل هو أن يكون مجّاني من قِبل النساء. 


نظام العبودية لم ينته، إنّما يرسّخه النظام القانوني والاجتماعي أكثر فأكثر ، من خلال وضع حق تقرير مصير العاملة بصاحب العمل، كونه مسؤولاّ عن ظروف عملها، إقامتها، ووضعها القانوني، لا يسمح لها بترك عملها أو تغيير كفيلها/صاحب عملها إنّما يتركها عرضةً لجميع أنواع الانتهاكات والاستغلال والعنف بلا رقيب أو حسيب. فهي وإن تعرّضت لشتّى أنواع الانتهاكات، تبقى مكبّلة وتحت سيطرة صاحب العمل، ويستطيع منعها من من الاستقالة أو العودة إلى بلدها أو تغيير عملها، إلا بموافقته، ووفقاً لمزاجه ورغبته.


هل يحق لنا التفكير بإنّ العمل المنزلي غير المدفوع الذي تُجبر النساء على القيام به في بيوتهنّ تحت سلطة الرّجل، قد عزّز مفهوم أحقّية أصحاب العمل في عدم دفع الأجور للعاملات؟ وهذا الأمر شائع جداً، فالعديد منهنّ حُرمنَ على مدار سنوات من الحصول على أجورهنّ وتمّ ترحيلهنّ لاحقاً من دون مقاضاة رواتبهنّ، وهنا يأتي السؤال التالي: ما هو الفرق بين الكفالة والعبودية؟


حقيقةً لا يوجد فرق كبير من حيث الممارسات التي تتعرّض لها هذه النساء في البيوت، عدا عن الاعتداءات الجسدية والجنسية وهما نتيجة النظر للعاملة ل"غرض" خاص بأصحاب العمل، تمّ شراؤه، والآه هو تحت تصرّفهم الكامل.


هذا التقاعس عن حماية العاملات وعدم إقرار قانون يعترف بحقوقهنّ وحرمانهنّ من حق تقرير المصيرهو بمثابة خذلان لكل العاملات في المنازل، خذلان للنساء، وللأمّهات "ستّات البيوت" اللواتي يعانين لوعة عدم تقدير واحترام تعبهنّ وجهدهنّ في العمل الرعائي والمنزلي.


الحركة العمالية النسائية


لا تزال عاملات المنازل المهاجرات محرومات من حقهن في المشاركة السياسية وفي إنشاء نقاباتهن الخاصة، وتستمر الدولة في ترحيل واستهداف النساء المهاجرات بسبب مشاركتهن في تنظيم المجتمع وفي النشاط. 


ولكن الجيّد أن عاملات المنازل وبمساعدة مؤسسات المجتمع المدني قمن بتنظيم أنفسهنّ وسعين طوال سنوات من خلال مواردهنّ المحدودة إلى مناصرة حقوق جميع عاملات المنازل في لبنان، من جميع الجنسيات، لكي يتمّ إلغاء نظام الكفالة، كما يقمنَ بتنظيم جلسات توعية للعاملات القادمات من بلدانهنّ إلى لبنان وذلك لمعرفة ما هنّ قادمات من أجله، وما هو الواقع والظروف التي ستضطررنَ لمعايشتها في لبنان.


تعتبر الحركة التي تقودها عاملات المنازل من أكبر الحركات العمالية النسائية في لبنان، ممّا يذكّرنا بفكرة رئيسية ومهمّة جداً في هذا الخصوص، أنّ هذه القضية هي قضية نسويّة، وأنّ ممارسات أصحاب العمل على النساء العاملات في المنازل ما هي إلا ترجمة واضحة للانتهاكات والاعتاداءات والاستغلال التي تُمارس في المنازل تجاه النساء عموماً. 



 ١. لبنان: صفعة لحقوق عاملات المنازل المهاجرات، أعيدوا إعمال العقد؛ عدّلوا قانون العمل، هيومان رايتس ووتش، 2020



. هذا المقال يرد ضمن الاصدار الخاص للنشرة الشهرية لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية لشهر تموز/يوليو 2024.  شارك في اعداده شباب وشابات من الشبكة العربية للشباب. الآراء والأفكار المطروحة في هذه المقالات تعبر عن وجهات نظر الكتاب ولا تعكس بالضرورة السياسة أو الموقف الرسمي للشبكة العربية.

حول الشبكة العربية للشباب:
تسعى الشبكة الشبابية الى توفير منصة اقليمية للشباب والشابات من مختلف دول المنطقة لسماع أصواتهم ، وتعزيز تفاعلهم مع مختلف قضايا التنمية وحقوق الانسان، وانخراطهم في التأثير على السياسات العامة.

احدث المنشورات
Jul 30, 2024
الحقوق المائيّة في فلسطين: ممارساتٌ إسرائيليةٌ مجحفة
Jul 30, 2024
الأمن المائي في الأردن وأجيال المستقبل