Jun 05, 2024
تقرير حالة الفضاء المدني - نظرة عامة على النصف الأول من 2024

تقرير حالة الفضاء المدني - ابريل 2024
اعداد: مدني عباس مدني محمد

تمهيد

تسببت الحرب السودانية التي نشبت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التابعة له في 15 ابريل2023  في تقليص مساحات الفضاء المدني في السودان بشكل غير مسبوق , فلم يتعرض الفضاء المدني لهذه الحالة  من التضييق حتي في ظل الانظمة الاستبدادية التي حكمت السودان لفترات مختلفة . واذا تصورنا حالة الفضاء المدني في السودان بيانياً فاننا سنرسم منحني منحدر يمضي حتي يكاد يطال الصفر كلما امتدت الحرب .


بدأت الحرب والفضاء المدني والمجتمع المدني في السودان في حالة من التفاعل والحيوية والتي اعقبت ثورة ديسمبر2018 , حتى أن الانقلاب على الحكومة الانتقالية في 25 اكتوبر 2021 لم ينجح في القضاء عليه بل فشل في تشكيل حكومة تنفيذية حتي قيام الحرب. لكن، ومنذ قيام الحرب العنيفة في السودان والتي بدأت في العاصمة الخرطوم فان مساحات الفضاء المدني في السودان شهدت تقليصاً كبيراً لصالح العسكرة والتجييش من قبل طرفي النزاع في السودان .


تحديات الفضاء المدني في السودان يناير – أبريل 2024 :

منذ بداية العام 2024 وحتى نهاية ابريل الماضي تسارعت خطى التضييق على الفضاء المدني : اعتقالات وتعذيب وصل حد الاغتيال للناشطين المدنيين والسياسيين , قيام النيابة العامة الموالية للجيش باصدار اوامر قبض بحق عدد من السياسيين والاعلاميين والناشطين في المجتمع المدني المناهضين للحرب, منع اي نشاط مدني سلمي مضاد للحرب في السودان , اعتقالات لبعض الكوادر المدنية العاملة في المجال الانساني وغير ذلك من أشكال التعدي على الفضاء المدني في السودان


تمثل الحرب في السودان العقبة والتحدي الرئيسي أمام فعالية وحيوية الفضاء المدني في السودان , وشهدت الاشهر الماضية من العام تضييقاً وعسفاً شديداً في مواجهة الفاعلين في الفضاء المدني , ففي مناطق سيطرة الجيش السوداني فان ابواب النشاط المدني المستقل مغلقة لصالح عناصر الاسلاميين الموالين لنظام البشير والمجموعات الموالية الداعمة للجيش في حربه ضد  قوات الدعم السريع , حتى ان الاعتقالات تزايدت للعاملين في غرف الطواريء الانسانية في ظل اتهامات مجانية لهم بموالاة قوات الدعم السريع , وبجانب التضييق على الذين يعملون داخل السودان لجأت السلطة النيابية الموالية للجيش لاصدار أوامر بالقبض وتوجيه اتهامات متعلقة بالجرائم ضد الدولة في مواجهة قيادات تنسيقية القوي المدنية الديمقراطية وعدد من القيادات السياسية والاعلامية والناشطين في المجتمع المدني شملت قائمة الموجه اليهم الاتهام رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في السودان د. عبد الله حمدوك وعدد من وزراء الحكومة الانتقالية وقيادات الاحزاب السياسية في السودان وذلك في ابريل 2024 . وفي ظل انتقال العديد من الانشطة التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني في السودان لخارجه في الدول الافريقية خصوصاً كينيا ويوغندا وأديس ابابا فان اجهزة الاستخبارات العسكرية ظلت تمارس تضييق علي المسافرين والقادمين للسودان من فئة الشباب .


وفي مناطق سيطرة قوات الدعم السريع فان الاتهامات بموالاة الجيش مبذولة للعديد من الذين يقعون في أيدي هذه القوات , ويتعرض الناشطين في المجال الانساني للاعتقالات من قبل هذه القوات ,وقد ساهم غياب الجهاز المصرفي عن المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في الحد من نشاط منظمات المجتمع  المدني , وفي العديد من الولايات التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع تغيب خدمات الانترنت الا بواسطة أجهزة ( استار لنك ) التي توفرها هذه القوات لطالبي خدمات الاترنت وفق مقابل مالي ولفترة محدودة للفرد , تغيب أجهزة الدولة الرسمية عن مناطق سيطرة الدعم السريع ويخضع المواطنين بالكامل للقادة العسكريين التابعين لها .


بعد اندلاع الحرب، أوقف العديد من المنظمات التي تقوم بتمويل أنشطة المجتمع المدني في السودان أعمالها، أو انتقلت بمكاتبها الي العواصم القريبة من السودان , وينحصر عمل المنظمات العاملة في السودان في المجال الانساني في ظل ازدياد المعاناة الانسانية في السودان والقيود على الانشظة الاخرى , وحتى منظمات المجتمع المدني التي تعمل في السودان فانها تواجه نقص في التمويل .


ومع استمرار التضييق على الفضاء المدني، غادر عدد كبير من الناشطيين  المدنيين  والسياسيين  السودان , بل وقامت العديد من المنظمات السودانية بتحويل نشاطها الى دول الجوار سواء كان نشاط انساني أو مرتبط بالتثقيف المدني , وهو ما القى بأثره بالتأكيد في فعالية الفضاء المدني في السودان .


المجتمع المدني في السودان : البقاء مع العسر

على شدة ضراوة الهجمات والتحديات التي يواجهها المجتمع السوداني عقب الحرب، الا انه لم يستسلم لتلك الهجمات. وبجانب الادوار الانسانية التي يقوم بها لا سيما المجموعات القاعدية ( غرف الطوارئ )  فانه لم يتوقف عن الانشطة الرصدية للانتهاكات التي يقوم بها طرفا النزاع في السودان , والتي يتعرض له الناشطين في المجال المدني. على سبيل المثال ظلت نقاية الصحفيين  السودانيين تطلق تقارير منتظمة عن الانتهاكات التي تطال العاملين في المجال الاعلامي والتحديات التي تقابل حرية الاعلام في السودان . كما ان انتقال العديد من المنظمات للعمل خارج السودان لم يفصلها عن الفاعلين في الارض , وقد أسست العديد من المنظمات والمبادرات ادوات لتنسيق عملها وبرامجها في السودان .


كما ينشط الفاعلون في المجتمع المدني والسياسي في الانشطة والحملات المطالبة للمجتمع الدولي للضغط على اطراف النزاع في السودان لايقاف الحرب، كما ينشطوا في تقديم التصورات حول مستقبل السودان ما بعد الحرب وكيفية استعادة مسار التحول الديمقراطي.


ولعل من اهم الاستجابات التي برزت من قبل المجتمع المدني في السودان هو بداية حملات وانشطة متصلة لمقاومة خطاب الكراهية , وملاحقة اصحابه , والدعوة للوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي في السودان.


الخلاصة :

يتعرض الفضاء المدني في السودان لحالة تضييق متزايدة , ولكن حتى الان يبدي المجتمع المدني في السودان حالة من الصمود والمقاومة رغم التحديات التي تواجهه. وفي الخلاصة، ان تطوير مساحات الفضاء المدني وفعاليته مطلوبة ليس فقط لصالح قضايا الانتقال الديمقراطي في السودان، ولكن مطلوب لصالح بقاء الدولة التي تواجه خطر البقاء موحدة بسبب خطابات التقسيم والكراهية التي انتجتها الحرب في السودان .




مراجع
i  غرف الطوارىء تم تشكيلها بواسطةمجموعة من الفاعلين في لجان المقاومة الشبابية في السودان عقب قيام الحرب ,وهي تقوم بجمع وتوزيع المساعدات الانسانية في ولايات السودان المختلفة , وتعتبر هي المجموعات القاعدية الاكثر تاثيرا في السودان عقب الحرب , ولها شراكات مع المنظمات الوطنية والدولية من اجل تقديم خدماتها .   



احدث المنشورات
Nov 22, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٧
Nov 21, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٦
منشورات ذات صلة
Jan 04, 2023
لمحة عامة عن النظام الصحي في السودان - راوية كمال الدين
Oct 20, 2022
تقرير تسليط الضوء للتقرير الوطني الطوعي حول التقدم في احراز أهداف التنمية المستدامة في‬ ‫السوادن - اكتوبر 2022