Apr 08, 2022
أي تمويل لأي اقتصاد؟ نماذج التمويل وإشكاليّاته ‪-‬ ڤيڤيان عقيقي
ڤيڤيان عقيقي
صحافية اقتصادية، باحثة ومترجمة

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
ڤيڤيان عقيقي

أي تمويل لأي اقتصاد؟ نماذج التمويل وإشكاليّاته ‪-‬ ڤيڤيان عقيقي

الرجاء الضعط هنا لتحميل الورقة كاملة


مُقدّمة


يَطغَى الحديث عن التمويل وحجمه وسبل الحصول عليه على النقاش العام الدائر عن الأزمات التي يعاني منها لبنان وتداعياتها وكيفيّة التعامل معها، ويَطْمُس النقاش في الأسباب التي أوصلت إلى هذه الحال. يأتي التركيز على التمويل كأنّه الهدف بذاته، لا وسيلة لتنفيذ الرؤى والخطط والمشاريع، لا سيّما أنّ الهدف الرئيس منه هو استجلاب تدفّقات جديدة بالعملات الأجنبية يُمكن استخدامها لخدمة مصالح الأقوى ضمن الترتيب الاجتماعي والنموذج الاقتصادي والنظام السياسي.



قد يبدو الأمر مُجحفاً، لا سيّما أمام ما يشهده هذا المجتمع من مآسي، إلّا أنّه ما يحصل فعلاً نتيجة سياسات وقرارات اتُخذِت على مدار ثلاثة عقود خلت، وانتفعت منها طبقة تتحكّم بالمال والسلطة – ومُرتبطين بها – لم تتحمّل حتّى اليوم مسؤوليّاتها عن الأزمة، وما زالت ترمي أثمان الانهيار على غالبية شرائح المجتمع. يجري التفاعل مع النتائج الماثلة للانهيار بمعزل عن الأسباب التي أوصلت إليها لتفادي حصولها مُجدّداً. يجري ذلك في خضم مرحلة إنتقالية تلت تعطّل آليّات عمل الاقتصاد السياسي لفترة ما بعد الحرب، وتسبق تشكّل اقتصاد سياسي يخدم كتلة مصالح جديدة وأخرى قد تستمرّ من النظام السابق. في التاريخ اللبناني الحديث شواهد على ذلك. هذا ما حصل في فترة الإعمار بعد الحرب، بحيث بُنِي اقتصاد سياسي يخدم كتلة مصالح جديدة نشأت بحكم الحرب وأخرى موجودة منذ ما قبلها من دون معالجة أسباب تفجّر النظام بحرب دامية استمرّت 15 سنة.






يُعدُّ التمويل والنماذج التي قد يرسو عليها أحد أشكال بناء هذه المصالح، إلّا أنّ إفلاس النظام المصرفي والانكماش الاقتصادي وتنامي المديونية هي من العوامل الطاردة للاستثمار، لا سيّما في ظلّ تمنّع الطبقة المُتحكّمة بالمال والسلطة عن اتخاذ قرارات لمعالجتها لأنّ معظمها يتطلّب تفكيك مصالحها المُتشكّلة منذ عقود، ولأنّها لا تزال الأقوى ضمن ميزان القوى القائم لذلك، يجري التفاوض مع صندوق النقد الدولي، باعتباره الملاذ الأوحد والأخير ومُفتاح أقفال مصادر تمويل أخرى، لا سيّما أن التوصّل إلى اتفاق على برنامج ديون مع الصندوق يسير بالتوازي مع تنفيذ البلد المَدين سلسلة إجراءات، يخشى من هم في موقع القرار اتخاذها خوفاً من خسارة شعبيّتهم ومصالحهم، ويفضّلون في حال اضطرارهم إليها التلطّي وراء الصندوق لفرضها، خصوصاً أن أبرزها يتطلّب إعادة هيكلة القطاع العام خزّان الزبائنية السياسية، وفرض ضرائب ورفع رسوم إضافية على شرائح المجتمع كافة، وخصخصة الأصول والموارد العامّة، بما يسمح بتحقيق فوائض ماليّة في الموازنة العامّة، وبالتالي دفع مستحقّات الدَّيْن الجديد والفوائد المُترتبة عليه، أو ما يُعرف تقنياً باستدامة الدَّيْن، الذي يُعد أحد العوامل المُطمئنة، ولو أنه غير كافٍ، لجذب المستثمرين. مع ذلك، لا يوجد ما يؤكِّد أن التفاوض مع صندوق النقد، على الرغم من سلبيّاته، قد يصل أساساً إلى توقيع اتفاق.



في هذا السياق، ترفق الحكومة خطّتها للتعامل مع إفلاس النظام المالي بنماذج تمويل عدّة مُجرّبة ومُستهلكة ولا تزال نتائجها ماثلة حتى اليوم مثل الشراكة مع القطاع الخاص، أو نماذج تهدف إلى الاستيلاء على ما تبقى من موارد عامّة وتجريد المجتمع منها مثل استخدام جزء من احتياطي البلاد بالعملات الأجنبية لتمليك جزء من المودعين مشاريع مختلفة أبرزها في الكهرباء، أو إنشاء صندوق من أصول الدولة تستخدم عائداته لدفع الدَّيْن، فضلاً عن استخدام الذهب وربّما تسييله عند الحاجة للعودة إلى نظام تثبيت سعر الصرف. تُطرح كلّ هذه النماذج بوصفها مصادر موعودة للنهوض وحلّاً سحرياً لكلّ الأزمات بمعزل عن مخاطرها والمصالح الكامنة خلفها. الهدف الذي يجري العمل من أجله هو استجلاب تدفّقات بالعملات الأجنبيّة لتشغيل مُحرّكات النظام، ربطاً بركيزتين أساسيتين قائمتين منذ أربعينيات القرن الماضي، تقضي الركيزة الأولى بطرد الدولة وتحجيم دورها في الاقتصاد وتقليصه، فيما تقوم الركيزة الثانية على إلغاء أي قيد على حركة رأس المال وتدفّقات البضائع والأفراد عبر الحدود.  



شكّلت هتان الركيزاتان دستور السياسات العامّة في هذه البلاد، الذي نشأت حوله مصالح عدّة، اندثر بعضها مع الوقت واستمرّ بعضها الآخر وتجذّر أكثر، لكنّه في كلّ الحالات نجح في تجريد غالبية شرائح المجتمع من ثرواته وموارده، وجنّده لخدمة هذه المصالح، وأعاد إنتاج أوجه البؤس نفسها، وآخرها ما نشهده راهناً بعد تعطّل آليّات عمل نموذج ما بعد الحرب في أواخر العام 2019.



عادة، يبحث التمويل عن الربحيّة بمعزل عن مصادرها وآليّات تحقّقها، سواء بأطر كلاسيكيّة مثل الاستحواذ على الحصّة الأكبر من فائض قيمة الإنتاج، أم بالنهب والتجريد، أو حتّى بالعنف أو التهديد باستخدامه. متى توافرت شروط تحقيق الأرباح يصبح التمويل مُتاحاً ومحمياً بقرارات سياسية، فالتمويل ليس هدفاً بل وسيلة لتحقيق أهداف. يكمن الأساس في تحديد أي دولة وأي اقتصاد نريد، بما ينطوي عليه الأمر من تغيير في موازين القوى وتحديد المصالح المُفترض خدمتها.



من هنا، سوف تنقسم هذه الورقة إلى جزئين، يتناول الجزء الأول منها الاقتصاد السياسي لهذه البلاد في مراحل مختلفة ربطاً بركيزتي طرد الدولة وتحرير حركة الرساميل والتجارة القائمتين منذ الاستقلال، وأطر تشكّل هذا الاقتصاد السياسي ونتائجه وتداعيات انهياره، فيما يتناول الجزء الثاني نماذج التمويل والموارد التي قد تكون مُتاحة بوصفها آلية لتحقيق أهداف ورؤى تعيد بناء اقتصاد في خدمة المجتمع بدلاً من الاستمرار في تكييف المجتمع لخدمة اقتصاد مُصمّم لخدمة "قلّة سعيدة". هذه المهمّة ليست نظرية ولا تقنية، بل هي في صلب الصراع السياسي لقلب موازين القوى وفرض خيارات سياسية لا تترك الفِعل لفاعله ولا الأمر لمجراه، بل تعيد تحديد شكل الدولة الذي نريد واقتصادها وتعمل على بنائهما.



ڤيڤيان عقيقي

الرجاء الضعط هنا لتحميل الورقة كاملة



احدث المنشورات
Dec 07, 2024
النشرة الشهرية لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض