السودان، حرب منسية: أوضاع الصحافة والصحفيين في ظل الحرب السودانية - طاهر المعتصم
السودان، حرب منسية: أوضاع الصحافة والصحفيين في ظل الحرب السودانية - طاهر المعتصم
لم يدر بخلد كثيرين من أهل السودان، عندما
استيقظوا صبيحة الخامس عشر من أبريل
2023 أن تكون
الحقيقة هي الضحية الأولى،
وأن
يقعوا في براثن التضليل الإعلامي
وشبكات التزييف للحقائق، وأن
يستأثر بجزء منهم خطاب الكراهية بمختلف سماته البشعة.
خلال شهر مارس 2023، اي قبل وقوع حرب الخرطوم بحوالي
شهر، كانت تدور حرب أخرى،
هي الحرب الكلامية التي تطلق التهديدات من هنا وهناك. فبعض المنسوبين الى النظام
السابق من جماعة الإخوان
المسلمين، كانت تهدد وتلوّح بقطع الطريق أمام اتفاق بين الجيش وقوات الدعم السريع والقوى
المدنية. وكانت الصحافة السودانية تقوم بدورها في رصد تحركات قوات الدعم السريع،
حيث خرجت صحيفة "الحراك السياسي" قبل يومين من اندلاع الحرب بمانشيت تقول
فيه "قوات من الدعم السريع تحاصر مباني جهاز المخابرات" ورصدت تحركات
لقوات الدعم السريع بأعداد كبيرة.
ويشير تقرير نقابة الصحفيين الصادر في أبريل 2024، أي بعد عام
على اندلاع الحرب، أنه
ومنذ
الوهلة الاولى تحولت وسائل الإعلام
بكافة أشكالها
إلى
أهداف
مشروعة لطرفي الصراع وخرجت المؤسسات الاعلامية من سوق العمل وفقد نحو ألف صحفي وصحفية عملهم أي
بنسبة تفوق الـ 50% من عضوية النقابة، وتوجهوا للعمل في مهن اخرى.
أن 90% من البنى التحتية للإعلام دُمرت أو نهبت وتوقفت
عن العمل. وأدى إغلاقها
إلى
غياب الإعلام
المهني واغتيلت الحقيقة بغياب المعلومات والأخبار ذات المصداقية وتراجعت وفقا لذلك
التغطيات الملتزمة بقواعد وأخلاقيات
المهنة لصالح الإعلام
الحربي والأخبار المضللة إلى
جانب احتكار طرفي الصراع للمعلومات وبث معلومات مفبركة خاضعة للآلة الإعلامية للحرب. وتفشت
نتيجة لذلك الخطابات الضارة.
لقد تسبب العنف الموجه ضد المدنيين عامة والصحفين بشكل
خاص إلى
تقلّص أعداد الصحافيين المتواجدين في المدن والولايات التي شهدت مواجهات بسبب النزوح
واللجوء. وأدى
لحالة من الظلام
الإعلامي
بعد أن
تناقص عدد الصحفيين في العاصمة الخرطوم إلى أقل من 100 صحفي وصحفية،
بينما لا يتجاوز عدد الصحفيين المتواجدين في ولايات دارفور الـ 60 وأقل من 20
بولاية الجزيرة وذات الأمر ينطبق
على ولايات كردفان.
أمام هذا الوضع المزري، تعذر على الصحفيين والصحفيات في
مناطق النزاع والمناطق التي تقع تحت سيطرة أحد طرفي الحرب، التنقل بحرية من منطقة
إلى أخرى أو داخلها للتغطية الصحفية. وذلك بسبب غياب الحماية
وعدم التزام الأطراف المتحاربة بالاتفاقيات
الدولية الملزمة باحترام
حرية الصحافة والتعبير وحماية وسلامة الصحفيين والصحفيات وضمان حقهم/ن في التغطية المستقلة
للنزاعات المسلحة وتعطل المؤسسات الصحفية التي كانوا يعملون لحسابها.
وقد أدى قطه شبكات الاتصال وخدمات الانترنت عن معظم
ولايات السودان انقطاعا كاملا الى تعمّق تعقيدات العمل الصحفي وتوفر المعلومات
لعمليتي الرصد والتوثيق. حيث ان 80% من ولايات السودان ظلت خارج التغطية تماماً لأكثر من شهر، أما في ولايات دارفور
الخمس فقد استمر الانقطاع 8 أشهر
متتالية وهي جريمة إنسانية
مركبة استخدمها طرفي الصراع لخلق المزيد من التعتيم الإعلامي لما يحدث من جرائم
على الأرض
وفرض المزيد من الضغوط على المواطنين بحرمانهم من أبسط الحقوق من بينها الحق
في الحصول على المعلومات. كما فُقد الاتصال ببعض الصحفيين منذ شهور والذين بات
مصيرهم مجهولا.
بعض الصحفيين والصحفيات اخفوا هويتهم الصحفية بسبب التضييق
الأمني
والاستهداف المستمر وبعد ان تم تجريم مهنة الصحافة جريمة من قبل طرفي الصراع، وبعد
أن توالت حملات التشهير والتخوين التي طالت أعداد من الصحفيين تتهمهم
بالموالاة لأحد
الطرفين ومع ضعف الدعم والحماية والمناصرة. أدى ذلك الى نزوحهم إلى المناطق الآمنة
داخل السودان والمكوث في دور الإيواء التي تفتقر إلى ابسط مقومات الحياة الكريمة.
فبعد مرور عام على الحرب في السودان أجبر مئات
الصحفيين والصحفيات على مغادرة مناطق النزاع المسلح، ثم الوطن بحثاً عن الأمان،
تحاصرهم اتهامات التخوين والاستهداف بالاحتجاز والاعتقال التعسفي أو
الإخفاء القسري أو الموت. كما غادر عدد كبير من الصحفيين السودان بطرق غير شرعية
بعد تعرضهم للاستهدافات المستمرة ما أثر بشكل مباشر على استقرارهم المهني.
الصحفيات بشكل خاص يواجهن تحديات وانتهاكات أكبر حيث يتعرضن للعنف والتمييز
المبني على النوع الاجتماعي.
وقد فقدت نحو 80% من الصحفيات وظائفهن، والمئات خسِرن
ممتلكاتهن بالإضافة الى انتهاك حقوقهن الأساسية الاخرى.
كما بلغ مجمل الانتهاكات التي رصدتها سكرتارية الحريات
بنقابة الصحفيين السودانيين خلال عام الحرب 393 حالة انتهاك مباشرة على الصحفيين
ووسائل الإعلام
وهي مصنفة وموثقة بحسب طبيعة كل انتهاك. معظم هذه الانتهاكات حدثت للصحفيين بحكم عملهم
وانتماءهم لمهنة الصحافة
لم يقتصر الامر على ذلك، بل وصل لحد القتل. فقد تم
اغتيال ستة صحفيين من بينهم صحفيان تم اغتيالهما أثناء الصراع، وإثنين على الأقل تم
استهدافهم نتيجة لعملهم الصحفي وهم المراسلة الميدانية حليمة إدريس سالم والإعلامي بتلفزيون النيل الأزرق أحمد يوسف عربي.
ويجد المراقب أن المراسلين الحربيين ومراسلي
الوكالات الأجنبية
الكبرى لا يجدون طريقهم لتغطية أحداث
الحرب، مما اضطرها الى سحب مراسليهم من مناطق سيطرة الدعم السريع في وقت سابق، وقد
وجه وزير الثقافة والإعلام
خالد الإعيسر
تهديدات للقنوات الفضائية طالبا
عدم تخطي الخطوط المرسومة تحت طائلة اغلاق القنوات.
ومن نتائج الظلام الإعلامي المهني طغيان
التضليل الإعلامي
وتفشي خطاب الكراهية. كما برزت الانتقائية في تغطية الكارثة اللإنسانية من قبل الإعلام العالمي بحسب
تقارير منظمات أممية،
وذلك عبر تسليط الضوء على أزمات
أخرى
في المنطقة لا تقل عنها أزمة
السودان فداحة.
المراجع:
صحف "الحراك السياسي" و"السوداني"
13إابريل
2023
تقرير نقابة الصحفيين السودانيين إبريل 2024
نداء دعم الإعلام السوداني مايو 2024