Jun 30, 2024
النظام المالي العالمي يفترق عن التنمية: أدلة من تونس – روان الغريب
روان الغريب
باحثة

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات

النظام المالي العالمي يفترق عن التنمية: أدلة من تونس – روان الغريب


مقدمة

كثيرًا ما يعزى تراكم الديون في البلدان النامية إلى عوامل داخلية مثل سوء الإدارة المالية، والفساد، وغياب الاستقرار الاقتصادي[1].i رغم ذلك، يكشف التعمّق بالموضوع أن شكل النظام المالي العالمي يلعب دورًا أكثر أهمية بكثير، وكثيرًا ما ينعكس اختلال توازن القوى هذا داخل الهيكل المالي العالمي في أزمات الديون المتكررة التي تقوض التنمية وحقوق الإنسان.


تملك المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سلطة كبيرة على الدول المقترضة، خاصة أثناء الأزمات، عندما تكون شروط القروض صارمة، حيث كثيرًا ما تشمل برامج التكيف الهيكلي التي تفرض تدابير التقشف والخصخصة، ذات الآثار الاجتماعية والاقتصادية الحادة مثل تقليص الخدمات العامة الأساسية، وزيادة الفقر، واللامساواة. وتسلط التكلفة البشرية لهذه السياسات الضوء على الكيفية التي تطغى بها مصالح المقرضين في كثير من الأحيان على احتياجات التنمية وحقوق البلدان المقترضة. وتؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة وأعباء خدمة الديون إلى مزيد من عرقلة التنمية، حيث يتم تحويل الموارد عن الاستثمارات الحيوية في البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم، مما يؤدي إلى إدامة الفقر. بالإضافة إلى ذلك، فإن اختلال توازن القوى في المفاوضات يحابي المقرضين، ويؤدي إلى اتفاقيات تعزز الاعتماد على الديون وتحد من آفاق التنمية في الدول المقترضة.


أزمات الديون العالمية: نظرة تاريخية

أصبحت أزمات الديون سمة متكررة للاقتصاد العالمي، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى الضغوط الخارجية. ففي القرن التاسع عشر، واجهت دول أمريكا اللاتينية وأوروبا أزمات فاقمتها شروط الإقراض القاسية من الدائنين الأجانب. شهد الكساد الكبير في الثلاثينيات انتشار التخلف عن السداد مع انهيار التجارة العالمية وانعكاس تدفقات رأس المال. وقد تراكمت الديون على البلدان النامية بعد الحرب العالمية الثانية في ظل شروط صارمة وضعتها المؤسسات المالية الدولية. وكانت أزمة الديون في أمريكا اللاتينية في الثمانينيات مدفوعة بارتفاع أسعار الفائدة العالمية وانخفاض أسعار السلع الأساسية. وقد شهدت فترة التسعينيات الأزمة المالية الآسيوية، التي عجل بها هروب رؤوس الأموال المفاجئ والمضاربة على العملة، وتخلف روسيا عن سداد ديونها، متأثرة بديناميكيات السوق العالمية. وشهدت أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أزمة ديون الأرجنتين، في حين أثارت الأزمة المالية العالمية عام 2008 أزمات الديون السيادية في منطقة اليورو. وهيمنت أزمة الديون في منطقة اليورو وتحديات الأسواق الناشئة على العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وأدت جائحة كوفيد-19 في عشرينيات القرن الحالي إلى اقتراض كبير بشروط غير مواتية، مما يطرح المخاوف المستمرة بشأن القدرة على تحمل الديون بسبب الصدمات الاقتصادية الخارجية والظروف المالية العالمية الصارمة.


فشل النظام المالي العالمي: أدلة من تونس

في أعقاب ثورة الياسمين 2010-2011، وافق صندوق النقد الدولي على اتفاق الاستعداد الائتماني لتونس لمدة عامين في حزيران/يونيو 2013، وتسهيل الصندوق الممدد (EFF) في أيار/مايو 2016، وأداة التمويل السريع (RFI) في نيسان/أبريل 2020 بهدف تحقيق الاستقرار في الاقتصاد، والحد من الاختلالات المالية والخارجية وتعزيز النمو.ii لكن تونس ما تزال تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية، بما في ذلك التفاوت في الدخل وارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، على الرغم من مثابرتها في الاستفادة من مساعدات صندوق النقد الدولي.


الجدول 1: معدلات البطالة، 2022

البطالة، مجمل الشباب (% من القوى العاملة)


40.60%

تونس

25%

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

14.30%

العالم

المصدر: مؤشرات التنمية في العالم


ويبين الجدول 1 أن تونس تواجه تحديات اقتصادية كبيرة، حيث يبلغ معدل البطالة بين الشباب 40.6%، وهو ما يتجاوز بكثير متوسط ​​منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغ 25% والمعدل العالمي البالغ 14.3%. ويأتي التباين بين قروض صندوق النقد الدولي التي تهدف إلى زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي من جهة واستمرار ارتفاع معدلات البطالة في تونس من جهة أخرى ليسلّط الضوء على انتشار ظاهرة البطالة، حيث لا يترجم نمو الاقتصاد الكلي تلقائيًا إلى خلق فرص العمل وانخفاض البطالة. وقد أدى التزام تونس بشروط صارمة مثل خفض الدعم، وضوابط الإنفاق العام، والإصلاحات الضريبية، إلى مواجهة سكانها صعوبات كبيرة على المدى القصير، وخاصة بين الفئات المنخفضة والمتوسطة الدخل. ورغم سعي هذه التدابير إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي، فقد أثّرت بشكل غير متناسب على الفئات السكانية الضعيفة، بما في ذلك الشباب، مما أدى إلى تضخيم الفوارق الاقتصادية والتوترات الاجتماعية.


الجدول 2: صافي الثروة الشخصية والدخل القومي قبل الضريبة، 2022

الدخل القومي قبل الضريبة

الدخل القومي قبل الضريبة

صافي الثروة الشخصية

صافي الثروة الشخصية


أعلى 1%

أدنى 50%

 أعلى 10%

أدنى 50%


58%

48.80%

41.40%

16.60%

تونس

75.70%

1.30%

57%

9.20%

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

75.90%

1.90%

53.20%

8%

العالم

المصدر: مؤشرات التنمية في العالم
ملاحظات: تشير الثروة إلى صافي الثروة الشخصية، محسوبة على أنها القيمة الإجمالية للأصول غير المالية والمالية (المساكن والأراضي والودائع والسندات والأسهم وما إلى ذلك) التي تمتلكها الأسر (العمر 20+) مطروحًا منها ديونها. الدخل القومي قبل الضريبة هو مجموع كل تدفقات الدخل الشخصي قبل الضريبة المتراكمة للعمالة (20+) ورأس المال قبل الضريبة ولكن بعد حساب المعاش التقاعدي.


يمتلك الـ50% الأدنى من السكان 16.6% من ثروة البلاد، بينما يسيطر الـ10% الأعلى على 41.4%. أما توزيع الدخل فهو أكثر انحرافًا، حيث يكسب أعلى 1% دخلًا 58% من الدخل الوطني قبل الضريبة، مقارنة بنحو 48.8% لأدنى 50% دخلًا. وتسلط هذه الأرقام الضوء على التفاوتات الشديدة في كل من الثروة والدخل، مما يشير إلى أن الإصلاحات التي يدعمها صندوق النقد الدولي لم تعالج التفاوتات الاقتصادية الأساسية بشكل كاف.


يسود هذا النمط من اللامساواة على المستويين العالمي والإقليمي: ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمتلك أدنى 50% من السكان 9.2% فقط من الثروة بينما يسيطر أعلى 10% على 57%، وعلى مستوى العالم، يمتلك أدنى 50% من السكان 8% فقط من الثروة مقارنة ب53.2% لأعلى 10%.. وبالمثل، من حيث الدخل، فإن النصف الأدنى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يكسب 1.3% فقط من الدخل قبل الضريبة، بينما يكسب أعلى 10% 43.7%. وعلى الصعيد العالمي، يتغير الدخل قبل الضريبة بشكل طفيف إلى 1.9% للنصف الأدنى و38.4% لأعلى 10%. تظهر هذه الأرقام تفشي ياب المساواة الاقتصادية وتشير إلى فشل المؤسسات المالية العالمية في تنفيذ السياسات التي تعالج هذه الفوارق وتحد منها بشكل فعال، مما يؤكد الحاجة إلى استراتيجيات اقتصادية أكثر شمولا وإنصافًا حول العالم.


كما تكشف هذه البيانات عن مدى افتراق النظام المالي العالمي عن الاحتياجات التنموية للأفراد والمجتمعات. وكثيراً ما يعطي هذا النظام الأولوية لمؤشرات الاقتصاد الكلي مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات التضخم، والعجز المالي، ويتجاهل قضايا التنمية البشرية مثل ارتفاع معدلات البطالة، وخاصة بين الشباب، وعدم كفاية الخدمات العامة.


استنتاج

يتعين على البلدان الغنية والمتقدمة إدراك أن إصلاح النظام المالي العالمي يشكل ضرورة أخلاقية واقتصادية يستفيد منها الجميع. تساهم التنمية المستدامة وزيادة المساواة الاقتصادية في البلدان النامية في تحقيق اقتصاد عالمي أكثر استقرارًا ومرونة. في المقابل، فإن الافتقار إلى الإصلاحات يزيد من خطر التخلف عن السداد والاضطرابات الاجتماعية. ومن خلال مواءمة النظام المالي العالمي مع احتياجات التنمية لكل الدول، يمكننا خلق سيناريو مربح للجانبين: تعزيز النمو العادل والاستقرار في البلدان النامية مع حماية المصالح الاقتصادية والأمنية للدول المتقدمة. كما يشكّل تعزيز التعاون العالمي من خلال الشراكات المتعددة الأطراف، ومواءمة السياسات المالية مع أهداف التنمية المشتركة، وتعزيز الشفافية في الاتفاقيات، ضرورة أساسية لمعالجة التحديات المترابطة في عصرنا. وسيؤدي تشجيع مشاركة منظمات المجتمع المدني في الدعوة والرصد إلى تعزيز الممارسات المالية العادلة وإسماع أصوات المجتمعات المحلية، مما يخلق مستقبلًا عالميًا أكثر إنصافًا واستدامة.


روان الغريب


تم نشر هذه المقالة كجزء من سلسلة مقالات اعدها المشاركون والمشاركات في الأسبوع الدراسي لعام 2024 ولا تعكس بالضرورة آراء شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية (ANND).


المراجع
World Bank Group. Global Waves of Debt: Causes and Consequences. World Bank, April 24, 2024.  https://pubdocs.worldbank.org/en/377151575650737178/Debt-Chapter-1.pdf
“World Development Indicators | DataBank.” https://databank.worldbank.org/source/world-development-indicators.
WID - Wealth and Income Database. “Home - WID - World Inequality Database.” WID - World Inequality Database. Last modified January 19, 2022. https://wid.world/.
IMF Country Report No. 20/103: Request for Purchase Under the Rapid Financing Instrument IMF. Last modified January 19, 2022. https://www.imf.org/-/media/Files/Publications/CR/2020/English/1TUNEA2020001.ashx
i https://pubdocs.worldbank.org/en/377151575650737178/Debt-Chapter-1.pdf
ii https://www.imf.org/-/media/Files/Publications/CR/2020/English/1TUNEA2020001.ashx
Arabic version of footnote link:
https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2019/12/19/debt-surge-in-emerging-and-developing-economies-is-largest-fastest-in-50-years



احدث المنشورات
Jun 30, 2024
العدالة المناخية والإدماج الجندري في أفريقيا - ويليفريدا سيتسي جون
Jun 30, 2024
سداد الديون والعدالة الاجتماعية: فعل توازن - جراسيا نداناتسي ماشينجيدزي