Apr 19, 2018
ورشة عمل حول فعالية التنمية في المنطقة العربية

ورقة مفاهيمية إن التعاون الإنمائي بين مختلف الأطراف بات اليوم ضرورياً من أجل تنمية فعالة. فالتنمية اليوم لم تعد موجهة من قبل الدولة وحدها، أو تعتمد على جهود القطاع الخاص وحده في النمو الإقتصادي، كما لم تعد تقتصر فقط على تدفق المساعدات بشكل مباشر وعلى أحادية قرار الجهات المانحة. فالتنمية الفعالة تتطلب إشراك دول الجنوب المتلقية للمساعدات في القرارات، بالإضافة إلى الإستفادة من دور القطاع الخاص، وتعزيز دور المجتمع المدني لما يحمله من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. إن هذا التعاون الفعال يتطلب أولاً التزام جميع الأطراف بمعايير مشتركة تمكنهم من توحيد أهدافهم وتنظيم العلاقات فيما بينهم من أجل الإستفادة القصوى من طاقات كافة العناصر في عملية التنمية. وهذا يحتم مثلاً على الجهات المانحة إشراك مختلف الجهات في أخذ القرارات، والتزام القطاع الخاص المقاربة التنموية والحقوقية. وفي حين يتعرض المجتمع المدني لقيود وضغوطات كثيرة خارجة عن إرادته، من الضروري توفير البيئة الممكنة لعمل منظمات المجتمع المدني، سواء في بيئته المحلية التي ينشط فيها أو على مستوى علاقته مع باقي الشركاء في التنمية، إلى جانب التزامه مبادئ اسطنبول التي وضعها بنفسه لتحكم ممارساته. وإن التعاون من أجل التنمية لا يمكن إلا أن ينطلق من مقاربة حقوقية. الخلفية إن التنمية، وإن كانت تتركز على تقديم المساعدات وبناء القدرات لدول الجنوب، أصبحت تعتمد بشكل كبير أيضاً على التعاون بين دول الجنوب نفسها، ولم تعد عبارة عن قناة أحادية الاتجاه من دول الشمال إلى الجنوب. وهذا التعاون يعد إيجابياً لأنه يعزز التعاون والتضامن بين دول الجنوب ويساعدها على تبادل الخبرات والقدرات فيما بينها. وهو ضروري أيضاً لأنه يعزز ملكية مجتمعات الجنوب لبرامج التنمية، أي يتيح لها فرصة تحديد أجنداتها بنفسها واتخاذ دور قيادي في عملية التنمية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أهمية عدم تفرد الجهة المانحة بتحديد الأولويات في سياق التعاون من أجل التنمية الفعالة. فمن شروط التعاون من أجل التنمية الفعالة، الديمقراطية في إدارة المشاريع وتحديدها، بما معناه إشراك مختلف الأطراف المتلقية والإعتراف بدورها، كي تعكس هذه الجهود الأولويات الحقيقية للمجتمعات النامية. هذا بالإضافة إلى تحرير المساعدات من أي أغراض سياسية قد تسعى إليها الجهة المانحة، كما هو شائع. ولذلك يتطلب التعاون من أجل التنمية الفعالة من الجهات المانحة اعتماد مقاربة تشاركية شاملة للأطراف الشريكة في التنمية، والتركيز على النتائج والمساءلة. وقد تم التشديد على أهمية هذه المبادئ في إعلان باريس حول فعالية المساعدات، وأجندة عمل أكرا، التي سعت إلى تحسين جودة وفعالية المساعدات وإلى التقدم في جهود التنمية. وقد احتل مؤخراً القطاع الخاص دوراً مهماً في عملية التنمية، خاصة في أجندة التنمية المستدامة 2030. فقد اعتبر نموه وتوفير البيئة الملائمة لازدهاره أساسياً للنمو الإقتصادي وبالتالي لعملية التنمية بشكل عام. ومن جهة أخرى، تم إشراكه كفاعل في عملية التنمية، أي كشريك في تطبيق البرامج التنموية التي تستهدف التغير المناخي وحقوق النساء مثلاً. لذلك، تم تشجيع عقد الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وفتح الحوارات مع الحكومات في ما يتعلق بالسياسات التي تطال القطاع الخاص وبيئة عمله. إلا أن التنمية عبر القطاع الخاص لا زالت غير فعالة بما فيه الكفاية، ولا تؤمن النتائج المطلوبة. كما لا زال القطاع الخاص لم يحقق الإلتزام الكافي بمقاربة حقوق الإنسان، وخاصة في ظل غياب آلية للمساءلة أو الإلزام. فالمقاربة الحقوقية من الضروري أن تحكم عملية التنمية الفعالة بشكل عام، والقطاع الخاص بشكل أساسي، كونه قطاع ربحي. أما المجتمع المدني، فهو أيضاً يعد اليوم شريكاً أساسياً في عملية التنمية، نظراً للقيم التي يحملها، ولدوره في تطبيق البرامج التنموية، أو تقديم الإستشارات والتأثير على السياسات. ومن أجل تعزيز فعالية التنمية، تم وضع مبادئ اسطنبول في إطار التعاون الإنمائي، وهي مبادئ تتعلق بممارسة منظمات المجتمع المدني عملها وبحوكمتها الداخلية. تعبر هذه المبادئ عن الديمقراطية والشفافية والمسؤولية والمحاسبة، بالإضافة إلى التزام قضايا الجندر والبيئة وحقوق الإنسان والعدالة الإجتماعية، وتنادي بالتعاون والتضامن وبناء الشراكات بين مختلف المنظمات، والسعي من اجل تنمية مستدامة. إلا أن المجتمع المدني لا يزال يعمل ضمن قيود معينة، تمنع الإستفادة القصوى من طاقاته كفاعل أساسي في عملية التنمية. فالمجتمع المدني ينخرط في عمله من أجل التنمية في حلقة واسعة من الشركاء المعنيين أيضاً، أي الدولة، والقطاع الخاص، والأمم المتحدة والمنظمات العالمية. ولذلك، رغم المعيقات الداخلية والقضايا التنظيمية التي قد تعاني منها منظمات المجتمع المدني، إن فعاليتها ترتبط إلى حد كبير بعلاقاتها مع الدولة والجهات المانحة والقطاع الخاص والتي تحكم البيئة التي يعمل فيها. وقد وضعت الشراكة العالمية للتعاون الفعال من أجل التنمية مؤشراً عن مدى تمكين البيئة المحيطة بالمجتمع المدني لدوره ومساهمته في التنمية، وهو يشمل أربعة محاور. المحور الأول يتعلق بالمساحة المتاحة للحوار بين مختلف الشركاء حول سياسات التنمية الوطنية، أي وجود آليات تسمح للمجتمع المدني بالإنخراط في تصميم وتطبيق ومراقبة برامج التنمية، وإمكانية الحصول على معلومات من الجهات الرسمية. أما المحور الثاني، فهو يتعلق بفعالية منظمات المجتمع المدني العاملة على التنمية، أي الحوار والتنسيق فيما بينها والتزامها مبادئ اسطنبول بشكل عام. المحور الثالث يتعلق بالجهات المانحة ومدى دعمها لبيئة تمكينية للمجتمع المدني، وذلك عبر تعاونها وتنسيقها مع منظمات المجتمع المدني ودعمها للسياسات التي توفر بيئة تمكينية والتمويل وبناء القدرات. وأخيراً، المحور الرابع يتعلق بالبيئة السياسية والتشريعية للمجتمع المدني، أي الحقوق المتوفرة للمجتمع المدني لجهة الوصول الى المعلومات والحصول على التمويل وحرية التعبير والتجمع والحركة. إن هذه العناصر ضرورية جدا من أجل التعاون الفعال في مجال التنمية، ومن أجل الإستفادة القصوى من دور المجتمع المدني في هذا المجال. وإن كان العالم يشهد، ولو بشكل بطيء، تقدماً في فعالية التنمية، تبقى قضية الفضاء المتاح للمجتمع المدني في دولته قضية أساسية. إن المجتمع المدني بشكل عام يشهد اتجاهاً عالمياً نحو التراجع في الفضاء المتاح له، وخاصة في العالم العربي. فبالإضافة إلى دوره التنموي، إن المجتمع المدني في العالم العربي كان له دور كبير في مواجهة انتهاكات حقوق الانسان وتراجع الحريات، بالإضافة إلى القيام بأعمال خيرية لسد الفجوة الإقتصادية والإجتماعية، والقيام بعمليات الإغاثة والإنعاش. إلا ان المجتمع المدني في العالم العربي، غالباً ما كان يعمل في سياق أنظمة أبوية تعاملت معه بالتشكيك أو القمع واعتبرته مصدراً للتهديد. ومنذ قيام الثورات العربية عام 2011، والأنظار تتجه نحو المجتمع المدني الذي بات يحتل حيزاً واسعاً من النقاشات. فالمجتمع المدني كان حاضراً، وبقوة في بعض الأحيان، وعانى من درجات مختلفة من القمع والعنف في كل أنحاء المنطقة. فقد تعرضت منظمات المجتمع المدني لمضايقات قانونية كثيرة، وأحياناً صيغت قوانين مخصصة للحد من نشاطها كما في مصر مثلاً، أو لتضييق من حيث التمويل وعقد الشراكات والوصول الى المعلومات، وقوبل بالعنف المباشر في أحيان عدة. وقد أدى ذلك بشكل مباشر إلى الحد من قدرة المجتمع المدني على النشاط وإلى ضعف فعاليته. لذلك، تبقى قضية "الفضاء المدني"، أي المساحة المتاحة لمنظمات المجتمع المدني، على اختلاف بناها ووظائفها وآليات عملها، قضية أساسية في فعالية هذه المنظمات. يتحدد هذا الفضاء بالبيئة القانونية والسياسية المحيطة بالمجتمع المدني، والتي قد تكون ممكنة، أو معيقة لعمل المجتمع المدني. البيئة السياسية تتعلق بشكل أساسي بشكل الدولة، أي إذا كانت ديمقراطية أو قمعية. ورغم اختلاف البيئات السياسية في العالم العربي، يمكن القول أن معظم الأنظمة تفتقر الى الديمقراطية، أي لا تحقق مبدأ المواطنة أو فصل السلطات وسيادة القانون بشكلٍ كافٍ. كما تتعلق البيئة السياسية بالإستقرار السياسي، وهو محدد في غاية الأهمية في ظل الأوضاع التي مرت بها المنطقة العربية، ولا تزال، على مدى الأعوام المنصرمة. أما البيئة القانونية، فهي تتعلق بحقوق أساسية مثل حرية التعبير عن الرأي، وحرية التجمع، وتشكيل الجمعيات وتسجيلها، وحرية الحركة، بالإضافة إلى حق الوصول إلى المعلومات، والحصول على التمويل والموارد. وقد يلاحظ في بعض الأحيان نقص في الأطر القانونية والتشريعية التي تنظم عمل منظمات المجتمع المدني. إلا أن البيئة القانونية والتشريعية بشكل عام تربطها علاقة وثيقة بالبيئة السياسية، ولا يمكن الحديث عنها بمعزل عن البيئة السياسية. فغالباً ما تهيمن الإرادة السياسية على مبدأ فصل السلطات، ويتم تسييس المنظومة التشريعية ومنظومة العدالة. لذلك، يصبح من الضروري رصد الفضاء المتاح للمجتمع المدني في العالم العربي، خاصة في ظل التطورات السريعة التي عصفت بالمشهد السياسي العربي خلال الأعوام الماضية. فرصد هذه المساحة يشكل المنطلق الأساسي لفهم المعيقات التي تعترض المجتمع المدني، ويشكل أداة ضغط ومناصرة في غاية الأهمية. وهو المدخل الأساسي لأي نقاش حول فعالية المجتمع المدني ودوره. لذلك، تشكلت العديد من المبادرات العالمية، مثل "مبادرة الفضاء المدني"، من أجل الضغط لتوفير بيئة أكثر تمكيناً للمجتمع المدني. وقد أنشأت سيفيكوس CIVICUS منصة إلكترونية لرصد الفضاء المدني في مختلف دول العالم، حيث يتم عرض مختلف التطورات المتعلقة بالمجتمعات المدنية، ويتم تصنيفها وفقاً "لمؤشر البيئة الممكنة." إن مشروع إنشاء منصة إلكترونية لرصد الفضاء المدني في العالم العربي بشكل خاص يشكل قيمة مضافة لهذه المبادرات، ويعطي صورة أكثر دقة وواقعية، ونابعة من المجتمع المدني العربي نفسه. وهو يعزز التعاون والتضامن بين منظمات المجتمع المدني العربي ويسمح بالتشبيك وتبادل التجارب والخبرات. الأهداف العامة تعزيز التعاون والتنسيق بين منظمات المجتمع المدني من أجل المناصرة وحماية الفضاء المدني. التصدي لتراجع الفضاء المدني في العالم العربي. تعزيز التعاون والتنسيق من أجل فعالية التنمية في العالم العربي. التوعية بأهمية البيئة الممكنة للمجتمع المدني من أجل تنمية فعالة والعمل على توفيرها. الأهداف الخاصة تعريف المشاركين بدور القطاع الخاص ومسؤوليته في مجال التنمية، والتعاون جنوب-جنوب، والمعايير المعتمدة عادةً لقياس البيئة التمكينية. وضع مجموعة من المؤشرات للبيئة التمكينية للمجتمع المدني في العالم العربي. التحضير لإنشاء منصة الكترونية لرصد الفضاء المدني وفعالية التنمية في العالم العربي. بناء القدرات من أجل قياس ومراقبة الفضاء المدني في المنطقة العربية. بناء قدرات ست نقاط مركزية لإدارة المنصة الإلكترونية بشكل أساسي. النتائج المتوقعة مؤشرات واضحة تساهم في مشروع راصد الفضاء المدني. توصيات متعلقة بالسياسات حول القطاع الخاص والتعاون بين دول الجنوب والمساعدات.


احدث المنشورات
Apr 08, 2024
السياسة المالية العامة ومستويات الأسعار والأجور في بلدان عربية مختارة ‪-‬ د. نصر عبد الكريم
Apr 08, 2024
الفقر واللامساواة في البلدان العربية: الواقع والسياسات - اديب نعمه