Jul 30, 2024
إزدواجية القانون الدولي الإنساني في ظل الأحادية القطبية
سالي موسى
طالبة دكتورا في جامعة سوربون

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
سالي موسى

إزدواجية القانون الدولي الإنساني في ظل الأحادية القطبية - سالي موسى


كما يكتب المنتصرون الحرب، يكتبون أيضاً قوانينها. الاستعمار الذي ظننا قد تخلصنا منه، كتب قانون يهدف إلى أنسنة الحرب ليجعل من نفسه وجهاً جميلاً لديكتاتورية عالمية جديدة.


سار القانون الدولي الإنساني درب الجلجلة في بلداننا، ووصل الى غزة، حيث صلب ووري الثرى تحت أنقاض الأعين المحمية دولياً. فالساحة الإنسانية حالياً أحوج ما تكون إلى تعزيز الأطر التنظيمية والقانونية لمواجهة الإنتهاكات الجسيمة والصارخة على الإنسان وأعيانه المدنية وممتلكاته الثقافية.



من خلال الأحداث التي تدور حول العالم ولا سيما تلك المتعلّقة بإستخدام القوة العسكرية من دولة تجاه دولة أخرى، نجد أنّ القانون الدولي تستشهد به الدول العظمى، تتجاهله عندما ترى أنّه مصدر إزعاج لها. ونرى من خلال الخطاب السّياسي الغربي الذي رافق الحرب الروسية على أوكرانيا، أنّه تكرار لمفاهيم القانون الدولي والسّيادة وإنتهاك المعاهدات والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان وعدم التدخّل في الشّؤون الدّاخلية للدول والديمقراطية، والتي تشكّل جميعها المبادئ والمفاهيم التي لا تحظى بمثل هذا الإحترام وهذه الأهميّة في حب غزة اليوم. 



بين عدوان غزة والأحادية القطبية كيف أثر كل ما حدث على شمولية ومصداقية القانون الدولي الإنساني؟ 


شهدت بدايات القرن الحادي والعشرين العديد من التحولات والتغيرات الجذرية لمفاهيم الحرب ونظرياتها، وأصبح التكيُّف مع التغيرات الحاصلة أحد أبرز التحديات التي تواجه السيناريوهات المُستقبلية المُختلفة للحرب ذات الطبيعة المتغيّرة( )، كما أن الإستجابة الحذرة والمرتبكة للبوادر الأولى من الصراعات سمحت بتصاعد العنف والإنزلاق إلى مزيدٍ من الفوضى ومزيدٍ من الضحايا( ) والتدمير للممتلكات المدنية والثقافية، إضافةً إلى أن التأثيرات السياسية في الحروب ومستقبلها، شكّلَت نوعاً من العقبات الشائكة التي منعت من قيام علاقات مدنية – عسكرية فعَّالة لحماية المدنيين وأعيانهم المدنية ومُمتلكاتهم الثقافية.



وقد أوردت إتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907 قواعد حماية الأعيان المدنية والثقافية بطريقة مُقتضبة جداً في البداية، ثم توسعت وتكرست هذه الحماية  بشكل حازم وأكثر وضوحاً بعد إعتماد إتفاقيات جنيف لعام 1949.



وأدى القصور العملي في تطبيق القواعد على واقع هذه الأعيان في النزاعات المُسلحة، إلى قيام  اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالمُطالبة في توفير حماية أكبر، وعليه تمت إعادة التأكيد على حماية هذه الأعيان، وتشّكل ذلك من خلال إعتماد البروتوكولين الإضافيين لعام 1977، ثم تعزّزت الحماية من خلال إبرام إتفاقيات خاصة تُعنى بحماية أعيان مُحددة بذاتها، منها إتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الأعيان الثقافية زمن النزاعات المُسلحة، ثم توالت الإتفاقيات تباعاً حتى إرساء قواعد القانون الجنائي الدولي مع إعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.          



ولكن هذه القواعد تبقى دون قيمة ما لم تُدعم بآليات تؤدي إلى تطبيقها، لعل أهمها الآليات العقابية المُتمثلة بضرورة اللجوء إلى القضاء الدولي الجنائي لمعاقبة مُنتهكي قواعد الحماية لهذه الأعيان المدنية والثقافية.



إنّ قواعد القانون الدولي تقوم على مبدأ رئيسي - من بين مبادئ أخرى - ألا وهو حظر إستعمال القوة أو التّهديد بإستعمالها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السّياسي للدول الأخرى. وهو المبدأ الذي أقرّته الدول في المادة (24) من ميثاق الأمم المتّحدة لعام 1945، والذي يرقى إلى إعتباره قاعدة آمرة في القانون الدولي. ولا يرد على هذا المبدأ إلا إستثناءان يتمثّلان في حق الدفاع عن النفس (بما في ذلك الدفاع المشترك)، وصلاحية مجلس الأمن في ترخيص إستعمال القوة لغرض فرض السّلم الدولي أو إعادته لنصابه بموجب المادة (42) تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.



بالنسبة الى الشعب الفلسطيني، الذي يعاني من الاحتلال، فهو لم يلجأ إلى مجلس الأمن هذه المرة، ومارس الحق في الدفاع عن النفس، ويشترط لإدّعاء هذا الحق بشكلٍ إستباقي في القانون الدولي أن يكون الخطر حقيقياً ووشيكاً على الدولة، وألاّ تتوافر وسائل سلميّة بديلة لتسوية النّزاع، وأن يكون إستخدامه بشكلٍ يتناسب مع حجم الضرر الواقع أو المتوقّع. 



وكما هو معلوم، فإنّ المعضلة القانونية التي تحول دون خيار إستخدام القوة بترخيص مجلس الأمن تكمن في أنّ أميركا من الدول الأعضاء الدائمين في المجلس التي تملك حق النقض (الفيتو) مما يحتّم فشل أي مشروع قرار محتمل لارتباطها اتباطاً وثيقاً باسرائيل، ذلك بالرغم من أنّ المادة 27 من الميثاق تنصّ على إمتناع الدول عن إستخدام الفيتو في المسائل التي تكون لها فيها مصلحة، ليعطّلها العرف الدولي بعد بذلك. ليُطرح التساؤل مجدّداً: أما آن الأوان لإعادة تفعيل المادة 27 من ميثاق الأمم المتّحدة كخطوة لإصلاح مجلس الأمن؟ ( )



 وإذ كان مجلس الأمن عاجزاً عن إتّخاذ القرارات، فإنّ دور المنظّمات الإقليمية والمتخصّصة يمكن أن يكون أكثر فاعليّة في مثل هذه الحروب. وشهدنا أمثلة على ذلك في تجميد عضويّة روسيا في عدد من تلك المنظّمات كمجلس أوروبا ومنظّمة التعاون الإقتصادي والتّنمية، كما أنّ العدوان من الجرائم الدولية، بموجب لائحة المحكمة الجنائية الدولية، التي تستدعي المسؤولية الدولية على الأفراد بصفتهم الشّخصية، مما قد يترتّب عليه مساءلة المسؤولين الاسرائليين عن جريمة العدوان في حال إنتهاء صفتهم التّمثيلية وهنا تكمن الثغرة التي يستغلها نتنياهو للاستمرار بالحرب والحفاظ على هذه الصفة .



ربطاً بهذا الواقع القانوني والسياسي الدولي، أعتبر انه: 

1- يجب العمل على تطبيق قواعد القانون الدولي على كافّة الدول الصغيرة منها والكبيرة دون تمييز. وإنّ هذا الأمر غير ممكن إلا من خلال إنشاء مؤسّسات دولية رقابية تتولّى مهمّة مراقبة تطبيق قواعد القانون الدولي أو أن تقوم محكمة العدل الدولية بهذه المهمّة.

2- إعادة النظر في كل آليات عمل الأمم المتحدة، وأجهزتها الرئيسية ولا سيما مجلس الامن، بما يضمن التساوي لا الاستنسابية وازدواجية المعايير

3- يقتضي بالدول الأعضاء في منظّمة الأمم المتّحدة أن تعمل على تعديل ميثاق المنظّمة وخاصّةً المواد التي تتضمّن عبارات غامضة، والتي يمكن للدول الكبرى أن تفسّرها بطريقة تغلب فيها الإعتبارات السّياسية على حساب القواعد القانونية لكي تتخلّص من هيمنة الدول الكبرى على الدول الصغرى.



في الخلاصة، ومهما كانت الطّريقة التي ستنتهي بها الحرب، فإنّ العالم تغيّر بعدها ولن يعود كما كان عليه من قبل، فعلاقة اسرائيل بالخارج ستكون مختلفة. ومثلما كان للحربين العالميتين الدور في تعديل قواعد القانون الدولي وحل عصبة الأمم آنذاك، فنحن سنكون أمام تغيرات نحو بدائل أكثر فعالية. ومثلما كان نشوء الكيان في خضمّ تحولات في بنية النظام العالمي بعد حربين عالميين أفضت إلى انتصار أميركا وبريطانيا وفرنسا، فإنّ ضمور الكيان سيتم بظروف نشوء نظام عالمي جديد هو بطور النشوء والتطور، منذ عقدين من الزمن. نظام قائم على قواعد المساواة وحق الشعوب في تقرير مصيرها.



(1) تشمل المتغيرات كل ما هو متعلق بالتأثير التكنولوجي للأسلحة على الإنسان في الحروب، أما الثوابت في الحرب فلن تتغير كتلك المتصلة  بالطبيعة البشرية  والأسباب الدافعة إلى الحروب والنتائج المترتبة عليها .
(2) ريتشارد جوان .الوقاية من الحرب وحفظ السلام .مؤتمر الحروب المستقبلية .مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية .أبوظبي .الإمارات .9-10 نيسان 2013 . دون رقم صفحة.
(3) تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت.



. هذا المقال يرد ضمن الاصدار الخاص للنشرة الشهرية لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية لشهر تموز/يوليو 2024.  شارك في اعداده شباب وشابات من الشبكة العربية للشباب. الآراء والأفكار المطروحة في هذه المقالات تعبر عن وجهات نظر الكتاب ولا تعكس بالضرورة السياسة أو الموقف الرسمي للشبكة العربية.

حول الشبكة العربية للشباب:
تسعى الشبكة الشبابية الى توفير منصة اقليمية للشباب والشابات من مختلف دول المنطقة لسماع أصواتهم ، وتعزيز تفاعلهم مع مختلف قضايا التنمية وحقوق الانسان، وانخراطهم في التأثير على السياسات العامة.

احدث المنشورات
Jul 30, 2024
نظام الكفالة في لبنان: بين العبودية والاتجار بعاملات المنازل
Jul 30, 2024
الحقوق المائيّة في فلسطين: ممارساتٌ إسرائيليةٌ مجحفة