Feb 10, 2025
اللاجئون الفلسطينيون والأونروا وتداعيات الطوفان - جابر سليمان
جابر سليمان
باحث

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
جابر سليمان

اللاجئون الفلسطينيون والأونروا وتداعيات الطوفان - جابر سليمان

 

 

اللجوء الفلسطيني هو الأطول في التاريخ المعاصر منذ نشوء ما يسمى "النظام الدولي للاجئين" في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ويختلف اللجوء الفلسطيني عن حالات اللجوء الأخرى التي شهدها العالم منذ ذلك الوقت، كونه نشأ نتيجة لاقتلاع شعب من أرضه (حالة استعمار استيطاني إحلالي). ولذلك، فللاجئين الفلسطينيين خصوصيتهم في النظام الدولي للاجئين، حيث أنهم لا يخضعون لحماية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR كبقية لاجئي العالم، بل لحماية الأونروا، وهي حماية إغاثية relief protection تختلف عن الحماية القانونية التي توفرها المفوضية. وعلى أية حال، يعتبر الفلسطينيون الحماية مسألة ثانوية قياساً إلى حقهم في العودة وتقرير المصير.



ظلت قضية اللاجئين وحقهم في العودة القوة المحركة للنضال الوطني الفلسطيني المعاصر، طوال العقود التي تلت النكبة. ومنذ خمسينيات القرن الماضي، وصولاً إلى طوفان الأقصى، تعرضت، ولا تزال تتعرض، قضية اللاجئين الفلسطينيين لمحاولات التصفية، مع ما يستتبع ذلك من طرح مشاريع للتهجير والتوطين وشطب حق العودة. ولطالما تمحورت تلك المحاولات والمشاريع على استهداف الأونروا، التي يحسد وجودها قي حدّ ذاته، المسؤولية الدولية عن خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ووجوب حلّها، وفق أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ذات الصلة، وفي مقدمها القرار (194/1948)[1] المتعلق بحق العودة، والقرار (3236/1974)[2]، الذي يربط حق العودة على نحو وثيق، بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.


تداعيات الحرب على الأونروا فبل الطوفان وبعده



خلال العقدين الأخيرين، تعرضت الأونروا لحملة إسرائيلية / أميركية شرسة ومنسقة تشكك في مبرر وجودها سياسياً وأخلاقياً، وتتهمها بالعمل على إدامة مشكلة اللاجئين وتأبيدها، بدلا من حلّها، وتدعو إلى دمجها في المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد تصاعدت تلك الحملة خلال عهد إدارة ترامب السابقة، وقادها صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنير، إلى جانب مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط من أجل السلام، جاسون غرينبلات.


وحينها اتخذت تلك الإدارة في 31/8/2018 قراراً بقطع الدعم المالي عن الأونروا كلياً. وقبل اقدام إدارة ترامب على تلك الخطوة، كانت مجلة فورين بوليسيForeign Policy قد كشفت بتاريخ 3/8/2018 أنهما، خلال زيارتهما للأردن في حزيران/ يونيو 2018، مارسا ضغطاً كبيراً على الحكومة الأردنية من أجل دفعها إلى تجريد أكثر من مليونَي لاجئ مسجلين لدى الأونروا في الأردن من وضعهم القانوني كلاجئين. وبحسب المجلة، أبدى كوشنير استعداده لتحويل قيمة الدعم الأميركي للأونروا (نحو 300 مليون دولار) إلى الأردن والدول المضيفة مباشرة، على أن يتمّ توطين اللاجئين الفلسطينيين في تلك الدول، والقيام بوظيفة الأونروا.


ولم تتوقف الحملة بحق الأونروا خلال إدارة بايدن اللاحقة، ولكنها اتخذت، منذ طوفان الأقصى، منحى دراماتيكياً خطيرا. فبعد أقل من ثلاثة أشهر على هذه الحرب نقل موقع "تايمز أوف إسرائيل" (The Times of Israel) تقريراً عن القناة 12 العبرية في29/12/2023، يكشف تفصيلات وثيقة سرية لوزارة الخارجية الإسرائيلية، سُرّبت إلى القناة، وترمي إلى استبعاد الأونروا من غزة في مرحلة ما بعد الحرب. وتوصي الوثيقة بتطبيق خطة متدرجة من ثلاث مراحل لتحقيق هذا الهدف: تتضمن المرحلة الأولى إعداد تقرير شامل بشأن ما تدّعيه إسرائيل من أن الأونروا تتعاون مع حركة "حماس"؛ تتضمن المرحلة الثانية تقليص عمليات الأونروا في المناطق الفلسطينية، بينما يجري البحث عن منظمات أُخرى لتقديم خدمات التعليم والخدمات الاجتماعية؛ يتم في المرحلة الثالثة نقل وظائف الأونروا كلها إلى الهيئة التي ستحكم غزة وتديرها ما بعد الحرب.



وجاءت جميع إجراءات إسرائيل اللاحقة وغير القانونية بحقّ الأونروا، تطبيقاً لتلك الخطة السرية، التي بلغت ذروتها في إقرار الكنيست بتاريخ 28/10/2024 لقانونين يرميان إلى وقف وحظر أنشطة الأونروا في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. ووفقاً لصحيفة "الجيروزاليم بوست"، ينصّ اقتراح القانون الأول على منع الأونروا من "تشغيل أي مؤسسات، أو تقديم أي خدمات، أو القيام بأي أنشطة، بشكل مباشر أو غير مباشر" في إسرائيل، بينما ينصّ الثاني على إنهاء صلاحيات المعاهدة التي وُقّعت بين إسرائيل والأونروا في أعقاب حرب [3]1967، بحيث ألّا تُجري وكالات إسرائيلية ولا ممثلون عن إسرائيل أي اتصالات مع الأونروا أو ممثلين عنها، بعد مرور ثلاثة أشهر على تصويت الكنيست النهائي عليه.



إن حظر الاتصال والتواصل مع الأونروا من شأنه أن يلغي جميع الامتيازات التي مُنحت للأونروا بموجبها، وهي: حماية منشآت الأونروا وأملاكها؛ حرية الحركة لمركبات الأونروا من إسرائيل وإليها؛ حماية موظفي الأونروا (محليين وأجانب) ومنحهم الوثائق اللازمة لمزاولة عملهم، والسماح لهم بحرية الحركة في المناطق المعنية. إن إلغاء هذه الامتيازات كلها سيخلق مشكلات شديدة لعمليات الأونروا الجارية في الضفة الغربية، وفي غزة، وسيجعلها أشدّ تعقيداً. وبحسب صحيفة "هآرتس" في 28/10/2024، فإن من شأن هذا القانون الثاني الذي تضمّن إلغاء التسهيلات الضريبية، أن يصعّب من تعامل البنوك الإسرائيلية مع الأونروا، وهو ما قد يؤدي إلى انهيارها الإداري في الضفة وغزة.


صحيح أن خطوة الكنيست هذه اتُّخذت في سياق الحرب على غزة، من أجل مفاقمة الوضع الإنساني أكثر، خدمة لأهداف الحرب، ووصولاً إلى استبعاد الأونروا كلياً، ممّا يسمى ترتيبات اليوم التالي. ولكن يجب رؤيتها من منظور أشمل، وهو منظور الهجمة الممنهجة على الأونروا، منذ ما قبل الطوفان حتى اليوم، بعناوينها الأساسية التي باتت معروفة (تجفيف مواردها المالية؛ إيجاد بدائل منها في تقديم الخدمات؛ تصفيتها، إن أمكن، عبر نقل صلاحياتها إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين)، وصولاً إلى إعادة تعريف الأونروا ل "لاجئ فلسطين"، بحيث يقتصر على من بقي على قيد الحياة من الجيل الأول من النكبة، وبالتالي تصفية حقّ العودة للأجيال اللاحقة.


ومع دخول القوانين الإسرائيلية حيز التنفيذ في نهاية شهر كانون الثاني الجاري، وابلاغ إسرائيل الأمم المتحدة بذلك، توالت الحرب الإسرائيلية الأمريكية على الأونروا، فكان من بين القرارات التنفيذية التي وقعها ترامب خلال زيارة بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض، قرار يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والأونروا (4/2/2025)، ما يعني التماهي مع قوانين الكنيست، ووقف التمويل الأمريكي للأونروا البالغ ثلث موازنتها الاعتيادية. وفي الإطار الأشمل من الحرب على الأونروا، المتعلق بتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، وقع ترامب، وبحضور نتنياهو، على قراره الصادم بوضع اليد على غزة وتهجير سكانها إلى مصر والأردن وبلدان أخرى ووقف التمويل عن منظمة الصحة العالمية.



جوبه مشروع ترامب هذا بموقف فلسطيني وطني جامع، رافض للتهجير والتوطين في أي مكان آخر خارج فلسطين، وثانيا، بموقف مصري وأردني وعربي رافض بشكل قاطع للفكرة من حيث المبدأ، كما لاقى استنكارا دوليا واسعا من غالبية حلفاء أمريكا الأوروبيين وغير الأوروبيين. هذا فضلا عن موقف الأمم المتحدة بكافة هيئاتها والمجتمع الحقوقي العالمي، الذي اعتبر " تنظيف غزة" انتهاكاً فاضحاً لمبادئ القانون الدولي، وجريمة تطهير عرقي، ترقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية. وحتى داخل الكيان الصهيوني، شككت بعض الأوساط السياسية والأمنية في إمكانية قابليته للتطبيق.



وفي رأينا تنتمي فكرة ترامب إلى حقبة التوسع الاستعماري فيما وراء البحار في القرن التاسع عشر، التي ولّى زمانها، وهي استكمال لوعد بلفور الذي قطعته بريطانيا الاستعمارية للحركة الصهيونية في القرن الماضي. وقد وصفتها صحيفة نيويورك تايمز، بحق " الفكرة الأوقح لزعيم أمريكي منذ سنوات طويلة".



وفي التحليل النهائي، يبقى التعويل على الشعب الفلسطيني والوطنية الفلسطينية، التي أسقطت في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي مشاريع تهجير وتوطين الفلسطينيين (صحراء سيناء، غور الأردن ووادي الغاب)، فالشعب الفلسطيني لن يكرر أبدا نكبة عام 1948. وطوفان عودة الغزيين إلى شمال غزة المدمر، فور وقف إطلاق النار، لهو البرهان الأسطع على تجذر فكرة العودة في الوجدان الشعبي والوعي الجمعي الفلسطيني.



[1]  قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 هو قرار تم تبنيه قرب نهاية حرب فلسطين 1947-1949. يحدد القرار مبادئ الوصول إلى تسوية نهائية وإعادة لاجئي فلسطين إلى ديارهم

[2] اعتمدت الأمم المتحدة قرار يحمل الرقم 3236 في 22 نوفمبر 1974 بموافقة 89 صوتاً مقابل رفض 8 وامتناع 37، ويحمل هذا القرار عنوان «حقوق الشعب الفلسطيني» وفيه يؤكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين.

[3]  تنص الاتفاقية المؤرخة في 14 يونيو/حزيران1967 - بعد حرب الأيام الستة - على موافقة الحكومة الإسرائيلية على مواصلة الأونروا مساعدتها للاجئين الفلسطينيين، بالتعاون الكامل من السلطات الإسرائيلية، في منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

جابر سليمان

 

 

احدث المنشورات
Feb 11, 2025
النشرة الشهرية عدد: شباط/فبراير 2025 - التطورات في فلسطين
Feb 10, 2025
حلّ الدولتين بين تشاؤم العقل وتفاؤل الارادة - عزت عبد الهادي