Nov 06, 2024
آليات الحماية الدولية، وإخفاق قرار ١٣٢٥ بحماية النساء وتمكينهنَّ – الهام مكّي
إلهام مكي
باحثة

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
إلهام مكي

آليات الحماية الدولية، وإخفاق قرار ١٣٢٥ بحماية النساء وتمكينهنَّ – الهام مكّي



بعد  كل هذه السنوات لاتزال الحروب والنزاعات المسلحة مستمرة، و الأسوأ هو أن الآلاف من النساء والأطفال يقتلون أو يصابون أو بالكاد يعيشون في ظروف مأساوية تماما.

 تساءلت كيف يمكن ان تكون توصياتنا للتصدي ضد الحروب والعسكرة والعنف ضد النساء مسموعة من قبل صانعى الحروب وحكومات أنظمة القمع.


"اعتذر لا يمكنني ان أفكر بتوصيات في ظل الظروف التي نمر بها" كان هذا جوابي عن سؤال ما هي التوصيات وما ينبغي علينا فعله نحن كنساء ناشطات من دول تواجه النزعات المسلحة: العراق، اليمن، السودان، سوريا، لبنان اجتمعنا لمناقشة اجندة النساء والسلام والأمن، حاولنا جلب رؤية نسوية لما يحدث حالياً من الحرب في غزة والاجتياح العسكري في لبنان. انه لأمر محزن ومثير للغضب ان أفكر انه بدا نقاشنا اثناء الاجتماع كأنه في بعد اخر، مختلف وبعيد عن الجهات والأطراف المتحكمة بالنظام العالمي الذي يتجاوز القيم الأساسية للسلام، يدعم ماكنة الحرب وتجارة السلاح الدولية. 


لقد جسد تبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للقرار رقم ١٣٢٥ بشأن النساء والسلام والأمن في ٣١ تشرين الأول ٢٠٠٠ التزام غير مسبوق من قبل المجتمع الدولي، بهدف اشراك النساء في عمليات السلام. ومع اعتماد القرارات التسع اللاحقة تشكلت ما بات يعرف "أجندة" مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن النساء والسلام والأمن، تعترف بالتكاليف الفادحة التي تكبدتها النساء والفتيات نتيجة للحروب في العالم وتدعو إلى إشراكهن بشكل جوهري في جهود حل النزاعات وبناء السلام التي تم تهميشهن منها تاريخيا. لكن وبعد مرور أكثر من عقدين من تبني قرار ١٣٢٥ ومع تجاهل صارخ للقانون الدولي المصمم لحماية النساء والاطفال اثناء الحروب، تبرز حاجة ملحة لإعادة تقييم أجندة النساء والسلام والأمن، لاسيما بعد الإخفاقات الواضحة على مستوى التنفيذ على ارض الواقع، رغم انتشار الخطابات المروجة بشكل واسع على مستوى أروقة المحافل الدولية والدول التي أعلنت تأييدها ودعمها لقرار ١٣٢٥ ومنها العراق المتضرر من النزاعات المسلحة والحروب.


محور هدف قرار ١٣٢٥ والقرارات اللاحقة هو ان يصبح أطار عمل لمنع العنف والتمييز ضد النساء، لكن آليات التنفيذ لم تعكس حقيقة اجندة السلام النسوي، حيث تميل معظم الدول ذات النظم السياسية السلطوية على تقديم آمن نظامها السياسي ومؤسساتها الأمنية والعسكرية على حساب أمن الافراد وحماية حقوق الانسان، لم يتحد القرار مقولة "أمنُ من؟"، فقد جاء القرار غير ملزم، وهذا يعني أن الدول غير ملزمة قانوناً بتنفيذ أحكامه، ولا يتم معاقبتها على فشلها في القيام بذلك. كما لم يتضمن آليات مساءلة، وبذلك حتى عندما تتبنى الدول خطط عمل وطنية بشأن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ١٣٢٥، فإن هذه الخطط غالباً ما تكون اشبه بخطابات سياسة فارغة من المحتوى، مع القليل من المتابعة أو الرصد. ولا تتحمل الدول المسؤولية عن فشلها في الوفاء بالتزاماتها بحماية النساء  والمدنين اجمالا.


من جانب اخر تسمح صيغة القرار بالتنفيذ الانتقائي، حيث لم يتم تبني القرار رقم ١٣٢٥ عالمياً، وهذا اعطى إشارة للدول باختيار او انتقاء بعض محتويات القرار بما يتناسب مع أجنداتها السياسية، وتتجاهل في كثير من الأحيان العناصر الحاسمة التي من شأنها أن تحمي النساء بشكل هادف. 


كما  فشل القرار ١٣٢٥ في معالجة التفاوتات البنيوية، لا تزال الانظمة الأبوية والعسكرية بلا تحدٍ، تعيد انتاج العنف والاقصاء الممنهج ضد النساء في مواقع السلطة. فالهدف من الركائز الأربعة للقرار هو الحد من العنف ضد النساء والفتيات وتعزيز مشاركتهن في فترات السلم والحرب، وهذا يتطلب تحول بديناميات السلطة وإزالة الحواجز الهيكلية امام حقوق الانسان للنساء. ادى هذا التغافل إلى إضعاف فعالية القرار، حيث غالبًا ما يدعم التفاوت النظامي والعسكرة العنف الذي تتعرض له النساء. ومع اتساع رقعة النزاعات والحروب، وظهور اشكال عنف مختلفة ضد النساء، القرار يوفر نطاق محدود من "الحماية" من خلال عدم التصدي للأسباب البنيوية للعنف، غالبًا ما يفسر ال ١٣٢٥قرار "الحماية" على أنها رد فعل وليس وقائيًا، ويفشل في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية الجذرية التي تجعل النساء عرضة للخطر في المقام الأول.


ومن الأسباب الأخرى لفشل القرار بتنفيذ أهدافه ووعوده، ان التركيز كان على مستوى النخب في عمليات السلام، في حين يدعو القرار إلى مشاركة المرأة في عمليات السلام، إلا أنه غالبًا ما سمح   بإدراج عدد قليل فقط من نساء النخبة، بدلاً من تمكين النساء المحليات المتضررات من الصراع اللاتي يمتلكن معرفة مباشرة ومصلحة راسخة في السلام.


إن الوضع في العراق يوفر عدسة حاسمة لاستكشاف سبب وكيفية فشل قرار مجلس الأمن ١٣٢٥، فالعراق اول دولة في المنطقة تبنت قرار ١٣٢٥، حيث تم وضع الخطة الوطنية الاولى لتنفيذ القرار في ٢٠١٤، تلتها الخطة والوطنية الثانية في كانون الأول ٢٠٢٠. رغم قصور الخطتين في تجسيد الواقع اليومي المعاش للنساء والفتيات في العراق، لم تفي  الحكومة العراقية بالتزاماتها التي ضمنتها في الخطتين، واستمرت الفجوة ما بين الخطابات السياسية النظرية الرنانة الداعمة لحماية وحقوق النساء وما يحدث على ارض الواقع بمعالجة العوامل الأكثر أهمية والجذرية المؤدية الي العنف ضد النساء والفتيات في العراق سواء اثناء السلم او الحرب. 


تُعزى فشل أوجه القصور في تطبيق قرار مجلس الامن ١٣٢٥ في العراق الى عدة أسباب أولها الافتقار الي الإرادة السياسية وعدم جعل تمويل تنفيذ الخطة ضمن اوليات الحكومة، وبعيدا عن الحجج التي قدمتها الحكومة بتخصيص موارد الدولة لمكافحة الإرهاب ومحاربة جماعات داعش وتحرير المناطق التي سيطرت عليها، والأزمات الاقتصادية التي شهدها العراق، الا ان جهود الحكومة بالحد من الحواجز الثقافية والاجتماعية المحافظة التي تعيد انتاج العنف ضد النساء (والتي لا تحتاج تمويل) تكاد تكون معدومة، حيث استمرت مقاومة تغيير القوانين والممارسات التمييزية الهيكلية ضد النساء والفتيات من قبل القوى السياسية الحاكمة، بل اصبح الوضع أسوأ من قبل، حيث تواجه النساء تهديدات ومحاولات لتقويض مكتسبات حقوقية محمية في بعض القوانين. وليست محاولة القوى السياسية الحاكمة تغيير قانون الأحوال الشخصية (١٨٨) لسنة ١٩٥٨ والذي سوف يتسبب بحرمان حقوق الانسان للنساء، ويرسخ ممارسات العنف ضدهنّ على سبيل المثال تزويج الطفلات، الحرمان من الإرث، وسلب الحضانة من المرأة، الا دليل ومؤشر على فقدان قرار ١٣٢٥ أهميته وعدم تحقيق أهدافه بحماية النساء العراقيات . 


في النهاية، لا يمكن فصل أمن النساء والسلام النسوي عن الامن والسلام الدولي، تعريفات النزاع والسلام والأمن لابد وأن تُقرأ باعتبارها شروطاً ترتبط أيضاً بمواقف خارج مناطق النزاعات. وهذا التعميم يجعل إعطاء الأولوية للأسباب الجذرية وحقوق الإنسان وسيلة للتركيز على منع النزاعات بشكل فاعل. وهو يبدأ من فهم انعدام الأمن الواسع والعميق الذي يملأ حياة النساء قبل الصراع، وعدم المساواة البنيوية قبل النزاع التي تغذي العنف وانعدام الأمن، وهذا تذكير بالحاجة إلى التحول الشامل وليس العمل العشوائي.


احدث المنشورات
Dec 07, 2024
النشرة الشهرية لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض