Feb 27, 2023
اليمن: تداعيات اللاحرب واللاسلم على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية
وليد الأبارة
صحفي وباحث

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
وليد الأبارة

اليمن: تداعيات اللاحرب واللاسلم على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية – وليد الأبارة



بعد مرور 9 سنوات من الحرب الدامية، تعيش اليمن اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أزمة مركبة، على كافة الأصعدة، دون أفق واضح للخروج منها. حيث يبدو الصراع العسكري غير المحسوم، بين الحكومة وجماعة الحوثيين المسلحة من جهة، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ألقت بظلالها على كافة مناحي الحياة، من جهة أخرى، يتشابكان على نحو شديد التعقيد، ويدفعان بالبلاد إلى المزيد من التدهور.



المراوحة بين اللاحرب واللاسلم 


تُعَد عمليتي "إعصار الجنوب" "وتحرير اليمن السعيد"، التي أُعلن عنهما من قبل الحكومة والتحالف العربي، في الأول والثاني من يناير 2022، هي أخر المواجهات العسكرية المفتوحة بين الحكومة والحوثيين.  وقد جاء الاعلان عن العمليتين العسكريتين كرد فعل على الهجوم الحوثي المكثف باتجاه محافظتي مأرب وشبوة الغنيتين بالنفط والغاز، والذي استمر قرابة عام، واستطاع من خلاله الحوثيين إحراز عدد من الانجازات الميدانية، تمثلت بالسيطرة على مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء، ومديرية الحزم عاصمة محافظة الجوف، وعدد من مديريات محافظتي مأرب وشبوة شرقي البلاد.  في المقابل، نجحت العملية العسكرية الحكومية المضادة وبدعم مكثف من دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية باستعادة مديريات بيحان وعسيلان والعين بمحافظة شبوة، ومديرية حريب في مأرب. 



 المواجهات أدت إلى تصعيد هو الأخطر من نوعه، إذ كثف الحوثيون من هجماتهم بالصواريخ الباليستية والدرونز المفخخة على مدينتي مأرب وشبوة وباتجاه العمق السعودي، وفي 17 كانون الثاني/يناير 2022 شنوا هجوماً على الامارات شمل إطلاق طائرات مسيرة وصواريخ باليستية استهدف بعض المنشئات في مطار أبو ظبي ومنطقة المصفح الصناعية، وتسبب باندلاع حريق ومقتل ثلاثة أشخاص.[1] 



التصعيد الحوثي باتجاه الامارات قوبل بإدانات دولية عديدة، تزامن ذلك مع تكثيف المساعي الأممية عبر المبعوث الدولي الى اليمن هانس غرودنبرغ والمبعوث الأمريكي الخاص باليمن تيموثي ليندركينغ الهادفة لاحتواء التصعيد، والضغط بوقف إطلاق النار. وقد تكللت تلك المساعي بتوقيع هدنة لمدة شهرين قابلة للتمديد بين الجانبين في 2 يناير 2022، ثم جرى تمديدها لشهرين إضافيين. وكان إتفاق الهدنة قد شمل السماح بدخول سفن المشتقات النفطية إلى موانئ الحديدة، وتسيير الرحلات الجوية التجارية من وإلى مطار صنعاء، والموافقة على فتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى.



وفي 3 أكتوبر 2022 رفض الحوثيون مقترح الأمم المتحدة لتمديد الهدنة،[2] وتوسيعها لتشمل دفع رواتب الموظفين المنقطعة رواتبهم منذ عام 2016، والالتزام بالإفراج عن المحتجزين، واستئناف عملية سياسية شاملة وقضايا اقتصادية أوسع، بما في ذلك الخدمات العامة. ومنذ ذلك الحين عادت الاشتباكات المسلحة بالظهور من وقت لآخر في العديد من جبهات القتال، وبالتحديد في محافظات مارب وتعز والضالع ومناطق الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر، كما استهدف الحوثيون موانئ الضبة والنشيمة وقنا في محافظتي حضرموت وشبوة بجنوب شرق البلاد، ما أدى الى إيقاف تصدير النفط. وفي ظل فشل الجهود الإقليمية والدولية في الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة والحوثيين عادت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي شهدت تحسناً نسبياً أثناء الهدنة للانتكاسة من جديد.



خسائر اجتماعية واقتصادية كبيرة


اجتماعياً، تُشكل الحرب بيئة مثالية لازدهار الملشنة وصعود طبقتي أمراء الحرب، وتجار السوق السوداء. كما تؤدي المواجهات العسكرية الى سقوط المزيد من الضحايا، واستمرار حالة النزوح.  وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة بعدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا خلال فترة الحرب، قدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عدد ضحايا الحرب في اليمن بحلول أواخر العام 2021 بــ377 ألف شخص.[3] بينما يقدر عدد النازحين بــ 4.2 مليون نازح، وما يزال العدد مرشح للزيادة.



اقتصادياً تؤدي حالة اللاحرب واللاسلم في اليمن دوراً مزدوجاً، لا سيما على الصعيد الاقتصادي.  ففي حين تراكم كافة المليشيات والقوى المسلحة على الأرض من مكاسبها الاقتصادية المرتبطة باقتصاد الحرب تزداد الأوضاع الاقتصادية للمواطنين سوءاً.  إذ أن عدم توصل أطراف الصراع الى تفاهمات مشتركة بشأن توحيد العملة، وإنهاء انقسام البنك المركزي والنظام الضريبي والجمركي، يؤدي الى استمرار الإنهيار الاقتصادي المنهار أصلاً، وتفاقم المعاناة الإنسانية التي تم وصفها من قبل البنك الدولي بأنها الأشد في العالم.



وبحسب وزارة التخطيط والتعاون الدولي، فان الاقتصاد اليمني قد خسر 90 مليار دولار خلال سنوات الحرب،[4] وتشير الإحصائيات الى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 50٪ خلال الفترة 2012-2019.[5]  كما قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الفرص الضائعة في الناتج المحلي بحوالي 93 مليار دولار، وارتفعت الى 126 مليار دولار في العام 2020.  كما أن تدهور العملة الوطنية لم يتوقف منذ اندلاع المواجهات، حيث انخفضت قيمتها أمام العملات الأجنبية 500٪، وبلغ مستوى الفقر بحسب مسح ميزانية الاسرة للعام 2014   الى 48.5٪ من حجم السكان، ثم وصلت في العام 2016 الى 78٪ من حجم السكان.[6]  



وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في يناير أن خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن للعام 2023 تحتاج الى 4.3 مليار للوصول الى 17.3 مليون شخص من الفئات الأشد ضعفا والذين يحتاجون الى دعم انساني. وأن ثلثي سكان اليمن يحتاجون الى مساعدة.



عسكرة الموارد ونهبها مقابل التنصل من المسؤولية


حتى قبل اندلاع الحرب، كان الاقتصاد اليمني يتسم بالريعية، إذ كان يعتمد بدرجة رئيسية على صادرات الطاقة التي تشكل 80-70 ٪ من ميزانية الحكومة، وتحويلات المغتربين من الخارج، بالإضافة الى الهبات والمساعدات والقروض الخارجية. 



ومع سيطرة الحوثيين على السلطة في أيلول/سبتمبر 2014 وبداية الحرب الأهلية والتدخل العسكري توقف انتاج النفط والغاز الذي كان يشكل عصب الاقتصاد، وانخفضت القروض والهبات التي كان يتلقاها اليمن من الخارج، وهو ما دفع بالحوثيين والحكومة الى اتخاذ إجراءات اقتصادية، أدت في مجملها لخلق اقتصاد حرب.



ونظراً لكون الدولة اليمنية دولة مركزية، فإن سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء قد منحهم أفضلية السيطرة على اغلب العمليات والأصول الاقتصادية، بما في ذلك الاحتياطي النقدي والصناديق السيادية والاسهم الحكومية في الشركات الكبيرة ذات الملكية المشتركة للدولة والقطاع الخاص.



ويعتمد الحوثيون لتمويل انشطة الحرب على تحصيل الموارد المحلية، "والمجهود الحربي"، وفرض المزيد من الضرائب والجمارك، ومن خلال تعويم المشتقات النفطية الذي أدى الى ظهور السوق السوداء، وعبر نقاط التفتيش المنتشرة على الطرقات وعند مداخل ومخارج المدن، والمصادرات والحجوزات التي يتم تحصيلها من خلال مصادرة الأصول والممتلكات الخاصة، بالإضافة لإيرادات الاتصالات، والموانئ، ونهب المساعدات الإنسانية. 



ويقدر ما يتم تحصيله من إيرادات المحافظات المحلية الواقعة تحت سيطرتهم بـ 1.7مليار دولار سنوياً،[7] فيما لا يوجد إحصائيات حول حجم إيرادات المجهود الحربي، حيث يتم تحت هذه التسمية أخذ جبايات وتبرعات مختلفة من الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة ورجال الأعمال لتمويل الجبهات، كواجب وطني كما يسمونه. كما قام الحوثيون بإنشاء حوالي 7 مراكز للجمارك عند حدود المحافظات التي يسيطرون عليها، ويقومون من خلالها بتحصيل الجمارك من المواطنين والتجار، وتقدر التقارير الاقتصادية متوسط العائد الجمركي السنوي المحول للخزينة الحوثية بحوالي (100 مليار يمني) بما يقارب 72 مليون دولار سنويا،[8] ومن المرجح أن الإيرادات قد تضاعفت بعد أن قام الحوثيون برفع التعريفات الجمركية بنسبة 100٪ في عام 2021 على معظم السلع.. وبناء على ذلك؛ فان التجار يدفعون جمارك مرتين، للحكومة والحوثيين، الأمر الذي أدى الى ارتفاع أسعار السلع. كما يقوم الحوثيون بفرض اشكال مختلفة من الضرائب، منها الضرائب على التجار، والقطاعات الخدمية مثل الاتصالات والصحة والمؤسسات التعليمية الخاصة، بالإضافة الى ضرائب نوعية، حيث تدرج محصلة الزكاة السنوية وزكاة (الخمس) ضمن بند الضرائب الاجبارية.[9]



وفي حين لا توجد ارقام تفصيلية حول حجم العائدات، فان هناك الكثير من الإشكاليات، أحدها الهدف والغاية من فرض الضرائب. ففي السياقات الطبيعية للدول يتم جمع الضرائب لدفع المرتبات، ودعم وتمويل سياسات التنمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والارتقاء بالخدمات العمومية، في مجالات الصحة والتعليم والبنية والتحتية، فيما هذا لا ينطبق على الحوثيين، اذ يتم استخدامها في تمويل أنشطة الحرب الحوثية والحفاظ علـي تماسك الجماعة وإثراء رموزها، ولا تعود بالنفع على المواطنين. ان اثقال كاهل المواطنين بالضرائب والجبايات يفسر أسباب هروب أصحاب الاعمال ورؤوس المال من البلاد، حيث تشير التقديرات الى اغلاق 41٪ من القطاعات المختلفة، 26 منها أغلقت بشكل نهائي، والبعض منها أغلق فروعه من مناطق سيطرة الحوثيين.[10]



وخلال عامين فقط، انخفض الاحتياطي النقدي من 5.2 مليار دولار في العام 2014، الى قل من 700مليون دولار بنهاية أغسطس 2016.[11]



وعلى الرغم من إمتلاك الحوثيين لبنك مركزي، تذهب اليه التدفقات المالية من تلك الروافد الإيرادية، ووزارة للمالية، الا أن تلك الكيانات لا تصدر أي تقارير اقتصادية حول الأوضاع المالية يمكن الاستدلال بها عن أوجه الانفاق، وبشكل عام لا توجد موازنة عامة بالأساس.



وعلى الجانب الاخر، تعتمد الحكومة على الجمارك وبيع النفط والهبات الخارجية، لدفع تكاليف إصلاح البنية التحتية والخدمات الطبية الأساسية والكهرباء، فيما احتفظت مأرب الغنية بالموارد باستقلالها المالي عن الحكومة، حيث أنها تعتمد على بيع الغاز لتمويل الخدمات.. وفي كلا الحالتين فإن الفساد وسوء الإدارة يغلفان النظام المالي للحكومة والسلطة المحلية في مأرب، ويرجع السبب في ذلك بدرجة رئيسية لتعطل دور الأجهزة الرقابية وضعف القضاء.



الخاتمة


إن انهاء حالة الصراع في اليمن مرهون بمدى إستعداد أطراف النزاع لتقديم تنازلات تفضي لإيقاف الحرب والتوصل لجدول زمني يرتب لانتقال سياسي متوافق عليه، وهو ما يرفضه الحوثيون في الوقت الراهن. إذ ان الإبقاء على الوضع الراهن يمنح قادة الحوثيين أفضلية التحكم بالموارد وانفاقها وفق مقتضيات "المجهود الحربي"، كما أن قانون "الخُمُس" الذي أصدرته الجماعة في العام 2020 يمنح من يسمونهم بآل البيت 20 ٪ من الموارد، بما في ذلك الموارد الطبيعية والمستخرجة من باطن الأرض.



والأمر كذلك ينطبق على أمراء الحرب في مناطق الحكومة، إذ أن الحرب وخلال ثمان سنوات صنعت طبقة غنائمية تسلقت سلم الثراء وهي في المقابل تنزع للحفاظ على الواقع الراهن للحفاظ على مكاسبها. كما أن الإبقاء على حالة التفكك القائمة يبقيهم بعيدين عن المساءلة. 



وليد الأبارة



المراجع
________________

[1] ابوظبي ومعضلة خياراتها الجديدة في اليمن، مركز مالكوم كير-كارنيجي للشرق الأوسط، 17 كانون الثاني/يناير 2022. https://carnegie-mec.org/diwan/86216

[2] المبعوث الأممي "يأسف" لعدم التوصل إلى اتفاق لتمديد الهدنة في اليمن، DW، 2/10/2021.

[3] الأمم المتحدة تقدّر بلوغ عدد القتلى بسبب حرب اليمن 377 ألفا بنهاية العام، franc 24، ٢٣/١١/٢٠٢١.

[4] وزير التخطيط اليمني: 90 مليار دولار خسائر مباشرة للاقتصاد في 7 سنوات من الحرب، RT، ٢١/١٠/٢٠٢١.

[5] نفس المرجع السابق.

[6] نفس المرجع السابق

[7] اقتصاد الحرب في اليمن: التدابير الاقتصادية لجماعة أنصار الله “الحوثيين” بعد سبتمبر “2014”، محمد أحمد الحميري، المركز الديمقراطي العربي، 23 يناير 2018.

[8] احمد عليبة، اقتصاد المليشيات المسلح في المنطقة العربية، جماعة أنصار الله الحوثي نموذجا، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يونيو 2021.

[9] نفس المرجع السابق.

[10] نفس المرجع السابق.

[11] نفس المرجع السابق.


احدث المنشورات
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض
Dec 02, 2024
فشل الكوب 29 في حشد التمويل كما في الحشد الدولي لانقاذ المناخ - حبيب معلوف
منشورات ذات صلة
Jan 04, 2022
٢٠٢١... حصاد الحرب والمجاعة في اليمن!
Jul 28, 2021
القطاع الخاص اليمني، بين المسؤولية الاجتماعية وإمكانية المساءلة