لمواجهة الاحتلال في الأغوار الفلسطينية – سوزان أبو فرحة
تظهر معطيات دراسة "التعليم للطفولة المبكرة في الأغوار الفلسطينية"1 أنه بحسب اتفاقية أوسلو التي وقّعت بين منظمة التحرير الفلسطينية والإحتلال الإسرائيلي عام 1993 فإن 87% من منطقة الأغوار مصنّفة على أنها مناطق "ج"، وبالتالي تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة في جميع مناحي الحياة المتعلقة بالصحة والتعليم والاقتصاد والأمن.
إبّان إحتلال الأغوار عام 1967، كان عدد السكان الفلسطينيين بالمنطقة نحو 320,000 نسمة، ولكن بسبب ممارسات الإحتلال العنصرية الرّامية الى إفراغ الأغوار من سكانها، تناقصت أعداد الفلسطينيين لتصل مؤخرا الى حوالي 56,000 نسمة، وهو ما يمكن أن يطلق عليه عملية "التهجير الصامت" أو "الترانسفير التدريجي".
من الناحيتين الإقتصادية والجيوسياسية، تعتبر الأغوار منطقة مهمة لبناء الدولة الفلسطينية ومستقبل الوجود الفلسطيني، لكن الإحتلال الإسرائيلي يسابق الزمن في فرض أمر واقع هناك من خلال توسع ملحوظ، إذ قام ببناء 37 مستوطنة وعشرات البؤر الاستيطانية في المنطقة حيث تضم ما يزيد عن 11,000 مستوطن وما زال التوسع الإستيطاني في ازدياد.
ما يزيد الخطورة في منطقة الأغوار هو محاولة التأثير في طابعين؛ الأول الديمغرافي للوجود الفلسطيني، والثاني الهوية التي يحاول الإحتلال طمسها من خلال تغيير المعالم والبناء الإستيطاني المستمر حتى أصبحت الأغوار بمثابة خريطة استيطانية متكاملة على كامل امتدادها.
تعد اسرائيل من الدّول التي وقعت وصادقت على العهد الدّولي الخاص بالحقوق الإقتصادية الإجتماعية الثقافية، والاتفاقية المتعلقة بالقضاء على كافة أشكال التّمييز العنصري، واتفاقية حقوق الطّفل. وكون إسرائيل هي من الدّول المصادقة على هذه الإتفاقيات وليس فقط موقعة لها، فهي ملزمة قانونيا بتطبيقها وضمان عدم انتهاك أي بند من بنودها. إلا أن إسرائيل تضرب بعرض الحائط كل هذه الإتفاقيات الموقعة عليها. وتحرم الأطفال الفلسطينيين من الإلتحاق بالمدارس ورياض الأطفال بل وتمارس عمليات الهدم المباشرة كما حدث لروضة أطفال المالح، وهو ما يمكن أن تصنف ضمن نظام الأبارتهايد والجريمة ضد الانسانية التي يجب أن تعاقب عليها القوة أو الدولة التي تمارس هذه الممارسات.
سعت الهيئة الإستشارية لتطوير المؤسسات غير الحكومية،2 ضمن الأهداف التي تسعى لتحقيقها في تنمية المجتمع الفلسطيني، إلى تنفيذ مشروع "تمكين التعليم للطفولة المبكرة في الأغوار الفلسطينية" امتد على مدار عام ونصف. هذا الجهد ساهم في تعزيز وتطوير وإعادة تأهيل رياض الأطفال في 15 تجمعا بدويا وحقق لأول مرة افتتاح رياض أطفال في مواقع لم تكن موجودة بها قبل ذلك.
توّجت الهيئة من خلال فريقها البحثي بالخروج بدراسة ميدانية تشخيصية تبرز من خلالها العديد من الوقائع والحقائق التي تصف واقع التعليم للطفولة المبكرة في هذه المناطق التي يمكن أن يطلق عليها مناطق نزاع نتيجة خضوعها لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي منذ العام1967.
تطرح الدراسة في بعدها الأول توصيفا لواقع الأغوار وما يتعرض له من سياسات إسرائيلية ممنهجة وانعكاسات ذلك على القطاع التعليمي، إضافة لرسم خارطة توصيفيه لطبيعة التجمعات في الأغوار وواقع القطاع التعليمي فيها.
وتعرّج الدراسة على توصيف الواقع التعليمي في 15 موقعا وتجمعا سكانيا في الأغوار تمثل أبرز التجمعات السكانية، وهي بحد ذاتها من المناطق المستهدفة ضمن سياسات الاحتلال الإحتلال الرامية إلى ترحيل المواطنين وتقليص الوجود الفلسطيني بالأغوار.
وبهدف إحداث حالة من الربط ما بين ما يتعرض له الأغوار فيما يتعلق بحرمان أطفاله من التعليم، سعت الدراسة إلى تلخيص مجموعة من المحطات حول التعليم في مناطق النزاع أو الصراع، والقوانين التي تحفظ هذه الحقوق وهو ما يمكن أن يشكل أرضية قانونية يمكن البناء عليها في مواجهة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ومواجهتها، وقدمت من خلال هذا المحور أهمية تعزيز العمل الحقوقي والقانوني على مستويات عدة فلسطينيا وإقليميا ودوليا.
ومن أبرز الاتفاقيات والمعاهدات التي تؤكد على حماية الحق في التعليم إما بشكل مباشر أو ضمن بنودها، اتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم لعام 1960، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري كانون الأول/ديسمبر1965، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كانون/ديسمبر1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية كانون الأول/ديسمبر 1966، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة كانون الأول/ديسمبر1984.
وتظهر الإحصائيات أن أكثر من 700 طفل في التجمعات البدوية بالأغوار الشمالية يعانون من خطر فقد حقهم في التعليم، وسط قبضة حديديّة من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلي، حيث يكابد الأهالي في هذه التجمعات في السعي نحو توفير تعليم آمن لأبنائهم، ولكن معدلات التسرب القسري مرتفعة ما يجعل التعليم في هذه المناطق بعيد المنال وفقا لمعطيات مديرية التربية والتعليم في محافظة طوباس والأغوار. وهناك فقط 57% من الأطفال يلتحقون برياض الأطفال فيما يحرم الباقي من هذا الحق.
وتطرح الدراسة مجموعة من الخيارات التي يمكن العمل عليها لمواجهة التحديات المفروضة أمام تمكين التعليم للطفولة المبكرة في الأغوار، ومن بينها
1. تبني سياسات تستجيب للمتغيرات السريعة؛ من خلال وضع سياسات ديناميكية يمكن أن تستجيب بشكل سريع للتطورات والمتغيرات، وهذا يتضمن أيضا ما يتعلق بالموازنات المستجيبة للحالات الطارئة، وتعزيز القطاع التعليمي بغلاف قانوني إنساني حقوقي ودولي يمكن أن يشكل مظلة أكثر ضغطا على الاحتلال.
2. تعزيز الوعي، وبناء المعرفية لمواجهة سياسات الاحتلال؛ من خلال تقليص الفجوة ما بين الجهات المسؤولة وما بين المواطن العادي، بحيث يصبح المواطن جزء من وضع الاستراتيجية واختيار الأدوات والمشاركة في المواجهة لا أن يكون مجرد منفذ أو متلقي.
3. توفير عوامل تثبيت السكان؛ فاستهداف قطاع التعليم يعتبر سياسية إسرائيلية لتفريغ الأغوار من الوجود الفلسطيني، وبالتالي أهمية افتتاح رياض الأطفال بالحد الأدنى من الامكانيات وعدد الطلبة، إضافة للمدارس الأساسية.
4. مواءمة المناهج لمناطق الصراع والبيئة الريفية والبدوية؛ بحيث يتم تخصيص مناهج تعليمية وتلائم طبيعة البيئة والنشأة للأطفال في التجمعات السكانية بالأغوار.
وتختتم الدراسة، في استعراض مصفوفة التوصيات والمقترحات والجهات الفاعلة التي يمكن أن تكون شريكا في تنفيذها بما يحقق الأهداف التي تقوم عليها، وتتضمن هذه المصفوفة مجموعة من الخيارات المطلوبة والتي يمكن أن تكون ضمن أوليات الجهات الفاعلة للمرحلة المقبلة بهدف تطوير القطاع التعليمي للطفولة المبكرة في الأغوار، والتي يمكن أن يكون هناك تكاملية في العمل عليها بين أكثر من جهة.
سوزان أبو فرحة
1- https://drive.google.com/file/d/1NzZvZVSen5ALB_ii3r2JhppaigZ1Zl8n/view?usp=sharing
2- https://pcs-palestine.org/ar/