أزمة الدين السيادي في الأردن: التحديات واستدامة المالية العامة

أزمة الدين السيادي في الأردن: التحديات واستدامة المالية العامة

أزمة الدين السيادي في الأردن: التحديات واستدامة المالية العامة

إعداد أحمد عوض


المقدمة


لطالما اتسم الاقتصاد الأردني باعتماده الكبير على المساعدات الخارجية والديون، وهو اعتماد تشكل بفعل محدودية موارده الطبيعية وضعف قاعدته الإنتاجية، والخيارات الاقتصادية والسياسية للحكومات الأردنية المتعاقبة. وقد جعل هذا القيد الهيكلي من الصعب على البلاد تحقيق نمو اقتصادي ذاتي مستدام، مما اضطرها إلى البحث باستمرار عن دعم مالي من المانحين والمقرضين الدوليين. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحفيز التنمية، ظل التوسع الاقتصادي في الأردن راكدا، حيث بلغ متوسطه 2.5% سنويا خلال السنوات الخمس الماضية، في حين بقيت معدلات البطالة تحوم حول 22% منذ عام 2020. ويتفاقم الوضع بسبب النمو السكاني السريع واستيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين، مما زاد من الضغوط على الخدمات العامة والبنية التحتية وسوق العمل. وقد أدت مجموعة من نقاط الضعف الهيكلية، وخيارات الحكومات المتعاقبة في الإدارة المالية، والصدمات الخارجية إلى تعزيز النموذج الاقتصادي المعتمد بشكل كبير على الاقتراض والمساعدات الخارجية، مما يثير مخاوف بشأن استدامة النظام المالي الأردني على المدى الطويل.


إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه الأردن هي نموه الاقتصادي البطيء، الذي يظل مقيدا باقتصاد قائم على الخدمات منخفضة الإنتاجية. ما حد من قدرته على توليد نشاط اقتصادي مستدام وعالي القيمة. علاوة على ذلك، لا يزال القطاع الخاص ضعيفا، حيث تكافح الشركات الصغيرة والمتوسطة للحصول على التمويل وتوسيع عملياتها. ونتيجة لذلك، فإن خلق فرص العمل ظل غير كاف، مما ترك جزءا متزايدا من القوى العاملة عاطلا عن العمل أو منخرطا في وظائف غير منظمة ومنخفضة الأجر وبدون حمايات اجتماعية كافية.


تعكس معدلات البطالة المرتفعة، لا سيما بين الشباب وخريجي الجامعات، فجوة هيكلية عميقه بين نظام التعليم واحتياجات سوق العمل. وعلى الرغم من أن الأردن استثمر بكثافة في التعليم العالي، إلا أن العديد من الخريجين يواجهون فرصا محدودة في مجالاتهم المتخصصة، مما يضطرهم إما إلى قبول وظائف منخفضة المهارة أو الهجرة إلى الخارج بحثا عن آفاق وظيفية وحياتية أفضل. وقد أدى عجز الحكومة عن تحفيز نمو الوظائف في القطاعات عالية الإنتاجية إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية وتزايد حالة الإحباط بين الشباب الأردني، مما فاقم التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد.


تشكل العجوزات المالية المزمنة في الموازنات العامة للدولة في الأردن قضية محورية أخرى، حيث كانت معدلاتها قبل المنح عند 7.4% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس الماضية، والسنوات التي سبقت ذلك لم تكن بأفضل حال. ما أدى الى اعتماد الحكومات المتعاقبة على الاقتراض الخارجي والمساعدات الأجنبية لتمويل نفقاتها العامة. ولطالما عانت الموازنة العامة من اختلالات بين الإيرادات والنفقات، ما دفع صانعي السياسات إلى تبني نهج تمويل الديون لتحقيق التنمية. إلا أن هذا النموذج أدى إلى تراكم مستمر في مجمل الدين العام، الذي ارتفع من 99.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى 117.2% في عام 2024.


لمعالجة هذه العجوزات، نفذ الأردن سلسلة من تدابير التقشف وزيادات ضريبية، في اطار الاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي. وشملت هذه التدابير إقرار الضريبة العامة على المبيعات عند مستويات مرتفعة تبلغ 16% على غالبية السلع والخدمات، وخفض الدعم، والضغط على التوظيف في القطاع العام، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة واضعاف جودة الخدمات العامة وخاصة في قطاعي الرعاية الصحية والتعليم. وعلى الرغم من هذه الجهود، لم تتمكن هذه الإجراءات المالية في تحقيق نمو كاف في الإيرادات العامة المحلية، حيث إن معظم العبء الضريبي يقع على الاستهلاك بدلا من الدخل أو أرباح الشركات، اذ بلغت الإيرادات الضريبية من مصادر الضرائب غير المباشرة الى ما يقارب 72% من مجمل الإيرادات الضريبية. وقد أثر ذلك بشكل غير متناسب على المواطنين ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، مما أدى إلى تراجع الطلب المحلي وتباطؤ النشاط الاقتصادي.


إلى جانب التحديات الاقتصادية، يتعرض الأردن لمخاطر جيوسياسية وصدمات اقتصادية خارجية. فقد أضعفت الأزمة المالية العالمية لعام 2008 تدفقات الاستثمار الأجنبي، بينما أدت بع تداعيات الربيع العربي عام 2011 وما تلاها إلى زعزعة استقرار بعض دول المنطقة، ما أثر سلبا على التجارة والسياحة وتحويلات المغتربين قبل ان تعود الأخيرة الى سابق عهدها. كما شكلت أزمة اللاجئين السوريين ضغطا إضافيا على الخدمات العامة.


وفي السنوات الأخيرة، أدى وباء كوفيد-19 إلى انكماش حاد في النشاط الاقتصادي بنسبة -1.1% في عام 2020، ما تسبب في اضطراب سلاسل التوريد العالمية وزيادة الضغوط على المالية العامة. كما ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في تفاقم ضعف الاقتصاد الأردني، حيث تأثرت البلاد بشدة بارتفاع أسعار النفط والغاز، مما زاد من تكاليف النقل والإنتاج في مختلف القطاعات. بالإضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع أسعار الغذاء عالميا إلى تصاعد الضغوط التضخمية، ما أثر بشكل كبير على الأسر ذات الدخل المنخفض وزاد من الضيق الاقتصادي. أما حرب الإبادة الجماعية المستمرة على غزة منذ ما يقارب 20 شهرا، وإعادة الاحتلال العسكري للضفة الغربية، فقد أدخلت مخاطر جديدة، حيث تسببت في اضطراب التدفقات التجارية والاستثمارية وزيادة حالة عدم اليقين الإقليمي، مما قد يعيق جهود التعافي الاقتصادي.


في مواجهة هذه التحديات، واصلت الحكومة اللجوء إلى الاقتراض الخارجي كاستراتيجية رئيسية لإدارة المالية العامة وتوفير الموارد اللازمة للموازنة العامة للدولة، حيث حصلت على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وأسواق المال العالمية لتحقيق الاستقرار المالي الى جانب زيادة الاقتراض من صندوق الضمان الاجتماعي. ومع ذلك، لم تنجح هذه السياسات المعتمدة على الديون في تحقيق نمو اقتصادي مستدام، حيث يتم توجيه معظم رأس المال المقترض نحو تغطية النفقات الجارية ولسداد الديون وخدماتها بدلا من الاستثمارات التي تدفع النمو الاقتصادي الحقيقي. ومع استمرار ارتفاع تكاليف خدمة الدين واستنزاف جزء متزايد من الإيرادات الحكومية، يبقى استقرار الأردن المالي موضع تساؤل، ما يستدعي إصلاحات عاجلة لتعزيز الاستدامة المالية والمرونة الاقتصادية.


تناقش هذه الورقة مسار الاقتصاد الأردني من منظور الاقتصاد السياسي، من خلال تقييم القيود الهيكلية والسياسات المالية واعتماد البلاد على الديون وتأثير المؤسسات المالية الدولية، ومدى استدامة الدين العام والذي يتمثل في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية الحالية والمستقبلية دون اللجوء إلى إعادة الاقتراض لتسديد القروض القائمة، أو تراكم الديون بحيث تصبح غير قادرة على السداد، ودون أن تتأثر محركات النمو الاقتصادي والإنفاق الاجتماعي سلبا.


ومن خلال تحليل العوامل المحلية والخارجية، تسعى الورقة إلى تقديم فهم شامل للتحديات الاقتصادية في الأردن، وتوفير رؤى حول المسارات المحتملة لتحقيق النمو المستدام والاستقرار المالي.


التقرير الكامل     

أزمة الدين السيادي في الأردن: التحديات واستدامة المالية العامة

الملخص التنفيذي