الرئيس التونسي المحاصر في سباق مع الوقت - ألكسندر كوزول-رايت
بعد أكثر من عقد بقليل منذ أن أشعلت الاحتجاجات في مدينة سيدي بوزيد شرارة الربيع العربي، جاءت أحداث الشهر الماضي لتقوّض ادعاءات تونس بأنها الديمقراطية الوحيدة التي خرجت من تلك الاضطرابات الشعبية.
في 30 آذار/مارس، حل الرئيس قيس سعيد البرلمان التونسي بعد أن صوّت أكثر من نصف أعضاء المجلس لإلغاء الإجراءات التي قررها في تموز/يوليو 2021، عندما علق البرلمان وعيّن رئيسًا جديدًا للوزراء.
يأتي مرسوم سعيد الأخير بعد شهر من حلّه للمجلس الأعلى للقضاء، الذي يعتبر أحد آخر المؤسسات العامة المستقلة في تونس. ثم قام بعد فترة وجيزة بمنع التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني.
يتعرّض الرئيس سعيد (وهو أستاذ قانون سابق) للانتقادات حول رغبته في إعادة تشكيل جهاز الدولة التونسي ليتمكن من تجاوز الأحزاب السياسية. في الواقع، يمكن أن يُعزى انتصاره الساحق في عام 2019 إلى حد كبير إلى إحباط الناس من التحالفات الضروس التي حددت سنوات ما بعد الربيع العربي، والتي أدّت إلى تشكيل عشر حكومات في أقل من عقد.
ومع ذلك، يرى الكثيرون في خطوة سعيد الأخيرة سابقة بالغة الخطورة، حيث خرج آلاف المتظاهرين إلى شوارع العاصمة التونسية الأحد الماضي مطالبين بإنهاء ما وصفوه بالاستيلاء على السلطة.
احتج المتظاهرون على رغبة السيد سعيد بإعادة تونس إلى رئاسة تنفيذية مماثلة لتلك التي تمتّع بها زين العابدين بن علي، الزعيم التونسي السابق الذي أطيح به في عام 2011 بعد 23 عامًا في السلطة.
بغض النظر عما إذا كانت الدولة ستعود إلى نظام ديمقراطي أو تنزلق أكثر نحو الحكم الاستبدادي، فهي تواجه الصدمات الاقتصادية منذ قبل الأزمة السياسية.
ارتفع العائد حتى تاريخ الاستحقاق في سندات اليورو التونسية 2027 من 11.1٪ في الأول من فبراير إلى 15.6٪ في وقت سابق من شهر نيسان/ابريل، مما يعكس ارتفاع مخاطر السوق. عادةً ما تقوض فترات عدم اليقين السياسي ثقة المستثمرين في قدرة الحكومة على خدمة ديونها، مما يؤدي إلى ارتفاع العائدات.
ويمكن تفسير التقلبات في سوق السندات التونسية أيضًا من خلال الغزو الروسي الأخير لأوكرانيا، الذي زاد من الضغط على الاقتصاد التونسي المتعثر. كما إن اعتماد تونس على الوقود المستورد والقمح (وكلاهما مدعوم بشدة) جعلها واحدة من أكثر الاقتصادات ضعفًا في إفريقيا.
وقد صرّح وزير الاقتصاد سمير سعيد لوكالة رويترز في مارس/آذار إن الآثار غير المباشرة للصراع الروسي الأوكراني ستكلّف تونس قرابة خمس مليارات دينار (1.7 مليار دولار) هذا العام. كما فاقم تضخيم أسعار السلع الأساسية من المخاوف بشأن المالية العامة التونسية المتهالكة، والتي تأثرت بالفعل بسبب الإنفاق الطارئ المرتبط بفيروس كورونا.
مؤخرًا، قامت كابيتال إيكونوميكس، وهي شركة استشارية مقرها لندن، بتوقّع أن التوترات المحلية والجيوسياسية الحالية ستجبر عجز الحساب الجاري التونسي على التوسع إلى 9.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ارتفاعًا من 6.8٪ في عام 2021.
سيؤدي ذلك إلى فجوة كبيرة بشكل مقلق بين إجمالي احتياجات التمويل الخارجي لتونس (مجموع عجز الحساب الجاري وسداد الديون الخارجية قصيرة الأجل) واحتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي.
بالنظر إلى المستقبل، تتضاءل خيارات السياسة المتاحة لمعالجة عقبات السداد التي تواجهها تونس. ويقول المسؤولون هناك إنهم يخططون لخفض الدعم على المواد الغذائية والوقود بشكل تدريجي اعتبارًا من الشهر المقبل، لكن علامات الاستفهام لا تزال قائمة حول الجدول الزمني للسياسة التي يقصدها السيد سعيد.
نعلم أنه يريد إجراء استفتاء دستوري في تموز/يوليو وانتخابات برلمانية جديدة في كانون الأول/ديسمبر. وبينما ألمح السيد سعيد إلى ضبط أوضاع المالية العامة، بما في ذلك خفض أجور القطاع العام وتخفيض الدعم، فإن الاعتبارات السياسية قد تؤخر إجراءات التقشف.
كما يدرك الرئيس أن التخفيض المالي قد يدفع على الأرجح الاتحاد العام التونسي للشغل - أكبر نقابة عمالية في البلاد وأكثرها نفوذاً من الناحية السياسية - إلى الدعوة إلى إضراب عام، مما قد يزيد من تقويض الإنتاج.
ولذلك، نرى حزمة إقراض جديدة مع صندوق النقد الدولي في الأفق القريب. فحتى قبل الحرب في أوكرانيا، كان يبدو أنه من غير المحتمل أن تتمكّن تونس من سداد مدفوعاتها الخارجية في 2022/23 دون مساعدة متعددة الأطراف.
وفي حين يتردد الرئيس بشكل مفهوم في الدخول في برنامج تحوّل بقيادة صندوق النقد الدولي، خاصة على خلفية اقتصادية صعبة، فقد تكون أموال البنك الذي يتخذ من واشنطن مقراً له أحد خياراته الأخيرة لدرء أزمة ديون كاملة. علاوة على ذلك، سيسمح برنامج الصندوق للسيد سعيد بإبعاد المسؤولية عن سياسات التقشف.
في الوقت الحالي، تؤدّي مناورات السيد سعيد السياسية إلى صب الماء البارد على الصفقة مع الصندوق. علاوة على ذلك، خفّضت إدارة الولايات المتحدة تمويل وزارة خارجيتها بمقدار 90 مليون دولار أمريكي (النصف تقريبًا) لعام 2023، وربطت التخفيض بشكل صريح بـ"التراجع الديمقراطي".
ويبدو أن سعيد قد التمس فرصة في الأسابيع الأخيرة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمحاولة سد فجوات التمويل في تونس. لكن المالية العامة الهزيلة للبلاد تبدو بلا حماية ضد إعادة هيكلة الديون السيادية إلّا إذا وصلنا إلى صفقة في اللحظة الأخيرة.
في مذكرة بحثية نُشرت في 21 آذار/مارس، صرح بنك الاستثمار الأمريكي مورغان ستانلي أنه بينما يتوقع إبرام تونس لصفقة مع صندوق النقد الدولي في وقت مبكر من العام المقبل، "من المحتمل أن تتدهور الأساسيات في غضون ذلك، مع احتمال حدوث تعثر في المستقبل القريب."
جاء تحذير البنك بعد أيام من خفض وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية لتونس من B- إلى CCC، مما يعكس ارتفاع مخاطر المالية العامة والسيولة المرتبطة بالتأخر في تأمين حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.
يسير سعيد على حبل مشدود بين ضبط أوضاع المالية العامة والمعارضة المحلية. فكلما طالت فترة استعادة الاستقرار السياسي، أصبحت تونس أقرب إلى السقوط في الهاوية الاقتصادية.
ألكسندر كوزول-رايت مستشار في شبكة العالم الثالث في لندن