دوافع مشاركة المرأة المنخفضة في القوى العاملة في العالم العربي، السياسية-الاقتصادية مقابل الثقافية
دوافع مشاركة المرأة المنخفضة في القوى العاملة في العالم العربي، السياسية-الاقتصادية مقابل الثقافية
ربيكا متري
مريم تحصلدار
حسن شرّي
ملخص
يكمن انخفاض مشاركة المرأة في القوى العاملة في العالم العربي بدوافع اقتصادية-سياسية أكثر من كونها ثقافية. يحاجج المقال بأن الحاجة الاقتصادية - أو عدمها- له تأثير أكبر على مشاركة المرأة في القوى العاملة أكثر من العوامل الاجتماعية والثقافية أو الدينية.
لمحة عامة
تعدّ مشاركة المرأة في سوق العمل في المنطقة العربيّة من بين الأدنى في العالم. فقد بلغ معدّل مشاركة النساء في القوى العاملة (FLFP) في المنطقة 19٪ في العام 2021، وهو منخفض بشكل مذهل مقارنةً بالمتوسّط العالمي البالغ 47٪ والبلدان منخفضة ومتوسطة الدّخل، والتي بلغت 46٪ (الشكل 1).
الشّكل 1: نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل
المصدر: قاعدة بيانات مؤشر التنمية العالمية
ملاحظة: هذا هو معدل المشاركة في القوى العاملة بين الإناث -% من الإناث في سن 15 عاماً وما فوقها
على الرغم من التحسّنات الملحوظة في التحصيل التعليمي بين النساء في المنطقة العربيّة، إلا أن نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة بقيت منخفضة كما هو موضح في الشّكل 2 أدناه.
الشّكل 2: معدّل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الإناث البالغات (% من الإناث في سن 15 عاماً وما فوق)
المصدر: قاعدة بيانات مؤشر التنمية العالمية
ملاحظة: يشير معدل الإلمام بالقراءة والكتابة إلى نسبة السكان في فئة عمرية معينة ممن يلمون القراءة والكتابة.
لم تترجم الزيادة في التحصيل العلمي بين النساء في المنطقة - والتي تشكّل تقدمًّا كبيرًا في سدّ الفجوة بين الجنسين - في مشاركة أعلى للمرأة في القوى العاملة. وذلك خلل غالبًا ما يشار إليه باسم "مفارقة المساواة بين الجنسين" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن هنا يأتي السؤال التَّالي: ما هي دوافع انخفاض مشاركة الإناث في القوى العاملة في المنطقة العربيّة؟
هل هي الثقافة؟
غالبًا ما يُقال أن العادات الدينيّة والاجتماعيّة-الثقافيّة تميل إلى تعزيز الأدوار الجندريّة التقليديّة في المجتمعات العربيّة، إلا أن البيانات لا تتوافق مع هذه الإدّعاءات - على سبيل المثال تشكّل إندونيسيا موطنًا لأكبر عدد من المسلمين، وكذلك الحال بالنسبة لكازاخستان وماليزيا حيث تعتبر الإسلام الديانة الأكثر انتشارًا. ومع ذلك، كان لهذه البلدان الثلاثة أعلى معدلات مشاركة الإناث في القوى العاملة في عام 2021 كما يوضّح الشّكل 3، التي تتجاوز المتوسّط العالمي البالغ 47٪ ومتوسّط الإتّحاد الأوروبي الذي بلغ 51٪.
الشّكل 3: نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل عام 2021
المصدر: قاعدة بيانات مؤشر التنمية العالمية
هل هو إنكماش القطاع العام؟
وقد تمَّ البحث عن تفسيرات أخرى للمشاركة المنخفضة للمرأة في سوق العمل في المنطقة العربيّة في سياق ما أسماه أسعد وبرصوم (2019) بـ"ثنائيّة سوق العمل". يعتبر هذا الإطار أن النساء في المنطقة يمِلنَ عمومًا للتقديم على الوظائف في القطاع العام[1] نظرًا لمزايا نظام التعويض المغري نسبيًا من ذلك التي يقدّمه القطاع الخاص. يعني ذلك أن وظائف القطاع العام في المنطقة تقدّم عمومًا أماكن عمل أكثر ملاءمة للنساء، وتميل إلى تقديم مزايا سخيّة لرعاية الأطفال والتّعليم، والتغطية الصحيّة، بالإضافة إلى الإجازات مدفوعة الأجر، وخطط التقاعد والمعاشات التقاعديّة.
في مصر، على سبيل المثال، كان دخل النساء في القطاع العام أعلى من القطاع الخاص بنسبة 60٪ في عام 1988 و10٪ في عام 1998 (سعيد 2013). في الأردن، يعتبر دخل النساء في القطاع العام أعلى نسبيًّا بحوالي 17٪ (المرجع نفسه).
ومن الآثار المترتبة على ما سبق، فإن عدد النساء في القطاع العام في الدول العربية كبير للغاية.[2]
الشّكل 4: نسبة النساء في وظائف القطاع العام في دول عربيّة محدّدة.
المصدر: أسعد وبرصون (2019)
ومع ذلك، فإن سلسلة الأزمات الاقتصاديّة الناشئة عن عجز الميزانية المستمر قد وجّهت ضربة خطيرة لقدرة التوظيف في القطاع العام. يشير أسعد وآخرون (2020) إلى أن هذا أدّى إلى زيادة بطالة النساء.
في مصر على سبيل المثال، ترتبط الزيادة في البطالة بين النساء غالبًا ببرامج تحقيق الاستقرار التي ينفّذها صندوق النّقد الدولي في البلاد. في أعقاب الانتفاضات العربيّة، دعم صندوق النّقد الدولي تدابير التقشّف التي ركّزت على خفض الإنفاق العام وتقليص حجم القطاع العام بشكلٍ حاد. ووفقًا لعبدو (2019)، فقد أدّى ذلك إلى تفاقم حالة الفقر وإلى انخفاض مشاركة المرأة في القوى العاملة. كما يوضح الشّكل 5 أدناه، فإن الانخفاض في معدّل مشاركة المرأة في القوى العاملة في مصر من 23٪ في عام 2016 إلى 16٪ في عام 2019 يتزامن مع برنامج صندوق النّقد الدولي في البلاد.
الشّكل 5 نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة في مصر
المصدر: قاعدة بيانات مؤشر التنمية العالمية
يدعم الوضع في قطر فرضية تقلّص حجم القطاع العام كسبب لانخفاض مشاركة المرأة في المنطقة. فقد توقف التوظيف في القطاع العام في أعقاب أزمة النّفط في منتصف الثمانينيات والانخفاض الكبير في الإيرادات الحكومية.[3] ومع ذلك، لم يتم تشجيع النساء، ولاسيما المتعّلمات، على البحث عن وظائف أخرى في القطاع الخاص، مما أدّى إلى تسرّبهن من القوى العاملة (أسعد وبرصوم ، 2019).
وعلى الرغم من الآراء التي تضيفها هذه المقاربة في فهم ديناميكيات سوق العمل في المنطقة العربيّة، لكنها لا توضح بشكلٍ كافٍ السبب وراء انخفاض مشاركة النساء غير المتعّلمات. وتأتي هنا نظرية "لعنة الموارد" لتوفّر تفسيرًا لهذا الإنخفاض.
لعنة الموارد الطبيعية؟
تاريخيًا، تُعرف المنطقة العربية بنفطها (منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا). يتميّز قطاع الهيدروكربوني بجانبان مهمان هما كثافة رأس المال وهيمنة عمالة الذكور فيه، ما يمكن أن يفسّر إلى حدٍّ كبير الانخفاض التاريخي في الطلب على العاملات في العديد من البلدان العربيّة الغنيّة بالنّفط.
من الناحية النظرية، يمكن أن تؤثّر الثروة النفطيّة على الطلب على العمالة النسائية وعرضها. يلخص الرسم التخطيطي أدناه هذا الترابط (الشّكل 6).
الشّكل 6: تأثير النفط على مشاركة المرأة في القوى العاملة والتأثير السياسي
المصدر: روس (2012، ص. 118).
تعتمد ميزانيات العديد من الحكومات في البلدان العربية على إيرادات الموارد النفطية. وهذا ينطبق على كل من الدول العربية الغنية بهذه الموارد، والتي لديها وصول مباشر إلى الإيرادات النفطية، إلى الدول غير الغنية بهذه الموارد والتي تستفيد بدورها بطريقة غير مباشرة من إيرادات الموارد النفطية من خلال تصدير اليد العاملة إلى البلدان الغنية بالنفط وتلقّي التحويلات في المقابل. أعاد الحكّام تاريخيًا توزيع جزء كبير من إيرادات الموارد النفطيّة لكسب الدعم السياسي، من خلال برامج التوظيف الحكومية، والبرامج الاجتماعية، فضلاً عن الإعانات والإعفاءات الضريبية. ومن الآثار المهمّة المترتّبة عن هذا النمط من إعادة التوزيع هو تعزيز نموذج معيل الأسرة الذكر. بعبارة أخرى، لم تكن هناك حاجة اقتصاديّة لمصدر ثانٍ من الدخل للأسر، وقد منع هذا النساء من البحث عن عمل خارج المنزل.
ومن الأثار الأخرى المترتبة عن سيطرة القطاع النفطي في المنطقة مرتبطة بالمرض الهولندي، وهو ظاهرة اقتصادية تحدث عندما يؤدي التطوّر السريع لقطاعٍ اقتصاديٍ واحدٍ، خاصة الموارد الطبيعية، إلى حدوث تدهور في القطاعات الأخرى مثل الصناعة أو الصناعات الأخرى التي تنتج السلع التي يمكن تداولها في السوق الدوليّة. غالبًا يتمّ توظيف النساء في الصناعات الخفيفة، بما في ذلك صناعة النسيج والملابس من بين صناعات أخرى. ويؤدي انكماش هذه الصناعات بسبب المرض الهولندي إلى انخفاض عمالة الإناث. وفقا لروس (2012)، فإن نسبة النساء إلى الذكور في القوى العاملة مرتبطة عكسيّاً بالنمو في قطاع النّفط أو ارتفاع أسعار النفط.
وهذا يفسّر ميل الدول الغنية بالنفط، مثل المملكة العربيّة السعوديّة والعراق وليبيا وقطر والبحرين والإمارات العربيّة المتحدّة وسلطنة عمان، إلى وجود عدد أقل من النساء في قوّتها العاملة، كما يوضح الشّكل أدناه. وفي الوقت نفسه، فإن الدول التي لديها القليل من النفط أو ليس لديها نفط مثل المغرب وتونس ولبنان وجيبوتي لديها المزيد من النساء في قوّتها العاملة.
الشّكل 7: النفط ومشاركة الإناث في القوى العاملة في الشرق الأوسط ، 1993-2002
المصدر: روس (2012، ص. 124).
وتعتبر الإشكاليّة المتعلّقة بدور الريع النفطي في إطالة أمد النظام الأبويّ القائم في المنطقة العربيّة مثار نقاش. وبقدر ما يلغي القطاع الهيدروكربوني حاجة المرأة لأن تكون جزءًا من القوى العاملة، لا يتم تحفيز المرأة على العمل لأن الأسرة ستكون قادرة على تلبية احتياجاتها الاقتصاديّة. وهذا يتناقض بشدّة مع دول جنوب شرق آسيا حيث أن الدخل المنخفض يجعل نموذج معيل الأسرة الواحد غير مناسبًا. يشير كرشناس (2001) إلى أن الحاجة الاقتصاديّة للبلدان الآسيوية أدّت تاريخياً إلى ظهور معايير ثقافية جديدة تسمح بمشاركة أكبر للنساء في القوى العاملة.
ملاحظات ختامية
وبقدر ما يتعلّق الأمر بالمنطقة العربيّة، يبدو أن عوامل الاقتصاد السياسي لها تأثير أكبر على مشاركة المرأة في القوى العاملة أكثر من العوامل الاجتماعيّة والثقافيّة والدينيّة. في حين أن هذه المقال لا ينفي أهمية هذه الأخيرة، إلا أنه يحاول إظهار أن مدى أهميتها يعتمد بشكلٍ حاسمٍ على الظروف الاقتصاديّة الموجودة في بلدٍ ما. بعبارةٍ أخرى، تحدّد الحاجة الاقتصادية في بلدٍ ما غالبًا مدى تعزيز الأدوار الجندريّة التقليديّة، أو ما إذا كانت ستولد معايير اجتماعيّة وثقافيّة جديدة تشجّع مشاركة أكبر للإناث.
إذا كان هناك تفاهم حول أهميّة نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة من منظور المساواة والتنمية المستدامة، فمن الضروري أن تضع الحكومات العربية سياسات تشجّع مشاركة المرأة في القوى العاملة.
ربيكا متري
مريم تحصيلدرا
حسن شرّي
المراجع
Abdo, N. (2019). The Gendered Impact of IMF Policies in MENA: The case of Egypt, Jordan and Tunisia.
Assaad, R. (2014). Making sense of Arab labour markets: the enduring legacy of dualism. IZA Journal of Labour & Development, 3(1), 1-25.
Assaad, R., Barsoum, G. Public employment in the Middle East and North Africa. IZA World of Labour 2019: 463 doi: 10.15185/izawol.463
Assaad, R., Hendy, R., Lassassi, M., & Yassin, S. (2020). Explaining the MENA paradox: Rising educational attainment, yet stagnant female labour force participation. Demographic Research, 43, 817.
Karshenas, M. (1997). Economic liberalization, competitiveness and women's employment in the Middle East and North Africa. Economic Research Forum for the Arab Countries, Iran & Turkey.
Karshenas, M., & Chamlou, N. (Eds.). (2016). Women, work and welfare in the Middle East and North Africa: The role of socio-demographics, entrepreneurship and public policies. World Scientific.
Pignatti, N. (2020). Encouraging women’s labour force participation in transition countries. IZA World of Labour
Ross, M. L. (2012). The oil curse. In The Oil Curse. Princeton University Press.
Said, M. 2013. “Wage Formation and Earnings Inequality in the Jordanian Labour Market.” In The Jordanian Labour Market in the New Millennium. R. Assaad (Ed.). Oxford: Oxford University Press (forthcoming).
UN WOMEN. (2018). Understanding The Business Case for Gender Equality in The Workplace. https://promundoglobal.org/wp-content/uploads/2018/10/F-Understanding-the-Business-Case-for-Gender-Equality-in-the-Workplace.pdf
World Bank (2004), Unlocking the Employment Potential in the Middle East and North Africa: Toward a New Social Contract, Chs. 3-4, pp45-126, World Bank, Washington D.C.
World Bank, World Development Indicators. (2023). Adult female literacy rate. Available from: https://databank.worldbank.org/source/world-development-indicators#
World Bank, World Development Indicators. (2023). Female labour force participation rate. Available from: https://databank.worldbank.org/source/world-development-indicators#
[1]يتميز العالم العربي بوجود قطاع عام ضخم مقارنة بالدول النامية الأخرى. وفقًا لأسعد وبرصوم (2019)، فإن نسبة العمالة في القطاع العام تصل إلى 87٪ في قطر، و 86٪ في الكويت، و 72٪ في المملكة العربية السعودية، وتتجاوز الـ90٪ بين مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة (أسعد 2014).
[2] تأنيث القوى العاملة في القطاع العام في العالم العربي مدفوعة بارتفاع بسنبة التحصيل العلمي بين النساء في العالم العربي
[3] According to Assaad & Barsoum (2019), 87% of women nationals worked in the Qatari public sector on the eve of the oil glut of the mid-1980s.