
تعميم الشفافية والمساءلة في المساعدات: مسؤولية مشتركة نحو تحسين عائد الاستثمار في المنطقة العربية - جوليان كورسون

تعميم الشفافية والمساءلة في المساعدات: مسؤولية مشتركة نحو تحسين عائد الاستثمار في المنطقة العربية - جوليان كورسون
تواجه المنطقة العربية تحديات إنسانية جسيمة، حيث يعتمد ملايين المواطنين على المساعدات الدولية. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، سيحتاج حوالي 53.8 مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى المساعدة بحلول عام 2024، حيث بلغ عدد المحتاجين في الأزمة السورية وحدها 32.5 مليونًا. وفي مارس 2025، تعهد المانحون الدوليون بتقديم ما يقارب 6.5 مليار دولار كمساعدات لسوريا لدعم إعادة إعمار البلاد والانتقال السياسي فيها.
واستجابةً للنزاع في لبنان خلال عامي 2023 و2024، قدّر البنك الدولي حاجة البلاد إلى حوالي 11 مليار دولار لإعادة الإعمار والتعافي. وبالمثل، قدّر التقييم السريع المشترك للاحتياجات بين البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الحاجة إلى حوالي 53.2 مليار دولار خلال العقد المقبل لإعادة إعمار غزة وإنعاشها.
لا شك أن المساعدات الدولية لعبت دورًا حيويًا في دعم الملايين في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال توفير الإغاثة الإنسانية، ودعم استقرار الاقتصادات الهشة، وتعزيز الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية. ومع ذلك، فقد واجهت أيضًا انتقادات متزايدة بشأن عدم الكفاءة والفساد والأولويات التي يحركها المانحون. يشير مؤشر مدركات الفساد (CPI) لعام 2024 التابع لمنظمة الشفافية الدولية إلى حصول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أدنى متوسط الدرجات عالميًا، 39 من 100، مما يشير إلى انتشار الفساد في القطاع العام.
في دول مثل اليمن وغزة ولبنان والأردن، حافظت المساعدات على الخدمات الأساسية، وموّلت الاستجابات الطارئة، وعززت المجتمعات المضيفة خلال الأزمات الطويلة. ومع ذلك، فإن فعالية هذه المساعدات غالبًا ما تم تقويضها بسبب أنظمة التسليم المجزأة، والرقابة العامة المحدودة، وتحويل الموارد بعيدًا عن الاحتياجات المحددة محليًا. إن تحقيق التوازن بين هذه الحقائق أمرٌ أساسي: فالشفافية والمساءلة المتبادلة ليستا مجرد واجبات أخلاقية، بل هما أداتان عمليتان يمكنهما تعزيز الثقة، والحد من الهدر، وضمان تحقيق المعونة لأثر حقيقي وعادل لمن هم في أمسّ الحاجة إليها.
يُعدّ الالتزام بالشفافية والمساءلة المتبادلة جوهرَ المعونة الأكثر فعالية. وتتجذّر هذه المفاهيم في إعلان باريس لعام 2005 بشأن فعالية المعونة، وخطة عمل أكرا لعام 2008، وتشديدهما على المسؤولية المشتركة، والشراكات الشاملة، وأهمية الملكية المحلية. تضمن الشفافية إتاحة المعلومات المتعلقة بتدفقات المعونة - كم تُمنح، ولمن تُمنح، ولماذا، وما هي نتائجها - للعامة، وإمكانيةالوصول إليها، وقابليتها للتنفيذ. وتُعدّ المبادرة الدولية للشفافية في المساعدات (IATI) معيارًا عالميًا يُشجّع الجهات الفاعلة في مجال المساعدات على نشر البيانات بصيغة مفتوحة وقابلة للمقارنة.
بدورها، تُنشئ المساءلة المتبادلة مسؤوليةً مشتركةً بين الجهات المانحة والحكومات والمجتمعات المتضررة للوفاء بالالتزامات والاستجابة للاحتياجات الحقيقية. تقوم هذه المبادئ مجتمعةً بتحويل ديناميكية القوة في مجال المساعدات إلى شراكة شاملة، وهو ما قد يصبّ بدوره في مصلحة أصحاب المصلحة كافة، إذا ما أُديرت بكفاءة. فعندما تكون المساعدات شفافة ويتم محاسبة جميع الجهات الفاعلة - ليس فقط إلى الأعلى تجاه المانحين، بل إلى الأسفل تجاه المواطنين - فإنها تُصبح أكثر انسجامًا مع الفئات التي تُعاني منها، وأكثر مرونةً في مواجهة الفساد، وتُلهم الثقة، وفي نهاية المطاف، سيتمكن دافعو الضرائب في الدول المانحة أيضًا من رؤية وتقدير عائد استثمارهم.
على الرغم من التحديات، شهدت المنطقة العربية بعض الممارسات الواعدة في أطر شفافية ومساءلة المساعدات. على سبيل المثال، أطلقت المملكة العربية السعودية منصة المساعدات السعودية لتصنيف مساهماتها في الجهود الإنسانية الدولية وتتبعها بشكل علني. ولم تهدف مبادرة الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (3RF)، التي طُوّرت بالتعاون بين البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والحكومة اللبنانية ومنظمات المجتمع المدني، في أعقاب انفجار مرفأ بيروت عام 2020، إلى تلبية الاحتياجات الفورية المتعلقة بالتعافي وإعادة الإعمار فحسب، بل أيضًا إلى تنفيذ الإصلاحات الناجمة عن الأزمة متعددة الجوانب التي شهدها لبنان. ورغم أن الإطار الإقليمي الثالث للتعاون الإقليمي واجه تحديات في التنفيذ، فإن الأساس المنطقي والآلية التي يقوم عليها، عندما يتم تعزيزهما، يمكن أن يشكلا نموذجاً للمساعدة والتنمية للاعتكاد والتكرار في سياقات إقليمية أخرى.
مع ذلك، تواجه المنطقة تحديات مستمرة، حيث تفتقر حكومات عدّة إلى أنظمة مركزية لتتبع المساعدات. وغالبًا ما تكون البيانات المفصلة والفورية غير متوفرة أو ناقصة. كما يتقلص الفضاء المدني، مما يحد من قدرة جماعات الرقابة ووسائل الإعلام المحلية على رصد المساعدات. كما لا يزال تجزئة الجهات المانحة عائقًا أمام الدعم المنسق والعملي. ولتغيير المعادلة، يجب على الجهات المانحة الالتزام بالشفافية الكاملة في المساعدات باستخدام معايير مثل مبادرة الشفافية الدولية في المساعدات (IATI)، وضمان إمكانية الوصول إلى بياناتها محليًا واستخدامها. وينبغي إضفاء الطابع المؤسسي على دور المجتمع المدني في تصميم المساعدات ورصدها من خلال نهج تصميم تشاركي، ولجان رقابة، وعمليات تدقيق اجتماعي. ويُفترض إنفاذ قوانين مكافحة الفساد وتشريعات الوصول إلى المعلومات، والحفاظ على حماية المبلغين عن المخالفات والصحفيين. إن ربط شفافية المساعدات بإصلاحات الحوكمة الأوسع نطاقًا لن يضمن تحقيق المساعدات لأهدافها على المدى القصير فحسب، بل أيضًا مساهمتها في التنمية طويلة الأجل.
لا يزال للمساعدات الدولية دورًا حاسمًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث توفر الإغاثة والأمل في خضم الأزمات المزمنة. ومع ذلك، غالبًا ما يُقوّض تأثيرها انعدام الكفاءة والغموض وعدم تناسق المعلومات. في الوقت نفسه، أثبتت المنطقة إمكانية تطوير نماذج أفضل عندما تكون المساعدات مفتوحة وخاضعة للمساءلة ومتوافقة مع الأولويات المحلية. وبالتالي، تتاح اليوم فرصة لتعميم الشفافية والمساءلة لضمان عائد استثمار أفضل لجميع الأطراف المعنية.
جوليان كورسون
احدث المنشورات
