هل تروجون للمساواة بين الجنسين؟ ماذا عن المستوى التنظيمي؟
"يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق"
"لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين...أو المولد، أو أيِّ وضع آخر."
كان تبنّي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 بمثابة تقدم كبير في مجال حقوق الإنسان، وأصبحت المساواة بين الجنسين جزءًا من القانون الدولي لحقوق الإنسان. ومن ثَمّ، وفي العام 1979، تم اعتماد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والتي أصبحت بمصاف قانون دولي لحقوق المرأة. أدّى التصديق والانضمام إلى هذه المعاهدات وغيرها من المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان إلى وضع أطار تشريعي شامل في الدساتير والقوانين والأنظمة الوطنية التي تؤكّد على واجبات الدول في حماية حقوق المرأة وتعزيزها وإعمالها. ومع ذلك، ما زلنا بعيدين عن تحقيق المساواة بين الجنسين. ومن الواضح أن وجود الإطار التشريعي لا يعني التنفيذ الفعال، بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية والمسارات الشاملة نحو التغيير. وقد أعاد أحد أهداف التنمية المستدامة، وهو الهدف الخامس في جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة، التأكيد على هذه الفجوة وسلّط الضوء على الالتزام العالمي بتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات. وكما هو الحال في المظالم واللامساواة، يتطلب تحقيق الهدف 5 من أهداف التنمية المستدامة اعتماد تغييرات تحويلية ومنهجية لمعالجة أوجه عدم المساواة والظلم الهيكلية التي تواجهها النساء على شتى المستويات.
لا يمكن تجاهل غياب العدالة الجندرية في المنطقة العربية في خضم النزاعات والحروب والظلم الاجتماعي والفشل الاقتصادي والديون والبطالة، ولا يمكن معالجة الأمر من خلال مجموعة من البرامج والمشاريع وخطط العمل قصيرة المدى المصممة فقط للتعامل مع العوارض، لا الأسباب الجذرية. في الواقع، ومع التحفظات القائمة على المعاهدات الدولية الأساسية حول حقوق الإنسان والسياسات التمييزية (الضرائب ، والعمل ، والجنسية ، والملكية، إلخ.)، فإن المنطقة تراوح مكانها فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين وهذا واضح وضوح الشمس.
كغيرها من البلدان في أجزاء أخرى من العالم، تحتاج بلدان المنطقة إلى خطط تنمية مستدامة وطنية شاملة قائمة على الحقوق، تضع المرأة في المقدمة كعامل رئيسي للتغيير المجتمعي، وتكون استباقية في التصميم والتخطيط والتنفيذ. تلعب الدولة، بصفتها الجهة المسؤولة الرئيسية، دورًا رئيسيًا في هذا الصدد، ولكن القطاع الخاص والمجتمع المدني بوصفهما جهات فاعلة رئيسية في التنمية يكتسبان أدوارًا مهمة ويخضعان للمساءلة، وذلك لأن تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب التزام مختلف الفاعلين في التنمية.
وإقرارًا بذلك والالتزام بفعالية التنمية، تم اعتماد "مبادئ اسطنبول" لفعالية منظمات المجتمع المدني في التنمية عام 2010. وتضع هذه المبادئ الثمانية أسس للعمل التنموي الفعال من قبل منظمات المجتمع المدني. وقد خُصص المبدأ الثاني للمساواة بين الجنسين وهو يدعو منظمات المجتمع المدني إلى تجسيد المساواة والإنصاف بين الجنسين مع تعزيز حقوق النساء والفتيات: "تعمل منظمات المجتمع المدني على تعزيز التعاون الإنمائي وممارسته، وهو ما يجسد المساواة المبنية على النوع الاجتماعي، بما يعكس اهتمامات المرأة وخبراتها، وفي الوقت نفسه تدعم جهود المرأة لحصولها على حقوقها الفردية والجماعية، ومشاركتها كفاعل متمكن في عملية التنمية."
أكتب هذا المقال من النشرة الإخبارية في الثامن من آذار/مارس، اليوم العالمي للمرأة، وأنا فخورة بكوني جزء من شبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية، وهي شبكة إقليمية ملتزمة بمبادئ اسطنبول، والتي تراقب وتنفذ جميع مبادئ فعالية منظمات المجتمع المدني في التنمية. ولكن، ما الذي تفعله الشبكة في هذا الصدد؟ قبل كل شيء، يرتبط تنفيذ المبدأ 2 ببعض المبادئ الأخرى، بدءًا بالمبدأ الأول، وهو احترام وتعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، حيث تظل معالجة التفاوتات في صميم عمل الشبكة بشأن نموذج التنمية الجديد. إن إدراك أنه لا ينبغي ترك أي شخص وراءنا، وبالتالي ضمان المساواة والإنصاف بين الجنسين هو في صميم هذا العمل. تعتبر الشبكة بأن المساواة بين الجنسين لا يمكن أن تكون مجرد نتيجة ثانوية لسياسات معينة. ويجب ألّا نركّز على الأهداف العددية فحسب. لذا، تشدد الشبكة على الحاجة إلى الانتقال من تعميم المساواة بين الجنسين في جدول أعمال التنمية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والجندرية باعتبارها أساسية لنموذج التنمية الجديد. يتم تبني هذه المقاربة في الأنشطة الإقليمية وأنشطة أعضاء الشبكة - ومن بينهم عدّة منظمات نسوية، قامت أثناء الحركات الشعبية في المنطقة التي انطلقت في العام 2010، بتسليط الضوء على أنه "لا ثورات من دون مساواة"، بالإضافة إلى ضرورة النضال من أجل إطار يضمن الحقوق والمساواة والشمول والعدالة بين الجنسين كأساس لإعادة تصميم السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
ومع انتشار جائحة كوفيد-19 في العام 2020، ركزت الشبكة على تفاقم اللامساواة والانتهاكات التي تواجهها النساء في المنطقة. على سبيل المثال ، بدأت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وهي عضو في الشبكة، بالنشر حول مواضيع مختلفة تهم النساء تتعلق بالحجر الصحي وبادرت إطلاق حملة وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة. كما تسلّط أبحاث تقارير الراصد العربي الصادر كل سنتين الضوء على الطرق التي يتقاطع بها التمييز بين الجنسين ونقص التمثيل مع العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للحفاظ على الواقع الظالم الذي تواجهه المرأة في المنطقة. على مستوى النشاط، فإن برامج الشبكة والبحوث وبناء القدرات والحوار والمناصرة تتسم كلها بالتشاركية وتتضمّن مجموعات حقوق المرأة ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال المساواة بين الجنسين.
من ناحية أخرى، وعلى المستوى المؤسسي، تدمج الشبكة تعزيز المساواة بين الجنسين في استراتيجيتها، وقد اعتمدت سياسة حول النوع الاجتماعي، تعكس مسؤوليتها تجاه تحقيق ذلك. وبناءً عليه، تدعو الشبكة إلى اعتماد سياسات تقضي على التمييز ضد المرأة في جميع المجالات (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية) وبالتالي تحقيق المساواة في حقوق الإنسان للمرأة. كما تسعى الشبكة إلى رفع مستوى مشاركة المرأة في صنع القرار في كل من المؤسسات الخاصة والعامة، والتي يمكن أن تضمن اتخاذ إجراءات ملموسة بقيادة النساء لتغيير السياسات وتعزيز وصول المرأة إلى الموارد. كما يتم تنفيذ الممارسات والسياسات التنظيمية التي تعزز المساواة بين الجنسين وتضمن تكافؤ الفرص في التوظيف وتحمي المرأة من التحرش والتمييز وتضمن المساءلة في حالات الانتهاك.
إن النضال من أجل المساواة بين الجنسين ليس بالأمر السهل، ولكنه في صميم تحقيق التنمية المستدامة والسلام والاستقرار. وتأتي منظمات المجتمع المدني لتصميم وتخطيط وتنفيذ البرامج والمشاريع لتحقيق هذه الغاية وتعزيز المساواة بين الجنسين، لكن يجب أن يحصل ذلك على المستوى التنظيمي أيضًا. أخيرًا وليس آخرًا، علينا الانتقال من مجرد الموقف الوقائي إلى الدور الاستباقي نحو توفير إصلاحات سياسات بديلة تضمن المساواة وعدم التمييز والتغلب على العقلية والتقاليد الأبوية.
بيهتر موسكيني