الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء في مصر من خلال سياسات الشمول المالي: تقييم المنجز والتحديات - رشا رمزي
مقدمة
تمثل النساء ما يقرب من نصف سكان مصر بنسبة تبلغ نحو 49.42% وفق تقديرات عام 2022، غير أن حضورهن في المجال الاقتصادي لا يعكس هذه النسبة، إذ تتراجع مشاركتهن في قوة العمل إلى 15.34% فقط (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2023). هذا التراجع لا يرتبط بعامل واحد بقدر ما هو نتيجة تراكمات اجتماعية وثقافية وتشريعية منعت النساء من الوصول إلى حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية بصورة عادلة. وفي ظل هذا الواقع، يظهر الشمول المالي كمدخل أساسي لتحسين قدرة النساء على الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية، وتملك الأصول، وإدارة الموارد، وبناء مشروعاتهن الخاصة. فمنذ عام 2017 تبنى البنك المركزي المصري استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز الشمول المالي، الأمر الذي يفتح المجال لدراسة أثر هذه السياسات على وضع النساء، ومدى نجاحها في معالجة الفجوات البنيوية التي يعانين منها.
لمحة عامة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للنساء في مصر
- المشاركة الاقتصادية والتحديات الهيكلية
تكشف المؤشرات المتاحة عن فجوات عميقة في مشاركة النساء الاقتصادية، ليس فقط من حيث تدني نسبة مشاركتهن في سوق العمل، بل أيضًا من حيث نوعية الوظائف والمواقع التي يشغلنها. فبحسب بيانات 2021، لا تتجاوز نسبة النساء في المناصب الإدارية العليا والمتوسطة 20.5%. ومع أن هذه الأرقام تعكس جزءًا من واقع عدم تكافؤ الفرص، فإن الفوارق الجغرافية تضيف طبقة أخرى من عدم المساواة. ففي صعيد مصر، تصل نسبة الإقصاء المالي إلى نحو 86% مقارنة بـ61% في مناطق حضرية مثل القاهرة، مما يشير إلى تفاوت واضح في البنية التحتية المالية والخدمات المتاحة.
- التحديات الاجتماعية والثقافية
تتداخل المعايير الاجتماعية التقليدية مع التحديات الاقتصادية لتقييد فرص النساء. فالأدوار النمطية التي تجعل الرجل الوصي الأساسي على الموارد المالية لا تزال سائدة، بينما تكشف البيانات أن نسبة النساء حائزات الأراضي الزراعية بلغت 5.2% بالرغم من ارتفاع نسبة العاملات في مجال الزراعة. كذلك، يعوق العبء المزدوج للأعمال المنزلية ورعاية الأطفال قدرتهن على المشاركة الاقتصادية الكاملة. وتظهر دراسات ميدانية أن العديد من النساء يفتقرن للثقة في المؤسسات المالية، وهو ما يرتبط بتجارب سلبية سابقة لطرف قريب منهن أو بسبب ضعف الثقافة المالية والرقمية.
سياسات الشمول المالي التي طبقها البنك المركزي المصري منذ 2017
اعتمد البنك المركزي المصري استراتيجية واسعة الأركان هدفت إلى دمج الفئات المهمشة وعلى رأسها النساء في النظام المالي. وتضمنت هذه الاستراتيجية إجراءات تنظيمية وتقنية وبرامج تحفيزية :
- التوجيه بإنشاء أقسام للشمول المالي في جميع البنوك: بهدف تقديم منتجات مالية تلائم احتياجات الفئات المهمشة، بما في ذلك النساء.
- ركزت الاستراتيجية على توسيع الأدوات المالية الرقمية مثل المحافظ الإلكترونية وبطاقات ميزة مسبقة الدفع. وفي فعالية واحدة في مارس 2024، جرى إصدار 90 ألف محفظة إلكترونية و36 ألف بطاقة لصالح النساء، وهو رقم يعكس سرعة انتشار هذه الأدوات.
- تضمنت المبادرات تقديم تمويل ميسر للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ووصلت نسبة النساء بين المستفيدين إلى نحو 70% من أصل 2.9 مليون مستفيد.
- أُطلقت برامج للتوعية المالية والرقمية مثل "فينيولوجي" و"تحويشة" التي استطاعت جذب 195 ألف امرأة بحلول الربع الأول من 2024.
تأثير سياسات الشمول المالي على الحقوق الاقتصادية للنساء
من ثم؛ أثمرت السياسات المتبعة عن تحسن ملحوظ في وصول النساء للخدمات المالية الرسمية، إذ ارتفعت نسبة امتلاكهن لحسابات بنكية إلى 63.4% في يونيو 2024. ورغم ذلك، ما زال هذا التحسن غير متوازن من حيث التوزيع الجغرافي، حيث تشير دراسة ميدانية إلى تدني نسب النساء في صعيد مصر اللاتي حصلن على قروض بنكية مباشرة. إذ يعتمدن على طرق أخرى للتمويل.
على مستوى ريادة الأعمال، لعب التمويل الميسر دورًا في إنشاء وتطوير مشروعات صغيرة، لكن ضعف سقف التمويل المتاح (200 ألف جنيه وفق القانون 141 لسنة 2014) وارتفاع التضخم بنحو 27.4% في 2023 يؤديان إلى تآكل قيمة القروض، مما يقلل من الاستفادة الفعلية للنساء.
اما التمكين الرقمي، فقد ساعد كثيرات على إدارة أموالهن بشكل أفضل، لكن بشكل متفاوت جغرافيا؛ ف 75% من نساء الصعيد ما زلن غير قادرات على استخدام التطبيقات المالية بسبب عدم امتلاكهن هواتف مناسبة أو ضعف خدمات الإنترنت.
الصعوبات المستمرة
تواجه النساء صعوبات قانونية ومؤسسية مع القروض، إذ يخضع التمويل للقانون التجاري الذي يعرض المقترضات لعقوبات تصل للحبس في حال التعثر. وتشترط العديد من البنوك وجود ضامن وفي أغلب الحالات يستلزم أن تلجأ المرأة لضامن ذكر، ما يعيد إنتاج التبعية الاقتصادية. ووفق الدراسة، أكد 81% من النساء أن هذا الشرط يمثل عائقًا أساسيًا أمام حصولهن على التمويل.
• تحول التمويل من حق تنموي إلى سلعة استهلاكية: تدهور الحقوق الاقتصادية للنساء
شهدت البيئة التمويلية في مصر تحولاً جوهريًا خلال العقد الأخير مع تراجع الدور الاجتماعي للدولة واتساع دور المؤسسات الربحية في تقديم القروض. حيث أدى إلغاء صندوق التنمية الاجتماعية (مؤسسة إقراضية حكومية) وتراجع دور جهاز تنمية المشروعات لصالح شركات الإقراض الربحية؛ إلى تحويل التمويل من أداة تنموية إلى سلعة استهلاكية، هذا علاوة على إطلاق يد شركات الاقراض الربحية في وضع شروط التعاقد ونسب الفائدة المحجفة؛ وضع النساء في دائرة ديون مرهقة بشروط قاسية.
• مظاهر الهيمنة والشروط المجحفة
ترتفع الفوائد لتصل إلى 30% سنويًا، وتفرض رسوم خفية تعيق تحقيق أي ربح فعلي. كما تعتمد شركات الاقراض الربحية على آليات سداد صارمة لا تراعي طبيعة مشروعات النساء أو ظروفهن الطارئة. ويعود ذلك إلى إخضاع العقود للقانون التجاري الذي يسمح بالملاحقة القانونية والحبس، وهي تجارب تؤثر بشدة على الصحة النفسية والأمن الاقتصادي للنساء، وتخلق ما يمكن وصفه بـ"الرهاب المالي".
• الآثار المترتبة
يتسبب هذا الوضع في الإفقار وإهدار الحق في مستوى معيشي مناسب، حيث تدخل النساء في دوامة من الديون لتسديد ديون أخرى. كما تؤدي الضغوط المالية إلى انهيار المشروعات النسائية، وفقدان فرص العمل. وتظهر التجارب المتكررة أن هذا الفشل لا ينعكس اقتصاديًا فقط، بل يهدد التماسك الأسري والاجتماعي.
ويضاف إلى ذلك حرمان النساء من الحق في الوصول إلى العدالة خوفًا من الإجراءات القانونية المعقدة أو العار الاجتماعي، مما يجعلهن فريسة للاستغلال.
التحديات الراهنة أمام تحقيق الشمول المالي الكامل للنساء
لا تزال تحديات متعددة تحد من وصول النساء إلى الشمول المالي الشامل. فالتحديات التشريعية تشكل عقبة رئيسية، خاصة بعد إلغاء الأدوات الحكومية الداعمة وتحويل التمويل إلى نشاط ربحي بالكامل.
وتتعمق الفجوات الجغرافية في ظل ضعف الفروع البنكية وقصور البنية الرقمية في القرى. كما تعاني النساء من الخوف من الاحتيال الرقمي وارتفاع تكلفة الهواتف الذكية التي زادت بنسبة 500% منذ 2019، مما يعوق استخدامهن للخدمات الرقمية.
برامج الدعم والمبادرات المصممة للمرأة
تقدم جهات حكومية مثل المجلس القومي للمرأة وMSMEDA برامج تمويل وتدريب، فيما تطلق منظمات المجتمع المدني مبادرات للتوعية القانونية والتسويق الرقمي. كما توفر المؤسسات الدولية برامج مكثفة مثل مشروع "ربح" لتدريب 10 آلاف امرأة في الصعيد. وتؤكد النتائج أن التدريب والدعم الفني هما الأكثر تأثيرًا في تمكين النساء، بينما يبقى الدعم النفسي أقل حضورًا رغم أهميته.
التوصيات
1. الإصلاح التشريعي والمؤسسي حيث يجب مراجعة القوانين المنظمة للتمويل وإلغاء الضمانات المرهقة واستبدالها بآليات جماعية. كما ينبغي إعادة التمويل إلى مساره الاجتماعي وليس الربحي، وإنشاء صندوق حكومي لدعم مشروعات النساء.
2. تعزيز البنية التحتية
تشمل التوصيات زيادة انتشار البنوك في الريف والاستثمار في البنية الرقمية لضمان وصول النساء للخدمات الإلكترونية.
3. التوعية وبناء القدرات بتنفيذ حملات مجتمعية لتغيير الصورة النمطية، وتدريب موظفي البنوك على إدماج النوع الاجتماعي، وتنظيم شبكات إرشاد نسائية لدعم العاملات.
4. ابتكار منتجات مالية مناسبة: مثل التمويل الإسلامي، وأنظمة تقييم ائتماني بديلة تعتمد على السلوك المالي وليس الضمانات التقليدية.
خاتمة
تُظهر التجربة المصرية أن الشمول المالي قادر على تحسين وضع النساء اقتصاديًا واجتماعيًا، لكنه يحتاج إلى إطار تشريعي عادل وبنية تحتية قوية ونهج تشاركي بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. كما أن تحقيق العدالة الاقتصادية للنساء يتطلب تغييرًا ثقافيًا يعيد تعريف أدوارهن، حتى يصبح الشمول المالي ليس مجرد سياسة، بل حقًا فعليًا تستطيع كل امرأة الوصول إليه والاستفادة منه.