![](https://annd.org/uploads/publications/Intro.jpg)
فلسطين في مواجهة المخططات التصفوية - زياد عبد الصمد
زياد عبد الصمد
فلسطين في مواجهة المخططات التصفوية - زياد عبد الصمد
تمر القضية الفلسطينية بمنعطف مصيري، حيث تسعى
الولايات المتحدة، من خلال دعمها غير المشروط لإسرائيل، إلى تصفية القضية
الفلسطينية على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وقد شكّلت إدارة الرئيس
الأميركي دونالد ترامب فريق عمل متخصصًا في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الخارجية
والأمنية والعسكرية، يتألف من شخصيات معروفة بمواقفها الداعمة لإسرائيل، حيث جعلت
من تنفيذ "اتفاقيات إبراهيم" هدفًا استراتيجيًا. وقد
تُوجّت هذه الاتفاقيات بتطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل خلال
الولاية الأولى لترامب، دون أي إشارة إلى حقوق الفلسطينيين أو حقهم في تقرير
المصير وإقامة دولتهم المستقلة.
ومع ذلك، لا يزال هناك إجماع عالمي قوي، تمسكًا
بحل الدولتين، كما يتضح من مواقف أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في الأمم
المتحدة. ويحاول ترامب الترويج لفكرة إخلاء قطاع غزة من سكانه، واعدًا بإعادة
بنائه وتحويله إلى منطقة سياحية حديثة، كما اقترح استقبال مئة ألف فلسطيني في
الولايات المتحدة، لكن هذه الطروحات قوبلت برفض قاطع.
وفي 6 شباط/فبراير 2025، وقّع الرئيس الأميركي
أمرًا تنفيذيًا يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، التي طالت أفرادًا
وأسرهم بسبب مساهمتهم في تحقيقات طالت مواطنين أميركيين وحلفاء الولايات المتحدة
مثل إسرائيل، بعد أن اتهمت المحكمة بمعاداة السامية.
بالتوازي مع ذلك، استمرت إسرائيل، بقيادة حكومتها
اليمينية المتطرفة، في الترويج لما تسميه "مشروع السلام في الشرق
الأوسط"، عبر ممارسة الضغوط على الدول العربية للقبول به، في ظل استمرار
أطماعها الاقتصادية والجيوسياسية. ومن بين هذه الأطماع، تبرز السيطرة على حقول
الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة، والتي تُقدّر احتياطياتها بعشرات التريليونات من
الأقدام المكعبة، بالإضافة إلى تسريع تنفيذ مشروع "الممر الاقتصادي
الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي" الذي يربط الهند بالسعودية وأوروبا عبر غزة وتل
أبيب، في إطار منافسة "طريق الحرير" الصيني الذي يمر عبر الشرق الأوسط
إلى أوروبا.
وفي ظل هذه التطورات، تواصل إسرائيل سياساتها
العدوانية في الضفة الغربية من خلال دعم المستوطنات وتوسيعها، إلى جانب رفضها
الالتزام بوقف إطلاق النار مع حركة حماس في غزة، إلا في سياق تبادل الأسرى. كما لم
تعد إسرائيل تعترف باتفاقية الهدنة لعام 1967 التي تلت حرب الأيام الستة مع مصر
والأردن، ولا باتفاق 1974 مع سوريا، ما يعكس توجهها نحو تصعيد عسكري دائم، خصوصًا
مع استمرار احتلالها لهضبة الجولان ومناطق سورية محاذية للحدود الإسرائيلية.
ويتزامن هذا التنصل الإسرائيلي من الاتفاقيات
الدولية مع الدعوات الأميركية والإسرائيلية لوقف عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث
وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي أُنشئت عام 1949 بموجب القرار رقم
302 لرعاية وحماية اللاجئين الفلسطينيين. إن إلغاء الأونروا يعني نزع الحماية
الخاصة التي يتمتع بها اللاجئون الفلسطينيون، ويشكل خطوة نحو إسقاط الاعتراف
الدولي بحقهم في العودة، الذي يستند إلى القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة
للأمم المتحدة عام 1948.
إضافةً إلى ذلك، منحت إدارة ترامب إسرائيل الضوء
الأخضر لضم المستوطنات في الضفة الغربية، بعد أن كانت إدارته أول دولة تعترف
بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وتنقل سفارتها إليها عام 2018، وهو ما يجعل من حل
الدولتين أكثر صعوبة، ويكرّس واقعًا استيطانيًا يُهدّد بتصفية القضية الفلسطينية
نهائيًا. كما اعترفت الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل
عام 2019، في خطوة مناقضة للقانون الدولي، الذي يعتبر الجولان أرضًا محتلة بموجب
قراري مجلس الأمن 242 و497. كما أثارت تصريحات الرئيس الأميركي مؤخرا جدلًا
واسعًا، حيث أعرب عن نيته الإشراف على إعادة إعمار غزة، مشيرًا ضمنيًا إلى خطة
تهجير الفلسطينيين، وداعيًا الدول العربية، بما فيها المملكة العربية السعودية،
إلى استضافتهم، في خطوة اعتُبرت محاولة لتصفية القضية الفلسطينية تحت غطاء إنساني.
على الرغم من كل هذه الضغوط الأميركية
والإسرائيلية ومشاريع السلام التي تتجاهل حقوق الفلسطينيين، يتمسك الفلسطينيون
بحقوقهم المشروعة ويواجهون كل أنواع الممارسات التي تجعل الحياة مستحيلة في قطاع
غزة وفي مناطق واسعة من الضفة، والتي اعتبرتها محكمة العدل الدولية والمحكمة
الجنائية الدولية بمثابة إبادة جماعية. وبالتالي، يرفضون كل محاولات التهجير
والترانسفير.
وفي هذا السياق، تظل المملكة العربية السعودية
ملتزمة بالمبادرة العربية للسلام، التي أُطلقت من بيروت عام 2002، والتي تقوم على
مبدأ "الأرض مقابل السلام"، أي أن التطبيع لا يمكن أن يتم إلا بعد
التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها
القدس الشرقية، تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل. كما تتمسك الدول العربية الأخرى
بهذا الموقف، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن أي استقرار حقيقي في المنطقة لن يتحقق
إلا من خلال تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية.
وعلى الرغم من الضغوط الأميركية، رفضت مصر
والأردن مخططات إدارة ترامب التي هدفت إلى تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة
الغربية وتوطينهم في الدول المجاورة، وأكدتا تمسكهما بحق العودة وحل الدولتين.
مع استمرار هذه السياسات، يبدو أن المنطقة تتجه
نحو مزيد من التوتر وعدم الاستقرار، ما لم يتم التوصل إلى حل شامل يعيد للشعب
الفلسطيني حقوقه المشروعة، ويضع حدًا لعقود من الاحتلال والظلم.