الفضاء المدني في الجزائر في بداية عام 2024: تحديات تشريعية وسياسية تصادر كل الحريات
الفضاء المدني في الجزائر في بداية عام 2024: تحديات تشريعية وسياسية تصادر كل الحريات
عرفت بداية السنة الجارية تفاقما للتحديات أمام الفضاء المدني في الجزائر مع استمرار استراتيجية التضييق وخنق ما تبقى من مساحات التعبير السياسي والمدني.
ولدّت فالأشهر الأربع الأولى من هذا العام تحديات جديدة سببَّتها تعديلات بعض القوانين ما من شأنه منح مختلف الأجهزة التنفيذية إمكانية الحد أكثر من حرية التعبير، وحرية الصحافة وحرية التجمع والتنظيم و غيرها من الحريات. وكل هذه التحديات هي استمرار لتخوف السلطات من الحراك الشعبي الذي زعزع أركان منظومة الحكم في ربيع 2019.
من أبرز التشريعات التي عدلت، قانون العقوبات الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه في ربيع 2024 و صدر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية في العدد 30الصادر في 30أفريل نيسان.حيث استخدم هذا القانون مفهوم "المصلحة الوطنية" للتضييق أكثر على الفضاء المدني، من دون تحديد المعنى القانوني الدقيق للمصلحة الوطنية، وإبقائه قيد تقدير الضبطية القضائية و المحاكم والقضاة.
فقد أقرت المادة 96 على عقوبة بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة مالية "كل من يوزع أو يضع للبيع أو يعرض لأنظار الجمهور أو يحوز بقصد التوزيع أو البيع أو العرض بغرض الدعاية، منشورات أو نشرات أو أوراقاً أو فيديوهات أو تسجيلات صوتية من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية"، كما تنص على أنه "إذا كانت المنشورات أو النشرات أو الأوراق أو الفيديوهات أو التسجيلات الصوتية من مصدر أو وحي أجنبي، تُضاعف العقوبة". ويجوز للجهة القضائية، علاوة على ذلك، أن تقضي بعقوبة الحرمان من الحقوق وبالمنع من الإقامة".
كما شددت هذه التعديلات العقوبات بحق المتورطين في جرائم تسريب الوثائق والمعلومات السرّية المتعلقة بالأمن والدفاع والاقتصاد الوطني، وما يوصف بـ"الخيانة الوطنية" التي تستدعي تسليط عقوبة السجن مدى الحياة.
وأطلق القانون ايضاَ وصف "الخيانة" على أفعال محددة تخص التخابر وتسليم وثائق ومحررات سرية تخص مسائل الأمن والدفاع الى جهة أجنبية، حيث تنص إحدى مواده على أنه "يعد مرتكبا لجريمة الخيانة ويعاقب بالسجن المؤبد كل جزائري يقوم بتسريب معلومات أو وثائق سرية لمصلحة الأمن أو الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لفائدة دولة أجنبية أو أحد عملائها".
وأقرّ القانون تسليط عقوبات غليظة في حق المتورطين فيما تصفه بفعل "الخيانة"، إذ "يعاقب بالسجن من 20 إلى 30 سنة كل من يقوم بتسريب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن أو الدفاع الوطني أو الاقتصاد الوطني عبر وسائل التواصل الاجتماعي قصد الإضرار بمصالح الدولة الجزائرية أو باستقرار مؤسساتها".
كما يشدد القانون العقوبات بحق الكتاب والمدونين والنشطاء السياسيين، ممن يشككون في الجيش والمؤسسات الأمنية، واعتبرت ذلك "مساسا بالروح المعنوية للجيش"، فيعاقب "بالسجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات وغرامة مالية تصل إلى مليون دينار جزائري كل من يساهم وقت السلم في مشروع لإضعاف الروح المعنوية للجيش الوطني الشعبي أو الأسلاك الأخرى، يكون الغرض منه الإضرار بالدفاع أو الأمن الوطنيين وهو يعلم بذلك".
كما تشرع إحدى مواد القانون توفير الحماية القانونية لأفراد القوة العمومية والأجهزة الأمنية في حال ارتكابهم أفعالا خلال أداء مهمة تخص محاربة الجريمة، وتشير المادة إلى أنه "تعد مبررة الأفعال التي يرتكبها أفراد القوة العمومية أثناء أو بمناسبة ممارسة مهامهم لوضع حد للجريمة"، إذا أفضت التحقيقات التي تباشرها السلطة القضائية إلى إثبات قيام عناصرها "بما يدخل ضمن الحالات الضرورية للدفاع المشروع؛ القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع الاعتداء عن حياة الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة وتوابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل، والفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة".
كما حافظ القانون على المادة 87 مكرر التي يمكن من خلالها متابعة نشطاء سياسيين بتهمة الإرهاب والتي كانت مثار تنديد واستنكار واسع في الجزائر والخارج، بعد إدراجها سنة 2021. وكان المقرر الأممي المعني بالتجمعات قد دعا لإلغاء هذه المادة من القانون، لكن السلطات لا تزال ترى مبررا لوجودها.
وقد زادت هذه التعديلات من مجال التضييق القانوني على كل الحريات بما فيها حرية الصحافة و التعبير، وهي استمرارية لكل التشريعات التي صدرت بعد قمع مسيرات الحراك الشعبي نهاية عام 2021 كقوانين الاعلام و الصحافة المكتوبة و الالكترونية و النشاط السمعي بصري التي صدرت نهاية العام الماضي.
وهي كلها تشريعات أعطت و تعطي الأسس القانونية لاستمرار اعتقال الصحفيين و النشطاء السياسيين و التضييق على المؤسسات الإعلامية و الأحزاب السياسية و جمعيات المجتمع المدني.
وكل هذه المؤشرات تبين ان التحديات ستزداد أكثر مع إعلان تقديم الانتخابات الرئاسية إلى يوم 7 سبتمبر أيلول عوض ديسمبر كانون الأول. حيث تبين كل الوقائع والأحداث أن السلطة في الجزائر لا تريد اية انتخابات مفتوحة على التنافس، بقدر ما تريد فرض مرشحها في قصر الرئاسة، و لا تريد أن تفتح هذه الانتخابات أي أفق لممارسة الحريات.
استمرار صدور التشريعات التي تضيق على كل الحريات ، و تواصل القمع في الأشهر الأربع الأولى من هذا العام، تؤكدها العديد من الأحداث، حيث لا يزال الصحفي القاضي إحسان قابعا في السجن بحكم بـ 7 سنوات سجنا منها 5 نافذة عن تهمة التمويل الأجنبي لغرض الدعاية السياسية وفقا للمادة 95 مكرر من قانون العقوبات التي تعاقب كل من يحصل على أموال أو هدايا أو امتيازات للقيام بأعمال من المحتمل أن تضر بأمن الدولة”. رغم أن الصحفي ودفاعه أكد أنه لم يتلق تمويلا أجنبيا، وذكروا في المحاكمة أن المبلغ الذي على أساسه كُيَِفت هذه التهمة هو مساعدة من ابنته للمؤسسة على اعتبار أنها أحد مساهميها.
كما منعت قوات الأمن الجزائري، يوم 29 فبراير شباط 2024 ، انعقاد ندوة حول "العدالة الانتقالية"، بمقر جمعية “أس او أس المفقودين”، بالجزائر العاصمة.
ورغم كل الدعوات لإطلاق سراح أكثر من 228 معتقل رأي، ما تزال الحكومة تنفي وجود معتقلي رأي و تقول ان هؤلاء سجناء حق عام يتابعون بحكم قانون العقوبات.
و في ظل الحرب على غزة، ورغم محاولات التظاهر للتنديد بالحرب، استمرت الحكومة في منع التظاهر، حيث لم ترخص السلطة إلا لتظاهرة واحدة تمت الدعوة لها من قبل جمعيات و أحزاب موالية لها، و منعت كل التظاهرات الأخرى، وهو ما فسره الكثير من المتابعين على أنه يعبر عن استمرار تخوف السلطة من عودة مسيرات الحراك الشعبي التي أطاحت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة و التي تم قمعها بعد أن طالبت بتغيير شامل لمنظومة الحكم.