دليل العدالة الضريبية

دليل العدالة الضريبية

دليل العدالة الضريبية

الإطار المفاهيمي والحالة في المنطقة العربية


إعداد

نصر عبد الكريم


الضريبة (Tax) هي مبلغ نقدي تقتطعه الدولة جبراً، بشكل مباشر أو غير مباشر من أموال أو ثروة الأفراد والشركات والمؤسسات بصفة نهائية، وذلك لتغطية النفقات العامة، ولتحقيق أغراض النفع العام. وعرفت المجتمعات الضرائب منذ القدم، ولكن عبر الزمن تطورت انواعها واهدافها واساليب ادارتها والرقابة عليها والمسائلة عن كفاءة وعدالة جبايتها. وليس هناك من شك أن هيكل الضرائب له تأثير ملحوظ في حياة مواطني الدولة وفي تحسين منسوب العدالة الاقتصادية/الاجتماعية التي هي أحد اهم اشتراطات تحقيق التنمية المستدامة الشاملة. ومن الجلي أن الخروج من الازمة التنموية السائدة في معظم دول العالم ومنها العربية بتطلب اتباع سياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة عن تلك التي شاعت منذ عقد التسعينات على أثر العولمة وانتقال الغالبية العظمى من دول العالم الى تطبيق نموذج اقتصاد السوق ومن عناوينه البارزة الخصخصة وتحرير الاسواق منذ منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي.


وفي هذا الإطار، يحظى تحدي تحقيق العدالة الاجتماعية اهتماماً كبيراً على المستوييْن الوطني والدولي. وتقوم هذه العدالة على مرتكزين: العدالة في الحقوق والعدالة في الواجبات. أما العدالة في الحقوق فتقوم على التوزيع العادل لدخل الدولة من خلال اوجه الانفاق العام في الموازنة، بحيث تُعطى الأولوية المطلقة لتحسين أوضاع الفئات والمناطق المهمّشة، والاستثمار التنموي/التطويري على حساب الاستهلاك لموارد الدولة لتوفير فرص عمل لائقة للجميع ودفع عجلة الاقتصاد المنتج، بخلاف الاقتصاد الريعي الذي يسود في الكثير البلدان العربية. اما العدالة في الواجبات فتتحقق من خلال التزام جميع الاشخاص الطبيعيين والاعتباريين بدفع ما يستحق عليهم من ضرائب ورسوم لتوفير الموارد المالية الكافية للدولة لتلبية احتياجات المجتمع. وهنا يأتي دور النظام الضريبي الذي هو في صميم مسألة العدالة الاجتماعية، إذ لا تتحقق هذه العدالة سوى بنظام يجعل أفراد المجتمع يساهمون في تمويل تنمية البلاد كلٌّ حسب طاقته وسعته .


ومن هنا فان فهم وتحليل نظم الضريبة على قاعدتيْ الكفاءة والعدالة تكتسب اهمية بالغة خصوصاً في المنطقة العربية نظراً لأن شعوب هذا المنطقة عانت ومازالت من عدم تكافؤ الفرص، وانعدام المساواة المتأصل، والتهميش، والإقصاء على أسس اجتماعية وجغرافية وغيرها ، الأمر الذي رسخ تفاوتات اقتصادية واجتماعية مفزعة بين المواطنين داخل البلد الواحد، بل داخل المدينة والقرية الواحدة، فتعمقت دوائر الفقر والاقصاء الاجتماعي. ولعل الحراكات الشعبية التي شهدتها معظم هذه الدول فيما يُعرف بالربيع العربي في عام 2011، والتي شكلت مطالب العيش الكريم والحرية ومحاربة الفساد والعدالة الاجتماعية أحد أبرز مرتكزاتها. وبعد كل هذه السنوات من الغليان والاحتقان والصدام، والتي أنتجت أفزع موجات اللجوء والتهجير بمنطقتنا، امعنت هذه البلدان من جديد في تبنى سياسات اقتصادية أكثر إجحافاً بالفئات المتوسطة والفقيرة. ومن بين هذه السياسات، السياسة المالية (بشقيها الضرائب والانفاق العام) والتي سعت من خلالها الى الحد من حجم العجز المتفاقم والمزمن في موازناتها العامة حتى لو جاء ذلك على حساب ملايين الفقراء والمهمشين. حيث سعت بعض الحكومات لإعادة هندسة الأنظمة الضريبة وجعلها الباب الواسع لزيادة الموارد ولو كان ذلك على حساب العدالة من ناحية، وفي نفس الوقت تنفيذ برنامج تقشف في النفقات الاجتماعية التي يستفيد منها عادة الفقراء والمعوزين. وعلى النقيض، لم تنجح هذه السياسة في كبح العجز المالي مما دفع هذه الدول لمزيد من الاقتراض لسد الفجوة التمويلية واصبحت معظم الدول العربية غيلر النفطية داخل "مصيدة الدين العام". وبهذا تعرض فقراء هذه الدول لظلم مزدوج وبذلك زادت الفجوات التنموية بين الناس وأصبح الغني أكثر غنا والفقير أكثر فقرا.


وفي محاولة لشرح كافة مكونات الأنظمة الضريبية وخصائصها وتأثيراتها الجوهرية على حياة شعوبنا وشروط تحقيق العدالة، قمنا بإعداد هذا الدليل لنضعه بين ايدي ناشطي وناشطات المجتمع المدني العربي، لكي يتسلحوا بالمعرفة العلمية الكافية والممارسات العملية في حشدهم الجهود المطلوبة لاصلاح هذه النظم بحيث تُصبح أكثر انصافاُ. ويعرض ايضا تدريبات تسمح بمشاركة المتدربين والمدربات في مناقشة وتحليل الجوانب المختلفة للضرائب. والى جانب الإطار المفاهيمي للضرائب، يقدم هذا الدليل توصيف وتحليل للنظم الضريبية في كل من مصر وتونس والمغرب وفلسطين والأردن ولبنان من منظور العدالة الاجتماعية.



التقرير الكامل      الملخص التنفيذي