من كوب باكو الى كوب البرازيل – هل يرتفع سقف الطوح؟ - هلا مراد
التعثر في الوصول الى إتفاقات حقيقية - تحد من خطورة التغيرات المناخية وتسهم في انفاذ اتفاق باريس - هو السمة والطابع لمؤتمر الأطراف 29 في باكو، فبعد أن أجمع العالم على أن هذا المؤتمر هو مؤتمر التمويل أي المؤتمر الذي يعقد عليه الأمل في أن يأتي بتمويل وحلول تمويلية بعيدة كل البعد عن جيب المتأثر وديونه وموارده البسيطة، وبعد أن بدأ المجتمع المدني والنشطاء ومجموعات الضغط باولى أيام المؤتمر بطموح عالي جدا يصل الى 5 تريليون دولار، وهو رقم ليس مبالغ فيه كما قالوا في أروقة المفاوضات بل هو رقم أتى به العلم وتتحدث عنه الأمم المتحدة على أنه الحد الأدنى المطلوب من أجل المزيد من تمويل المناخ حتى عام 2030 في تقريرها الصادر عن المنتدى الحضري العالمي12 (WUF 12) في القاهرة نوفمنبر 2024، والذي تحدثت به بشكل موسع حول إحتياجات المدن في العالم من أجل المزيد من الصمود في وجه التغيرات المناخية وتبعاتها، ومع ذلك تطالب البلدان النامية والأقل نموا ودول الخطوط الأمامية بما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار سنويا لتمويل المناخ للتخفيف والتكيف والخسائر والأضرار وهذا رقم متواضع مقارنة بما حددته الأمم المتحدة وطالبت به مجموعات الضغط والمجتمعات المدنية والسكان الأصليون وهو أيضا رقم لا يذكر أمام ما تقدمه الدول الغنية من دعم للاستثمار في الوقود الأحفوري وفي الحروب.
وبالرغم من تزامن إنعقاد اجتماع لمجموعة ال20 بقيادة البرازيل والذي أتى بمخرجات لسيت سيئة من ناحية تضمين العمل على زيادة الطموح في المسألة المناخية مع السعي لإنفاذ اتفاق باريس، كل هذه المؤشرات أعطت أجواء المفاوضات من البداية قليلا من الأمل خاصة أن ما كان يُسعى له هو هدف كمي جمعي جديد يتجاوز عراقيل الـ 100 مليار دولار التي كانت هدف التمويل السابق وحتى عام 2020 والذي أُجمع على عدم تحققه كما ووقتا ومضمونا.
ولكن الثلج ذاب خلال الأسبوع الثاني من المؤتمر ليتجلى لنا مرجا قاحلا من الوعود عبر مسودة قرار الهدف الكمي الجمعي الجديد بنسخة لا تتضمن أي رقم يذكر والتي - اي المسودة - رُفضت من الغالبية العظمى وتم اعادة صياغتها اكثر من مرة حتى جاء مقترح رئيس المؤتمر ب 250 مليار دولار وهو ما إعتبرته الدول النامية رقما مخزيا ومهينا جدا وبعيدا عن طموحها الذي وصل حده الأدنى الى 500 مليار دولار، وبعد طول مفاوضات إستمرت لما بعد منتصف الليل سارع رئيس المؤتمر للموافقة على النسخة الأخيرة من مسودة القرار دون أي إعتبارات لرفض الدول النامية والجزرية والتي أعلن عدد منها عبر مندوبيهم الرسمين أن هذا بمثابة ورقة بيضاء لا تسمن ولا تغني، ولكنهم إعتمدوا القرار ووضع رقم مقداره 300 مليار دولار فقط للتمويل.
قد ينظر البعض الى أننا لا نبحث عن وقف مد تأثيرات التغير المناخي ووقف تغيرات المناخ وإرتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية حسب اتفاق باريس حتى عام 2050 وأن لا تزيد عن 2 درجة مئوية حتى نهاية هذا القرن بقدر بحثنا عن مصادر التمويل وتتذرع الدول الغنية بذلك وتقدم حلولا أبعد ما تكون عن الواقع وأبعد ما تكون عن التمويل ليس لأن التمويل هو المطلب الأساسي ولكن لأن التمويل أداة اعتراف بالدرجة الأولى، يمكن البناء عليها لتكون أداة ملزمة لمُصَدري الانبعاثات بالكف عن ذلك والوقوف عند مسؤولياتهم التاريخية بتعويض شعوب العالم المتضررة، هذا الأساس التفاوضي العادل الذي نطالب به والذي نسعى له من خلال الحضور والمشاركة والضغط أثناء إنعقاد القمم المناخية وقبلها وبعدها.
وبذلك نحن لا نحمل من الفشل الذي حصل في باكو إلا ما يحفزنا على العمل بشكل أكبر لمؤتمر الاطراف القادم في البرازيل (COP 30) خاصة أن البرازيل تحمل رؤية مختلفة قد عبرت عنها في إجتماع قمة العشرين G20 الذي عقد تحت رئاستها بأنها تسعى لفرض ضريبة على أغنياء العالم وبشكل تصاعدي وهذا ما أثار حفيظة العديد من الدول الأعضاء ولكنه نهج قد يسهم في رفع سقف الطموحات في المؤتمر القادم COP 30 الذي سيعقد أيضا تحت رئاسة البرازيل في ريودي جانيرو في العام 2025.
وأخيرا ولأن التمويل قد أخذ من نقاشاتنا الكثير في باكو يمكن القول أن هنالك أيضا قضايا مفصلية تم نقاشها في المؤتمر وأهمها المادة السادسة من إتفاق باريس والتي مازلت أدوات العمل عليها عالقة حتى بعد أن عبر الخبراء في أسواق الكربون على أن هنالك إنفراجات ولكن نص القرار وبقراءة حقوقية له يخلو بشكل كبير من أدوات الرقابة والمساءلة ومشاركة أصحاب العلاقة ، وعلى العكس يخلق من قضية تغير المناخ التي تسعى الى إحقاق العدالة - يخلق منها - قضية تبحث في أروقة السوق عن مخرج تقاسمي ربحي عبر تنظيم الأسواق الطوعية للكربون ولكن دون أدنى عمليات الشفافية المطلوبة وهذا ما يخلق فوضى قد لا تؤدي الى حلول حقيقية بقدر إزاغة البصر وتشتيت الإنتباه الى آليات إزالة الكربون التي مازلنا نعتبرها من الحلول الزائفة.