Feb 10, 2025
حلّ الدولتين بين تشاؤم العقل وتفاؤل الارادة - عزت عبد الهادي
عزت عبد الهادي
سفيردولة فلسطين

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
عزت عبد الهادي

حلّ الدولتين بين تشاؤم العقل وتفاؤل الارادة - عزت عبد الهادي



 

في ضوء التطورات السياسية والأمنية التي أفرزتها الحرب في قطاع غزة، وخاصة إضعاف القدرات العسكرية لحماس وحزب الله وسقوط نظام بشار الاسد وتحييد إيران، ترتسم رؤيتان لمستقبل الشرق الأوسط فيما يتعلق بانجاز حلّ الدولتين، الاولى تتضمن سيطرة إسرائيلية كاملة على الشرق الاوسط، والتي تحمل الكثير من المخاطر في الحفاظ على حلّ الدولتين وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.  


وأما الرؤية الاخرى، فإنها تتضمن أن إضعاف "محور المقاومة" قد يشكل فرصة ذهبية لشرق أوسط جديد وميزان قوى في المنطقة من شأنه إنجاز حلّ الدولتين وربط اليوم التالي في غزة بأفق سياسي يؤدي الى سلام شامل ومستدام في الشرق الاوسط.


فأي من هاتين الرؤيتين تكتسب واقعية وقابلة للتحقيق ليس بالضرورة على المدى القصير وإنما على المديين المتوسط والطويل؟



في هذا النوع من التساؤل، يكتسب تبني مرجعية قانونية وسياسية واضحة للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي أهمية بالغة وخاصة ما ذهبت اليه محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بتاريخ 19 تموز 2024 والتي دعت فيه الى إنهاء الاحتلال الاسرائيلي غير القانوني، فورا، للاراضي الفلسطينية المحتلة ودعم حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كذلك تأكيدها بأن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الارض الفلسطينية المحتلة في إشارة الى ما يصطلح على تسميته "باليوم التالي". إن هذا الرأي القانوني يوجه رسالة هامة "لمحور المقاومة" ولإسرائيل وللإدارة الامريكية الجديدة.



يتعلق جوهر هذه الرسالة بخطأ التوجهات السياسية والايديولوجية لهذه الأطراف حول التوسع الاقليمي والتوجه السياسي العابر للحدود والدول (الاتجاهات القومية والاسلاموية والصهيونية الدينية والمحافظين الأنجيليين) مع رسالة واضحة أيضا لدعم فكرة الدولة الوطنية والتحول الديمقراطي وفق مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.



في هذا السياق يعتمد تطبيق حلّ الدولتين ومضمون وشكل الشرق الاوسط الجديد على وجود ووجوب توفر قيادة فلسطينية وعربية ودولية وازنة وواقعية وذات رؤى واستراتيجيات ديبلوماسية فعالة تعمل على تحويل التهديدات والمخاطر والتحديات الحالية الى فرص تفتح الطريق واسعاً أمام السلام الدائم والعادل في الشرق الاوسط وتنفيذ حلّ الدولتين وقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي تم تبينها في القمة العربية التي عقدت في بيروت في العام 2002.



على الصعيد الدولي:


دعت جميع قرارات الامم المتحدة المتعلقة بفلسطين وكذلك الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في العام الماضي الى أهمية وضرورة تنفيذ حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي التي احتلتها اسرائيل في العام 1967.


تجدر الاشارة أيضا الى ان 149 دولة في العالم قد اعترفت بالدولة الفلسطينية حتى الان.  كذلك يجب الاشارة الى المبادرة الدولية الهامة التي تقودها المملكة العربية السعودية بمشاركة النرويج تحت عنوان "التحالف الدولي لتنفيذ حلّ الدولتين" والذي يضم اكثر من 90 دولة.



في هذا السياق ايضا، تجرى التحضيرات الى عقد مؤتمر دولي في حزيران / يونيو في الجمعية العامة للأمم المتحدة من هذا العام لتنفيذ حلّ الدولتين والحث على إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.



يجب ان نلحظ في هذا السياق الدولي أيضا، بروز الصين كقوة عظمى ليس فقط في منطقة المحيطين الهادئ والهندي بل أيضا على الصعيد العالمي، وخاصة من خلال طرحها لمبادرة أساسية هامة في الشرق الاوسط تستند الى حلّ الدولتين.



كما أنه مع وجود روسيا كقوة عظمى أيضا، يبدو لي ان هنالك بوادر لنشوء نظام عالمي جديد متعدد الأطراف بعيداً عن احتكار الولايات المتحدة وحلّفائها الغربيين للسياسة الخارجية الدولية.



إلا ان الملفت للنظر في هذا السياق، هو تنامي قوة دول الجنوب Global South، وخاصة من خلال تجمع "بريكس"، والذي يضم في عضويته دولاً وازنة كالبرازيل والهند وروسيا والصين وغيرها، والذي أصبح له دور مركزي في السياسية العالمية. كما يجب أيضا ملاحظة قوة تجمع آخر هام هو رابطة دول جنوب وشرق اسيا "آسيان" والذي أصبح لديه مواقف واضحة وثابتة تجاه الحقوق الوطنية الفلسطينية وخاصة دعم حلّ الدولتين.



إضافة بالطبع الى "تحالف شنغهاي" و"مؤتمر التعاون الاسلامي" وغيره من الشبكات التنسيقية في "الجنوب الدولي" Global South.



في الإطار ذاته يجب أن لا نغفل ما أفرزته حرب الإبادة الاسرائيلية في غزة من حراك شعبي دولي تأييدا للحقوق الوطنية الفلسطينية، وخاصة حق تقرير المصير. كذلك التحرك الشعبي الكبير الذي قادته الجاليات الاسلامية العربية والفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية في مختلف دول العالم ايضا.



على المستوى العربي:


أعربت المملكة العربية السعودية عن رفضها التام لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل بدون قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. جاء هذا التأكيد عقب تصريحات الرئيس الأمريكي "ترامب" حول تهجير الفلسطينيين واحتلال قطاع غزة. كما أن مصر والاردن أعادتا تأكيد موقفيهما في رفض التطهير العرقي للفلسطينيين سوآءا في غزة او في الضفة الغربية مؤكدتين على ضرورة ربط "اليوم التالي" في غزة بتنفيذ حلّ الدولتين والذي حظي بمساندة جماعية من الدول العربية كافة.



الموقف الفلسطيني:


يربط الموقف الفلسطيني بإحكام موضوعة "اليوم التالي" في غزة بتنفيذ حلّ الدولتين انسجاما مع وحدة الأرض والشعب في كافة الأرض الفلسطينية المحتلة. لذا، ينسجم الموقف الرسمي الفلسطيني مع أهمية وضرورة عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى حكم قطاع غزة انسجاما مع ولايتها القانونية والسياسية على كافة الأرض الفلسطينية المحتلة حسب مباديء القانون الدولي وقرارات الشرعية الفلسطينية.



كما قامت السلطة الوطنية الفلسطينية بإجراء العديد من الاصلاحات الهامة وفق أولويات الشعب الفلسطيني، وخاصة تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة، على رأس أولوياتها اعادة الإعمار والاستجابة الطارئة لاحتياجات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية كما قامت بالعديد من الاجراءات لتعزيز الديمقراطية والحكم السليم.



كما ينسجم هذا الموقف مع رؤية القيادة الفلسطينية وبرنامجها السياسي المتضمن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي أقرته في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في العام 1988. كما أكدت القيادة الفلسطينية على الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين ومخطط ترامب في التطهير العرقي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية مؤكدة على ان لا بديل لحلّ الدولتين وفق مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية.



الموقف الاسرائيلي:


ترفض التيارات الاسرائيلية المختلفة حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في حدود  العام 1967. لقد أقر الكنيست الاسرائيلي قراراً واضحاً بذلك حين وافقت الاغلبية برفض قيام دولة فلسطينية ما بين البحر والنهر. لا بل أن العديد من الساسة الاسرائيليين، وليس فقط ممثلي الصهيونية الدينية، يؤيدون ضم فعلي لمناطق هامة في الضفة الغربية. لا يبدو ان هناك أصوات وازنة داخل الطبقة السياسية الاسرائيلية أو الجمهور الاسرائيلي تجاه "حلّ الدولتين"، وبالتالي لا بد من تغيير قيادي جوهري في إسرائيل لتنفيذ حلّ الدولتين.



الخلاصة:


لا أغفل بالطبع العقبات الكبيرة التي تواجه حلّ الدولتين وقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، اذ يبدو ذلك نوع من القفز عن الواقع وخاصة في ظل وجود المستوطنات الاسرائيلية وقيادة اسرائيل من قبل اليمين المتطرف وكذلك مبادرات "ترامب" حول التهجير القسري وربما موافقته على ضم أجزاء هامة من أراضي الضفة الغربية.



إلا أنني أدعي في الوقت ذاته، ان هناك فرصة لتطبيق حلّ الدولتين وبناء شرق أوسط جديد تسوده العدالة والسلام، والذي لن يتحقق بدون انجاز الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وخاصة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.



كما أدعي ان الحل الوحيد للصراع العربي الاسرائيلي هو في تنفيذ فعال لحلّ الدولتين حيث أن الحلول الاخرى المطروحة لحلّ الدولة الواحدة او التطهير العرقي او استمرار الأمر الواقع، هي حلول غير واقعية وغير مستدامة ولا تنسجم مع مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية.




عزت عبد الهادي



احدث المنشورات
Feb 11, 2025
النشرة الشهرية عدد: شباط/فبراير 2025 - التطورات في فلسطين
Feb 10, 2025
اللاجئون الفلسطينيون والأونروا وتداعيات الطوفان - جابر سليمان