أزمة الديون السيادية في مصر
إعداد محمد رمضان
مقدمة
تعيش مصر علي وقع أزمة مديونية عنيفة خلال السنوات الماضية، ما زالت تأثيرات تلك الأزمة مستمرة رغم الإنقاذ المالي الجزئي من بعض دول مجلس التعاون الخليجي ، خلال تلك الأزمة الممتدة من 2022 – 2024 عانت مصر من كثير من التأثيرات المباشرة نتيجة ارتفاع مدفوعات الديون، وبالأخص الديون الخارجية التي ساهمت بشكل مباشر في أزمة شح الدولار، ودفعت لتخفيضات متتالية لسعر الصرف في مصر علي وقع سعي مصر للحصول علي تمويل من صندوق النقد الدولي والشركاء الخليجيين من أجل الخروج من أزمتها المالية والاقتصادية.
تفاعلت الكثير من العوامل لتؤدي لأزمة الديون السيادية في مصر، وما زالت تلك العوامل موجودة وكامنة لتعيد إطلاق أزمات سيولة جديدة، سوف تخلق بدورها ضغوطا مستمرة علي ميزان المدفوعات، ما قد يدفع لتخفيضات جديدة للعملة المصرية، تطلق تلك التخفيضات بدورها العنان للتضخم المنفلت طويل المدي، وبالأخص في أسعار الغذاء والتي تعتمد مصر علي استيراد جزء كبير من احتياجاتها منه، بالأخص الأغذية الأساسية مثل القمح، وكذلك التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة، والذي أثر بشكل مباشر علي مستويات المعيشة في مصر.
لا زالت الأسباب الهيكلية لأزمة الديون كامنة، وذلك لأن النسق الاقتصادي العام، والسياسات الاقتصادية الكلية التي تنتجها الحكومة المصرية بالشراكة مع المؤسسات الدولية المختلفة تؤدي لإعادة إنتاج الأزمة وليس لحلها بشكل نهائي، ما يعد استمرارا لأزمات ميزان المدفوعات الهيكلية، والتي يعاني منها الاقتصاد المصري. خلال العقدين الماضيين 2002-2024 خفضت مصر عملتها أكثر من مرة في محاولة لحل الأزمة المزمنة لميزان المدفوعات لكنها لم تنجح في الخروج من الأزمات، نحو شروط أفضل للاندماج في الاقتصاد العالمي بعيدا عن منظومة الاستدانة وسوق الديون الدولية.
يسعي هذا التقرير إلي تقديم قراءة لوضع الديون السيادية في مصر، خلال السنوات الأخيرة وتحديدا منذ 2016 – نهاية 2023، وهي الفترة التي شهدت تخفيضات متتالية للعملة علي وقع أزمة الديون، وذلك مع تحليل التغيرات في واقع الدين المحلي والخارجي في ضوء الكثير من المستجدات والعوامل، وأهمها جائحة كوفيد -19 وما مثلته من ضغوط اقتصادية علي الدول، ولاحقا سياسات التشديد النقدي من قبل البنوك المركزية في الشمال العالمي، وكيف أثرت علي وضعية الدين في مصر، كما يستعرض التقرير التأثيرات الجيوستراتيجية للحرب الروسية الأوكرانية وتأثيراتها علي وضعية الدين والاقتصاد ككل.
يقدم التقرير تلك الصورة الكلية للدين الخارجي والمحلي في مصر من أجل الوصول لتوصيات من شأنها أن تحسن أليه إدارة الدين العام في مصر، وتخرج بالبلاد من أزمة الديون لتدفعها لتحقيق معدلات نمو جيدة تنعكس بالتأكيد على الوضع الاقتصادي للأسر المصرية.