التمويل المناخي العادل: بين ضعف الإرادة وسوء الإدارة - هلا مراد
يُنظر إلى تغيّر المناخ بشكل مباشر على أنه قضيّة بيئيّة علميّة، تؤثر اليوم على ملايين البشر وتهدّد حياتهم وأرزاقهم ورفاههم. يعيش الإنسان في ظل مجموعة مخاطر مركّبة، مخاطر الأمر الواقع وخطورة اللايقين بالتوقعات، وخطورة المستقبل المبهم كما في جزر المحيطات (دولة فيجي على سبيل المثال).
الواضح والمؤكد انه لا يوجد إقليم في العالم غير مهدد بتبعات تغيّر المناخ، كما أظهر التقرير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية IPCC في منتصف عام 2021. بيّن التقرير أن زيادة التغيرات والتأثيرات ستطال الجميع مع وجود تفاوت في القدرة على تحمّل ذلك.
منذ قمة الأرض عام 1992، بدأ العالم بالاعتراف بحقيقة وأهمية قضية تغيّر المناخ، وبات العمل الدولي التعاوني هو ما يُطمح للوصول اليه. مع زيادة زخم الأبحاث العلمية والرصد والمتابعة والتقييم، بات جلياً للجميع أن هناك مسؤولية تاريخية تقع على كاهل من تضخمت ثرواتهم نتيجة الثورة الصناعية، وأصبح السؤال الأساسي هو: على من تقع المسؤولية الأخلاقية؟
بدأت الأطراف بالدعوة للتنظيم وإيجاد آليات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة من أجل العمل بشكل متّزن وفعّال، بحيث يُقسّم هذا العمل بين التخفيف من الأسباب المؤدية لتغيّر المناخ أي تقليل الانبعاثات بكل الطرق الممكنة من جهة، والتكيف مع تبعاته من جهة اخرى، حيث يكون حشد الأموال اللازمة للمواجهة والحد والتكيف مع كل مظاهر التغيرات المناخية على رأس أولويات الجهود المبذولة.
مؤتمرات الأطراف والتمويل المناخي
شكل العام 2009 عاماً فارقاً في مسيرة مؤتمرات تغيّر المناخ حيث شهدت العاصمة الدنماركية في مؤتمر الأطراف الخامس عشر - كوبنهاجن تعهد الأطراف بحشد 100 مليار دولار أمريكي سنوياً بغية تمويل مكافحة تغيُّر المناخ لصالح البلدان النامية حتى عام 2020، الأمر الذي أنعش آمال الدول والنشطاء حول العالم بمرحلة جديدة وجدّية يمكن من خلالها جعل المسؤولية المالية طريق للحد من التلوث الأحفوري والعدالة المناخية وإجبار العالم على الاتجاه نحو تحقيق الهدف الأسمى وهو حماية الكوكب.
كان قد سبق مؤتمر الأطراف الخامس عشر، 14 مؤتمرا اجتهدت بها الدول النامية ودول المواجهة الرئيسية لتبعات تغيّر المناخ في العمل والحشد من أجل جعل قضية تغيّر المناخ قضية عدالة دولية تقر بها وتتعهد الدول المسبّبة تاريخيّا لانبعاثات الغازات وتغيرات المناخ بحشد الأموال لصالح الدول النامية.
هل كانت آليات التمويل عادلة وكافية!
ما حدث بعد كوبنهاجن لم يكن كافياً ولكنه يؤشر لحسن النوايا لدى الدول الفقيرة والنامية، ولكن يمكن تقييم عدالة الإجراءات ضمن محورين:
اولاً، بطء الإجراءات وتعقيدها، فقد كانت أولى استحقاقات التمويل إيجاد صندوق المناخ الأخضر عام 2010 الذي رُصد له ما يقارب 10.3 مليار دولار منذ تأسيسه. ولكن هذا لم ينفّذ قبل عام 2014 أي بعد 4 سنوات من تأسيس الصندوق و6 سنوات من قرارات كوبنهاجن، ولم تكن عملية جمع الأموال من الدول عملية سهلة، ففي عام 2014 لم يتم تحصيل إلا 7.2 مليار فقط على غرار الصناديق المشابهة لتمويل التنمية في الدول الضعيفة والفقيرة. أقر الصندوق وجود آلية معقدة لاعتمادية قبول المشاريع الممولة. على سبيل المثال لا يوجد في الأردن أي جهة حاصلة على اعتماد من الصندوق لليوم رغم أن هنالك جهات وطنية تسعى لذلك، ورغم ذلك فإن الأردن ومن خلال منصة الصندوق الإلكترونية حاصل على تمويل 7 مشاريع مختلفة عبر هيئات ومنظمات دولية.
كل هذه المعطيات ترسخ ان هدف خلق الكيانات الأممية والمنظمات هو تقويض إرادة الدول والشعوب وتنفيذ المشاريع واخذ المنح بالوكالة دون ان يكون هنالك أي آلية واضحة للمحاسبة والمراقبة متاحة من أجل التأكد من مدى كفاءة تنفيذ المشاريع وصرف المنح، بحيث تلغي أي دور رقابي للدولة او لمنظمات المجتمع المدني الوطنية أو حتى الشعوب والأفراد، فالكفاية والعدل يحتاجان الى مزيد من النضال لضمان أن الأموال المرصودة تنفق بالشكل الأمثل.
ثانيًا، اللاعدالة التمويلية كانت من خلال أصل قرار كوبنهاجن والذي أكده اتفاق باريس بحشد 100 مليار دولار ولكنه تبين ان ما تم جمعه هو 79.6 مليار دولار عام 2019 ليبقى حلم ال 100 مليار بعيدا حتى بعد عام 2020. وفي مؤتمر الأطراف الأخير الذي عقد في غلاسكو في نوفمبر 2021، علت أصوات الدول النامية مطالبة بحقها المتفق عليه، على ان يبقي تعهد ال 100 مليار قائم مع فرصة جديدة للوفاء به حتى 2023 مع إضافة نوعية مرتبطة بطرق توزيع الأموال. فقد دعت الأمم المتحدة الى اتباع استراتيجية 50 - 50 التخفيف والتكيف لتقاسم الأموال بالتساوي، وذلك تماشيا مع ما يفرضه تغير المناخ من آثار تعاني منها المجتمعات التي أضحت بحاجة شديدة للتكيف مع الظروف المناخية المتطرفة والمتطورة. ولكن يبقى كل ذلك محكوم بحجم الإنفاق الذي اقرته الأمم المتحدة، فقد أظهرت دراسة أن كل دولار يتم التعهد به لمواجهة أزمة المناخ من أجل فقراء العالم، يقابله أربع دولارات يتم انفاقها على دعم الوقود الأحفوري مما يتسبب في استمرار وجود أزمة المناخ.
من تمويل التخفيف الى تمويل التكيف تحريم جبر الضرر
في عام 2021 العام الذي صنف من أسخن 6 أعوام على الإطلاق، وجدنا أنه وعلى عكس كل التوقعات التي كانت تفيد أن العالم النامي سيكون في المواجهة الأساسية لتغير المناخ، كانت دول وسط أوروبا، وكندا، وامريكا والتي تعتبر دول متقدمة وتملك القدرات والبنية التحتية تتعرض لحوادث متطرفة مناخيا أدت الى كثير من الأضرار والخسائر على الصعيدين البشري والمادي. رغم تعالي أصوات الدول النامية ما قبل اتفاقية باريس من أجل إيجاد آلية تمويل خاصة للأضرار والخسائر التي ليست ضمن إجراءات التخفيف ولا التكيّف المحتملات بل لجبر الضرر الحاصل فعلا، فقد قدرت الخسائر التي تعرضت لها الدول النامية جراء تغير المناخ من 290 – 580 مليار دولار أمريكي، وهذا ما يجعل الدول المتقدمة مدينة للدول النامية والفقيرة، وعليها مسؤولية أخلاقية كبيرة تجاه ما تخسره هذه الدول، ولكن ما حدث ويحدث دوما في هذه القضية تحديدا هو منع اتخاذ أي إجراء حقيقي وإبقاء الموضوع لمفاوضات المؤتمر الذي يليه، وهذا ما يضعنا أمام تحدي كبير في قضية العدالة المناخية والتي يجب أن ترقى أدواتها لمستوى المساءلة والعمل بشكل حصيف لتنفيذ تطلعات الدول الأفقر بإيجاد مرفق تمويلي خاص للأضرار والخسائر.
إن قضية تمويل المناخ، واحدة من أهم محاور المفاوضات التي تجري كل عام، والتي يتابعها النشطاء عن كثب، وما تحقق حتى اليوم رغم كل تحفظاتنا على آلياته وطرائقه وأساليبه غير العادلة أحيانا، أتى عبر جهد نضالي قادته الدول الفقيرة والجزرية في مناطق جنوب الكرة الأرضية وبعض مؤسسات المجتمع المدني العالمية المنحازة للنهج الحقوقي في التعاطي مع قضية المناخ، ويجب الاستمرار في العمل مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما نحتاجه هو مزيد من التضامن ورفع الوعي بأهمية هذا التضامن ودفع عجلة المسؤولية الإنسانية والمساءلة الأخلاقية على أن تكون الأدوات بيد الجميع ولصالح الكوكب والبشرية.
هلا مراد
1 التقييم الخاص بدولة فيجي الجزرية
https://www.climatecentre.org/wp-content/uploads/RCRC_IFRC-Country-assessments-FIJI.pdf
2 التقرير السادس الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ ، آب 2021
https://www.ipcc.ch/site/assets/uploads/2021/08/IPCC_WGI-AR6-Press-Release_ar.pdf
IPCC WGI Interactive Atlas
3 المشاريع الأردنية من صندوق المناخ الأخضر
https://www.greenclimate.fund/countries/jordan