Apr 21, 2025
التأثيرات المحتملة لسياسة ترامب الاقتصادية على المنطقة العربية - نصر عبد الكريم
د. نصر عبد الكريم
الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
د. نصر عبد الكريم

التأثيرات المحتملة لسياسة ترامب الاقتصادية على المنطقة العربية - نصر عبد الكريم 



لم يمض مئة يوم على تنصيب ترامب كرئيس للولايات المتحدة حتى أدخل الاقتصاد العالمي في أزمة كبيرة لا تقل قساوة عن الأزمة المالية العالمية التي امتد تأثيرها لسنوات وسنوات منذ انفجارها في أيلول/سبتيمبر2009. فمع بداية شهر نيسان/أبريل 2025، نفذ ترامب تعهداته للناخبين الأمريكيين برفع الرسوم الجمركية على وارداتها السلعية من كل دول العالم تقريبًا على قاعدة 50% مما تفرضه هذه الدول على صادراتها من أمريكا وبحد أدني 10%. علمًا أنه وقبل شهرين من يوم الإعلان عن القرار الذي اسماه "بيوم التحرير"، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذ رؤيته الاقتصادية بشأن فرض رسوم جمركية على بعض الدول، بدءًا بكندا والمكسيك والصين. ويبدو أن الدولة المستهدفة من هذه الرسوم هي الصين بحيث ارتفعت الرسوم على صادراتها إلى أمريكا إلى 145% في إطار الردود المتبادلة، أّمّا الصين فرفعت الرسوم الجمركية على وارداتها من الولايات المتحدة في إطار التبادلية والمعاملة بالمثل إلى 85%. وبهذا يمكن الادعاء بان ما يجري هو "حرب تجارية" شرسة طرفيها الصين والولايات المتحدة ستفضي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي وإعادة بناء التحالفات والتكتلات التجارية على مستوى العالم.



وشمل هذا القرار دولاً عربية عدّة، فيما تفاوتت نسبة هذا الرفع بين 10%على الواردات القادمة من عدة دول عربية، هي: الإمارات، ومصر، والسعودية، والمغرب، وسلطنة عُمان، والبحرين، وقطر، ولبنان، والسودان، واليمن، والكويت، فقد فرضت نسبة مرتفعة على دول أخرى، حيث بلغت 20% على الأردن، و28% على تونس، و30% على الجزائر، و31% على ليبيا، و39% على العراق، في حين كانت سوريا الأكثر تأثراً، برسوم جمركية بلغت 41%.



يأتي ذلك في إطار مواجهة ما وصفه ترامب بالخلل التجاري غير العادل، في إشارة إلى حجم الاستيراد والتصدير في التجارة مع الولايات المتحدة، متفائلاً بأن تؤدي التعريفات الجمركية الجديدة إلى "نهضة" صناعية أمريكية وخلق فرص عمل ضخمة ووقف استغلال البلاد تجاريًا، وخلق إيرادات مالية للخزينة الأمريكية قدرت بحوالي 700 مليار دولار سنويًا. ومن المنظور الاستراتيجي، فإن ترامب يسعى من خلال هذه السياسية الحمائية المشددة إلى تقويض الجهود التي تقوم بها مجموعة البريكس بقيادة الصين للتخفيف من هيمنة وسطوة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي وهيمنة الدولار على سوق العملات. ويرى الكثيرين بأن هذه السياسة الترامبية تمثل انقلابًا بنيويًا على منهج العولمة والليبرالية الاقتصادية التي قادت أمريكا جهود تكريسها في النصف الأول من عقد التسعينات في القرن الماضي.



كما شملت سياسة ترامب على إجراءات ضارة أخرى مثل الانسحاب من عدد من الاتفاقات الدولية والمنظمات الدولية ووقف تمويلها، ووقف المساعدات الأمريكية لعديد من الدول النامية والناشئة ومن بينها دول عربية عدة والتي كانت تتلقاها من خلال ما يُعرف بالوكالة الأمريكية للتنمية، والتي تم إغلاقها تمامًا. بلا شك، ستحمل هذه الإجراءات أضرارًا مباشرة على كثير من الدول التي تستفيد من التمويلات الأمريكية سواء للمنظمات الإنسانية الدولية أو لموازنات الدول نفسها.

 


بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن رفع الرسوم الجمركية على صادرات الدول إلى الولايات المتحدة، أُثيرت تساؤلات بخصوص تأثيراتها المحتملة على الاقتصاد العالمي بما فيها الاقتصاديات العربية. وأثارت هذه الرسوم الجمركية موجة من القلق في أوساط المستثمرين حول تداعياتها على مستقبل الاقتصاد العالمي، وتجلى ذلك بشكل فوري ومباشر في خسارة بورصات الأسهم في كل أنحاء العالم لتريليونات الدولارات في الأيام الثلاث الأولى بعد الإعلان والاضطراب الشديد في أسواق السندات وانخفاض الدولار أمام العملات الرئيسة وارتفاع سعر الذهب إلى مستويات غير مسبوقة و تراجع في أسعار النفط إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل الخام. ومن المتوقع أن تؤدي هذه السياسة إلى تباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية ب 1% و0.7 % على التوالي مما يعني مزيد من الضغوط على سكان معظم الدول من قبيل تضييق تراجع فرص العمل ومستويات الأجور واشتداد موجة التضخم. ومن الطبيعي أن يكون سكان دول الجنوب، وهي الأقل تطوراً والأكثر هشاشةً، هم الأشد تضررًا من هذه السياسة كما تفيد التجربة في الأزمات العالمية السابقة.


وفي سياق هذه الحرب التجارية بين كبار القوى الاقتصادية في العالم، يُطرح سؤال مهم: ما تأثير هذه الحرب على المواطن العربي؟ أو بمعنى آخر، من سيتحمل فاتورة هذه السياسة الترامبية؟ 


تعتمد اقتصادات الدول العربية بشكل رئيسي على استيراد المعدات والآلات من الخارج، سواء أكانت مخصصة للقطاع الطبي أو العسكري أو الصناعي أو الزراعي بنسب متفاوتة حسب كل دولة وظروفها. لذلك، سيتأثر الاقتصاد والمواطن العربي بشكل مباشر أو غير مباشر من هذه الحرب التجارية .



وبحسب مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، فقد بلغ إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يُقدر بنحو 141.7 مليار دولار أمريكي في عام 2024. وبلغت صادرات السلع الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2024 ما قيمته 80.4 مليار دولار أمريكي، بينما بلغ إجمالي واردات السلع الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 61.3 مليار دولار أمريكي في عام 2024.


ومن بين الآثار السلبية المحتملة لهذه التوجهات الاقتصادية لترامب على حقوق ومصالح المواطنين في المنطقة العربية والتي لا يمكن تجاهلها:

الارتفاع في أسعار السلع والمنتجات وبالتالي زيادة تكاليف المعيشة وارتفاع التضخم

عندما ترتفع تكاليف المواد الخام والسلع المستوردة نتيجة للتعريفات الجمركية أو تقلبات الأسعار العالمية، يتعين على الشركات زيادة أسعار خدماتها ومنتجاتها للحفاظ على هوامش الربح. وهذا الارتفاع في الأسعار سيؤدي إلى جعل الخدمات والسلع أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلك العربي. وبالتالي، سيعاني المستهلك من زيادة تكاليف المعيشة، مما يساهم في ارتفاع معدلات التضخم في الدول العربية. وهذا الأمر يُعرف بمصطلح "استيراد التضخم" من الخارج، حيث تؤثر التغيرات الاقتصادية العالمية في الأسعار على الاقتصادات المحلية وتزيد من معاناة المواطنين في البلدان العربية.


التأثير على الأسر والشركات

مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والأدوية، ستضطر الأسر إلى إعادة ترتيب أولويات إنفاقها، حيث ستوجه مواردها نحو احتياجاتها الأكثر أهمية وضرورية. وهذا التغيير في أنماط الاستهلاك سيؤثر بشكل ملحوظ على جودة الحياة، حيث قد تجد الأسر نفسها مضطرة للحد من بعض النفقات غير الضرورية، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات الاستهلاك في العديد من القطاعات. ومع اضطرار الشركات المستوردة لرفع أسعارها نتيجة لزيادة التكاليف، سيبحث المستهلك بشكل طبيعي عن بدائل أقل تكلفة. هذا سيضع ضغطًا كبيرًا على الشركات، وقد يؤدي إلى تراجع ملحوظ في إيراداتها. وفي بعض الحالات، قد تضطر هذه الشركات إلى تقليص عملياتها أو حتى إغلاق أبوابها. و سيؤثر هذا التباطؤ الاقتصادي سلبًا على السوق المحلي، مما يزيد من معدلات البطالة ويقلل من التنوع في المنتجات المتاحة للمستهلكين.


التأثير على سوق العمل

بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض مستويات البيع لدى الشركات المستوردة، سيكون على هذه الشركات اتخاذ تدابير لتقليص التكاليف مثل خفض الأجور أو تقليص حجم العمالة بهدف الحفاظ على استدامتها في السوق في ظل تراجع الإيرادات. ستفضي هذه الإجراءات إلى زيادة معدلات البطالة في القطاعات المتأثرة، مما سيشكل ضغطًًا إضافيًا على سوق العمل. ومن الناحية الاقتصادية، ستضطر الحكومات إلى تخصيص موارد لدعم العاطلين عن العمل عبر برامج التأهيل والتدريب أو توفير إعانات بطالة. لكن مع زيادة معدلات البطالة، سيكون من الضروري اتخاذ إجراءات إضافية لتحفيز النشاط الاقتصادي المحلي، مثل تشجيع الاستثمار في القطاعات غير المتأثرة أو القطاعات الناشئة التي توفر فرص عمل جديدة.


على الرغم من الآثار السلبية القصيرة الأجل، فإن هذه التغيرات قد تؤدي إلى إعادة هيكلة بعض الشركات وتعزيز كفاءتها التشغيلية، مما قد يؤدي إلى زيادة الإنتاجية على المدى البعيد. ومع ذلك، يتطلب هذا تضافر الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص لضمان استقرار السوق، وتنمية قدرات القوة العاملة، وتعزيز السياسات الاقتصادية التي تدعم النمو المستدام في المستقبل.


ضغوط مالية إضافية على موازنات معظم الدول العربية

من المحتمل أن تواجه معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها، تحديات مالية إضافية إّمّا بسبب وقف الدعم الأمريكي لهذه الدول بأشكال مختلفة (نقدي لدعم الموازنة أو عسكري أو عيني) والذي هو بمليارات الدولارات سنويًا، أو بسبب تراجع الإيرادات النفطية للدول المنتجة والمصدرة للنفط ارتباطاً بتراجع أسعار النفط وضعف الطلب عليه، أو بسبب انخفاض قدرة الاقتصاديات الوطنية على توليد إيرادات محلية لتراجع النشاط الاستثماري والاستهلاكي فيها. وهذا قد يقود تلقائياًًّ إمّا إلى مزيد من الاقتراض وبالتالي زيادة أعباء الدين العام على خزينة الدولة في المستقبل، أو التقشف قي النفقات العامة وخصوصاً الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية التي يستفيد منها الفقراء والمهمشين.


ويُتوقّع أيضا أن تتكبّد الدول العربية المتوسّطة الدخل، مثل مصر والمغرب والأردن وتونس، أعباء مالية إضافية نتيجة ارتفاع عائدات السندات السيادية، والذي يعكس حالة عدم الاستقرار المالي العالمي الناجم عن السياسات الجمركية الأميركية وتشير تقديرات الإسكوا إلى أن هذه الدول قد تضطر إلى دفع فوائد إضافية تُقدَّر بنحو 114 مليون دولار في عام 2025، ما قد يُؤثّر بالسلب على إنفاقها الاجتماعي والإنمائي ".


نصر عبد الكريم


احدث المنشورات
Apr 24, 2025
النشرة الشهرية لشهر آذار/مارس 2025 - فعالية التنمية وتمويلها بين الشفافية والتحديات العالمية
Apr 21, 2025
الوثيقة الختامية للإجتماع الإقليمي لمنظمات المجتمع المدني حول التنمية المستدامة