Sep 21, 2023
زلزال الحوز بالمغرب و مبادرات المجتمع المدني ‪ -‬د. فوزي بوخريص
فوزي بوخريص
باحث وصحفي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
فوزي بوخريص

زلزال الحوز بالمغرب و مبادرات المجتمع المدني ‪ -‬د. فوزي بوخريص
 
 
ضرب زلزال قوي جدا المغرب ليلة الجمعة 8 سبتمبر 2023 ، مركزه إقليم الحوز.‪ ‬خلف الزلزال، الذي بلغت درجته 7.2 حسب المعهد الوطني المغربي للجيوفيزياء،  دمارا كبيرا، لا سيما في القرى الجبلية الواقعة في منطقة الزلزال، والتي تنتمي إلى ثلاث أقاليم كبرى هي : الحوز، تارودانت وورزازت، علاوة طبعا على ما أصاب إقليمي مراكش وشيشاوة ، ومدن أخرى من أضرار و خسائر بشرية ومادية.
 
 
تتحدث المصادر الرسمية  إلى حدود اليوم، عن ضحايا في الأرواح والإصابات على مستوى الأقاليم الخمسة المتضررة بالزلزال (الحوز-تارودانت-ورزازات-شيشاوة –مراكش)، تقدر ب 2946 قتيلا و5674 مصابا، وعن انهيار حوالي  50 ألف مسكن، انهيارا كليا أو جزئيا ، إضافة إلى تضرر  530 مؤسسة تعليمية، و55 داخلية بدرجات متفاوتة، تتراوح ما بين انهيار كامل، وشقوق بليغة...علاوة طبعا على أضرار مادية طالت المساجد والطرق والمسالك على وعورتها، وشبكة الكهرباء...
 
 
و يعتبر عدد من المتتبعين بأن هول الخسائر المسجلة في الأرواح والممتلكات في هذه المناطق، خصوصا في المناطق الجبلية الواقعة في حدود أقاليم الحوز وتارودانت وورزازات، و التي شكلت بؤرة الزلزال، هي نتاج بشري لسياسات عمومية، امعنت طوال عقود في الاجهاز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتنموية الأساسية لساكني هذه المناطق الجبلية، وأسهمت بصمتها عن ما تعانيه هذه المناطق من تهميش و تفاوت مجالي  وعزلة وهشاشة، في جعل  ساكنيها عرضة للبطالة  والامية والأمراض، وضحايا لناهبي الخيرات والمواد المحلية (المعدنية والغابوية...)، ولمناورات الاعيان الفاسدين و سماسرة الانتخابات...
 
 
مبادرات مدنية لدعم مناطق الزلزال المنكوبة:
 
والواقع انه فور وقوع الزلزال، وحتى قبل إفصاح السلطات العمومية، المركزية والمحلية، عن نواياها بخصوص كيفية التعامل مع الكارثة، تحركت فعاليات المجتمع المدني، فتأسست مبادرات مدنية لدعم المناطق المنكوبة، محلية ووطنية، بل على مستوى مغاربة العالم(في مختلف الدول الأوربية وفي أمريكا الشمالية ...).
 
 
والمتتبع للديناميات المدنية بالمغرب، وللكيفية التي تعاملت بها مع كارثة الزلزال الحالي، يلمس بوضوح بداية تشكل  "تجربة" و"خبرة" في التعامل مع الكوارث لدى قطاع عريض من الفعاليات المدنية بالمغرب، فقبل هذا الزلزال، كان زلزال 2004 بالحسيمة، وفيضانات 2008 و2009 بعدة مدن وجهات، ومؤخرا الحجر الصحي لكوفيد-19، في مارس 2020. هذه الخبرة المراكمة، يسرت التنسيق بين الجمعيات والفاعلين المدنيين في مختلف ربوع البلاد وبين الفعاليات الجمعوية والمدنية المتواجدة  في عين المكان، بالمناطق المتضررة بالزلزال أو القريبة منها، وساعدت على توجيه قوافل الدعم وضمان توزيع متوازن وعادل وفعال للدعم في المناطق دون تمييز. وفي هذا الصدد، نشير إلى أن تدخل الفعاليات الجمعوية المحلية بالمناطق المتضررة، كان حاسما في تحديد الحاجيات الأساسية، ورصد تطور تغطية هذه الحاجيات في الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال، مما أفاد كثيرا عمليات جمع الدعم من المواطنين والفاعلين الاقتصاديين... كما أن التجربة التي راكمتها جمعيات وطنية مشهود لها بسرعة التدخل وفعاليته في المناطق المنكوبة بمختلف مناطق المغرب، كانت مفيدة في التعاطي مع مستجدات الكارثة، نذكر هنا على سبيل المثال جمعية "بنك التغذية"، المشهود لها بفعالية تدخلاتها في مثل هذه الظروف الصعبة أو جمعية "الهجرة والتنمية" التي راكمت تجربة  في الفعل التنموي بمناطق الزلزال تحديدا، تمتد على مدى من 35 سنة...
 
 
ولعل من أبرز صور هذه الخبرة المتراكمة، والموظفة في التحرك المدني الواسع لمواجهة آثار الزلزال، التأسيس الفوري لمبادرة مدنية لدعم المناطق المنكوبة، التي أصدرت بيانا حمل توقيع مئات الجمعيات والشبكات الجمعوية الموزعة عبر تراب المملكة، واتخذت جملة من التدابير أهمها، دعوة كل فعاليات المجتمع المدني في كل مدينة مغربية، إلى عقد اجتماعات تنسيقية، وفرز لجنة للتنسيق، وإصدار بلاغات تضامنية، وفتح قنوات التواصل مع السلطات المحلية من أجل تيسير عملية جمع الدعم من الساكنة ومن المتاجر والمساحات الكبرى ومختلف المحسنين.
 
 
ومنذ وقوع فاجعة الزلزال وإلى اليوم، تتواصل حملات الدعم والمساندة، سواء بالتبرع بالدم لفائدة الجرحى والمصابين، أو بالتبرع بمواد عينية (ملابس، أغطية وأفرشة، أدوية، مواد غذائية، وخيام..) لفائدة المنكوبين، وما تزال القوافل المحملة بأطنان من الإعانات المختلفة تتوجه إلى المناطق المنكوبة.
 
 
هذا وقد سهلت الوسائل والأدوات الرقمية بشكل كبير التنسيق والاخبار والتعبئة والتحرك، فوفرت بحق، بنية تحتية للتبادل، متفلتة من تحكم الحراس التقليديين للمجال العام. فأُنشِأَت مجموعات على الواتساب وصفحات على الفايسبوك وعلى مختلف منصات التواصل، قلصت كثيرا تكاليف التعبئة والتنسيق(على مستوى المال والوقت والجهد) بين الجمعيات والمواطنين والمواطنات، وخصوصا بين مختلف المبادرات المدنية المحلية، في مختلف مناطق المغرب، وبينها وبين الجمعيات والفاعلين الجمعويين في مختلف المناطق التي استهدفها الزلزال.
 
 
ترافع مدني من اجل مواجهة أثار الزلزال ونتائج سياسات التهميش والاقصاء:


‪
‬وتجدر الإشارة إلى ان هذه المناطق المتضررة من الزلزال، وغيرها من المناطق الجبلية، وباقي مناطق ما يسمى بالمغرب العميق، أو بلغة سلطات الحماية الفرنسية- قبل استقلال البلاد- مناطق "المغرب غير النافع" أو "مغرب السيبة"‪[i]‬ ، كانت محط اهتمام جمعيات المجتمع المدني بالمغرب، وموضوع مناصرة من أجل تجاوز واقع التفاوت والتمييز المجالي، خصوصا وأن السلطات العليا بالبلاد، تقر بهذا الواقع، وتسعى إلى تجاوزه، على الأقل على مستوى الخطاب. فالمشرع بالمغرب، سبق وأن أقر في الفصل 142 من الدستور الذي صدر سنة 2011،  أي بعد حراك عشرين فبراير(في إطار موجات الربيع العربي)، على اعتزام الدولة إحداث صندوق للتأهيل الاجتماعي لفائدة الجهات التي راكمت خصاصا تنمويا كبيرا، مثل المناطق التي استهدفها الزلزال،، يهدف هذا الصندوق إلى سد العجز المسجل في تلك المناطق على مستوى التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات. كما يشير ذات الفصل إلى إحداث الدولة لصندوق آخر، سمته صندوق التضامن بين الجهات، بهدف التوزيع المتكافئ للموارد، قصد التقليص من التفاوتات بينها ‪[ii]‬. والملك نفسه، أقر في خطابه المؤرخ في 13 أكتوبر 2017 بأن المغرب، بالرغم من التقدم الملموس الذي حققه في بعض المجالات، ما يزال يعاني من جملة من المشاكل على مستوى نموذجه التنموي، إذ يظل غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية. الأمر الذي دفع الملك إلى دعوة الحكومة والبرلمان ومختلف المؤسسات والهيئات المعنية، إلى إعادة النظر في النموذج التنموي المعتمد، واقتراح نموذج تنموي جديد...نموذج حددت معالمه الأساسية من طرف لجنة خاصة، لكن ما يزال المغاربة إلى اليوم ينتظرون تفعيله...
 
 
وعلاقة بترافع المجتمع المدني بالمغرب من اجل رد الاعتبار إلى هذه المناطق التي تضررت كثيرا بالزلزال، والتي كانت لزمن طويل ضحية للطبيعة والدولة، يمكن ان نشير إلى تجربة "الائتلاف المدني من أجل الجبل" الذي تأسس بمبادرة من عدد كبير من الفعاليات المدنية ومن الجمعيات (أكثر من 120 جمعية)، بغاية الترافع لفائدة المناطق الجبلية وساكنتها. حيث ركز هذا الائتلاف المدني في البداية على إثارة الانتباه إلى المعاناة الدائمة لساكنة المناطق الجبلية، خصوصا في فصل الشتاء من كل سنة، الذي يعرف تساقطات ثلجية، مصحوبة بالصقيع، وبانخفاض كبير لدرجة الحرارة، وما يتطلبه ذلك طبعا من تدابير استعجالية لدعم الساكنة بالمؤن والمواد الغذائية والأغطية والملابس، وغيرها من الاحتياجات الأساسية. لكن مع تعقد أوضاع هذه المناطق، بفعل تقاعس الدولة عن الالتفات لها، بدأ الائتلاف يشتغل على إعداد ملتمس تشريعي، من أجل إقرار قانون خاص بالمناطق الجبلية بالمغرب، وسن سياسات عمومية، موجهة للتنمية المستدامة للجبال‪.‬ وقد شكلت هذه السنة منعطفا نوعيا في المسار الترافعي للإئتلاف المدني من اجل الجبل، خصوصا من خلال دعوته إلى الانخراط في دعم مبادرة دولة كورجستان لاعتماد الأمم المتحدة لوثيقة "خمس سنوات من العمل لتنمية المناطق الجبلية للفترة 2023- 2027‪".‬
 
 
والواقع أنه مع فاجعة الزلزال التي طالت المناطق الجبلية بكل من الحوز وتارودانت وورزازات، لم يتردد الائتلاف المدني من اجل الجبل، على غرار باقي المبادرات المدنية لدعم المناطق المنكوبة، في توجيه نداء إلى كل الضمائر الحية سواء داخل الجهات الرسمية او داخل الهيئات المدنية أو الفاعلين الاقتصاديين للتدخل الميداني العاجل في مناطق الزلزال بمختلف الأشكال التي تتوفر لديهم...
 
 
مواجهة الانفلاتات والتجاوزات
 
وتجدر الإشارة إلى أن أشكال التعبئة المدنية والمجتمعية الشاملة التي رافقت كارثة الزلزال، لم تخل من ظهور نتائج غير منتظرة ، من خلال حدوث انفلاتات وتجاوزات، من خلال  انتعاش الاخبار الزائفة، ومختلف أشكال التحايل، الرقمي والواقعي، سواء تعلق الامر باستيلاء بعض الأشخاص على مواد استهلاكية وسلع تموينية مقدمة في إطار المبادرات التطوعية والعمليات التضامنية مع ضحايا الزلزال ، أو تجاوز بعض المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي للضوابط الأخلاقية في تعاملهم مع ضحايا الزلزال او في النزوع الاجرامي الذي كشف عنه بعض الأشخاص في تعاملهم مع ساكنة المناطق المتضررة بالزلزال، خصوصا الفتيات والأطفال...
 
 
غير أن يقظة فعاليات المجتمع المدني، والتزامها الميداني بعين المكان، ساعدا على التصدي لمثل هذه الانفلاتات والتجاوزات، من خلال الحضور المباشر والتواصل الفعال  مع الساكنة والجمعيات المحلية ومع السلطات المحلية.  كما يحسب للجهات الرسمية سرعة تحركها وحازمها في التعاطي مع هذه الاختلالات، إذ أصدرت رئاسة النيابة العامة تعليماتها إلى النيابات العامة لدى مختلف المحاكم من أجل التفاعل الجدي والفوري اللازمين مع البلاغات والوشايات المسجلة بخصوص استيلاء أشخاص على الاعانات المقدمة في إطار المبادرات التطوعية مع ضحايا الزلزال، أو تورط أشخاص في نشر الأخبار الزائفة التي تسعى لخلق الفزع بين الضحايا وعموم المواطنات والمواطنين،  وتكليف مصالح الشرطة القضائية بفتح أبحاث معمقة بشأنها، مع ترتيب الإجراءات القانونية اللازمة في حق كل مشتبه في تورطه في ارتكاب هذه الأفعال أو المساهمة أو المشاركة فيها.
 
 
كما يحسب للسلطات المسؤولة عن الإعلام وعن الوسائط الرقمية، يقظتها وتنبيهها المتواصل إلى ضرورة توخي الحذر تجاه الأخبار الزائفة، كما هو الحال مع وكالة المغرب العربي للأنباء التي أصدرت نشرات من أجل التحذير من تقاسم الأخبار والأشرطة الزائفة، تساعد الفعاليات المدنية وكافة المواطنين والمواطنات على التمييز بين الأخبار الزائفة والصحيحة...
 
 
إعادة الأعمار... فرصة للقطع مع سياسية التهميش والاقصاء
 
تأمل القوى المدنية الحية بالبلاد، إلى أن يشكل مخطط إعادة إعمار مناطق الزلزال، فرصة تاريخية لانتشال مناطق الزلزال ليس فقط من آثار الزلزال، وإنما من العزلة والتهميش الممتدة على عقود، والتي فاقمت نتائجها من هول الأضرار والخسائر البشرية والمادية...
 
 
د. فوزي بوخريص
‪ ‬
‪ ‬

المراجع
‏‪[i] ‬ أي مغرب الفوضى والعنف، تمييزا له عن مغرب المخزن حيث يسود النظام والضبط
‏‪[ii] ‬الدستور الجديد للمملكة المغربية
صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ رقم 29 يوليو 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، 30 يوليوز 20
 


احدث المنشورات
Nov 23, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٨
Nov 22, 2024
منطقة مشتعلة - العدد ٥٧
منشورات ذات صلة
Feb 27, 2023
ازمة ارتفاع الأسعار في المغرب
Oct 03, 2023
زلزال الحوز المغرب : ما دور الحكومة المغربية في تدبير الازمة؟ - غيتا البرّاد