تزايُد الدَّيْن العام وأثره في الاستدامة المالية للاقتصاد العراقي
إعداد د. عبد الرحمن نجم المشهداني
مقدمة:
على الرغم من أنَّ العراق قد خفَّضَ ديونه الخارجية بعد إعادة جدولة ديون دول نادي باريس ودول أخرى في نهاية عام 2004، وفقًا لتوقيع اتّفاقية الدعم والمساندة مع صندوق النقد الدولي الذي أوصى الدول الدائنة للعراق بوجوب شطب أكثر من 80% من الديون المترتّبة عليه، إلّا أنَّ المُلاحَظ، رغم ارتفاع العوائد النفطية، تزايُد الاقتراض الخارجي والداخلي ومن جهات عديدة، بحيث أصبحَ الدَّيْن الخارجي والداخلي واحدًا من المصادر المهمّة في تمويل العجز الحاصل في الموازنة العامّة للحكومة. وانعكسَ هذا الأمر بدوره على هيكل النموّ الاقتصادي في العراق. فاستمرار تمويل الموازنات العامّة بالعجز أدّى الى زيادة الدين الخارجي والداخلي للبلد. ويعود ذلك إلى زيادة النفقات العامّة التخمينية التي تتجاوز الإيرادات المتوقّعة لتمويل التزامات الحكومة الداخلية من الرواتب والأجور ونفقاتها التشغيلية الأخرى، وكذلك الالتزامات الخارجية كالتعويضات عن أضرار الحروب وتسديد الفوائد وأقساط الدين المترتّبة على الاقتراض الخارجي. إلى جانب ذلك، فإنَّ عدم التخطيط للمشاريع بالصورة الصحيحة أدّى إلى أنَّ كثيرًا من القروض الخارجية كانت تُوجَّه لتمويل النفقات التشغيلية من الموازنة، ولم تُستثمَر بالشكل الأمثل في إنشاء البنى التحتية أو إطلاق مشاريع شأنها أن تُحقِّق تنميةً مستدامة يستطيع العراق من خلالها سدّ أعباء هذه الديون. ومن جهة أخرى، ازدادت الحاجة للاقتراض الخارجي والداخلي من أجل مواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية المتمثّلة بانخفاض أسعار النفط العالمية، والحرب على الإرهاب، وتفشّي ظاهرة الفساد المالي والإداري في معظم مفاصل الدولة العراقية، والأزمة المزدوجة الصحّية والاقتصادية في عام 2020. أسفرَ كلّ ذلك عن ارتفاع مديونية العراق، سواء الداخلية منها أو الخارجية. فبعد سنة 2003، لم يمرّ عامٌ واحد خالٍ من الاقتراض على الحكومات العراقية.
فرضية البحث:
ينطلق البحث من فرضيةٍ مفادُها أنَّ "قدرة العراق في تحقيق الاستدامة المالية في الأمدَيْن المتوسّط والطويل مرهونةٌ بضبط إنفاقه التشغيلي واستثمار موارده في سبيل تعزيز قدراته على الإنتاجية والتصديرية للنفط، وإعادة توظيف عوائده من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد وإصلاحه، وتنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على القروض، بهدف تحقيق الرفاه الاجتماعي والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة".
ولذلك، قُسِّمَ البحث على النحو التالي:
أوّلًا: ديون العراق الخارجية بعد عام 2004
ثانيًا: ديون العراق الداخلية للمدّة 2010-2024
ثالثًا: قياس الاستدامة المالية للعراق وفقًا لمؤشّرات الدين الخارجي للمدّة 2004-2023
رابعًا: توقّعات تزايد الدَّيْن العام (الداخلي والخارجي) في ظلّ تزايُد العجز في الموازنات العامّة للسنوات 2024-2029