Feb 11, 2021
المراجعة الدورية الشاملة لبنان: خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء؟

في 18 كانون الثاني/يناير 2021، عقد مجلس حقوق الإنسان الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل للبنان وذلك عبر الفيديو وبمشاركة الممثل الدائم للبنان لدى مكاتب الأمم المتحدة في جنيف شخصيًا، ووفد مؤلف من ممثلين عن وزارة التربية والتعليم العالي، وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الصحة العامة، وزارة العمل، وزارة الاقتصاد والتجارة، ووزارة العدل، هيئة الحوار اللبناني الفلسطيني، الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، ومكتب رئيس الوزراء اللبناني.

جدد البيان الافتتاحي للوفد تأكيد التزام لبنان بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها والأهمية المعطاة للتعاون الدولي. ويمكن اعتبار هذا التواجد أمام الأقران، مع وجود تفويض شامل، بمثابة مؤشر واضح على الأهمية المعطاة لآلية مراقبة حقوق الإنسان هذه. لكن يبقى السؤال الحقيقي هو مدى توافق ذلك مع القيام بإجراءات فعّالة على الأرض.

وكما في المراجعات السابقة، عددت الكلمة الافتتاحية التحديات التي واجهها لبنان، مذكّرةً الدول التي سبق وأن أصدرت التوصيات بأن لبنان يمر بمرحلة حرجة متعددة الأزمات، الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية بعد انفجار مرفأ بيروت، وتفاقم هذه الأزمات بسبب جائحة كوفيد-19. كما تمت الإشارة إلى استضافة لبنان للاجئين الفلسطينيين والسوريين مما يضاعف من التحديات. وهذا هو المشهد الشائع في كل عملية مراجعة، حيث يعرض البلد قيد المراجعة السياق الوطني، ويؤكد على التحديات التي تواجهه، ويسرد التقدم المحرز فيما يتعلق بالتوصيات الذي عادة ما يتم تقديره من قبل الأقران. بالنسبة للبنان، تم الترحيب بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، واستضافته للاجئين السوريين، والتغييرات التشريعية المرتبطة بحقوق المرأة.

وقد تم تقديم 294 توصية للدولة اللبنانية للنظر فيها واتخاذ قرار بشأنها في الوقت المناسب، ولكن في موعد لا يتجاوز الدورة السابعة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان، وهو عدد أعلى من مراجعة الدورة الثانية. ولكن تظل جودة التوصيات، لا كميتها، هي الشغل الشاغل للمجتمع المدني. هل يمكن أن تساعد التوصيات والقضايا التي تم تناولها أثناء عملية المراجعة في النهوض بحقوق الإنسان؟

هذا وتدعو حوالي 40 من هذه التوصيات لبنان إلى اتخاذ إجراءات ملموسة بشأن المعاهدات الدولية، وبالتحديد المصادقة على البروتوكولات والاتفاقيات الاختيارية التي لم يصبح لبنان طرفًا فيها بعد. ورغم أهمية ذلك، هناك أولويات كثيرة غيرها بالنسبة للمجتمع المدني، ومن أهمها كيفية معالجة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ومن المعروف أن عملية الاستعراض الدوري الشامل لا تزال غير متوازنة1 فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية مقارنة بالحقوق المدنية والسياسية، حيث يتطلب التعامل مع انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تغييرات هيكلية ونظامية، وبالتالي، مقاربة شاملة وكلية لحقوق الإنسان، واعتماد نموذج جديد للتنمية المستدامة تلتزم به الجهات الفاعلة في التنمية كافة. لذلك، وكما أقر الوفد الرسمي، تنعقد الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل ضمن منعطف حرج، وكان من الممكن أن تكون فرصة حقيقية لمواجهة التحديات الهيكلية والتركيز على طرق معالجتها، والتي قامت الجائحة بتسليط الضوء عليها، بما في ذلك الحق في الصحة والتعليم وسبل العيش، من بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، وذلك خلال المناقشة التفاعلية التي استمرت لمدة 3 ساعات وكان بإمكانها تناول هذه القضايا بالتفصيل.

لكن من مجموع التوصيات، أشارت 5 فقط صراحةً إلى جائحة كوفيد-19 فيما يتعلق بالحق في الصحة والحماية الاجتماعية في لبنان. أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخرى فلم تحظ باهتمام كبير، فتم تناول الحق في العمل مثلًا، من خلال قضية عمل الأطفال وحقوق العمال المهاجرين - كما في الدورة الثانية، ولم تكن هناك توصيات عملية ملموسة بشأن الذين تعطلوا عن العمل بسبب الجائحة. ومع ذلك، تظهر ملخّصات شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية للاستعراض الدوري الشامل2 أن البطالة قد تزيد عن الـ50٪،3 وبغياب الإحصاءات الرسمية، أعلن القائم بأعمال رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان (CGTL) في شباط/فبراير 2020 عن فقدان عشرة آلاف عامل لوظائفهم، وتخفيض رواتب حوالي 60 ألف موظف بنسبة إلى النصف.4 من ناحية أخرى، قدّرت دراسة استندت إلى عينة من 300 شركة من مختلف القطاعات والمناطق في لبنان فقدان 220 ألف وظيفة منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2019. 5 لكن توصية واحدة فقط أشارت إلى "البطالة" في صياغتها، حيث دعت ماليزيا لبنان لـ"معالجة البطالة، خاصة بين الشباب والنساء،" ولم تتم الإشارة إلى القضايا الهيكلية في النمو الاقتصادي بلا وظائف وغياب القطاعات الإنتاجية على المستوى الوطني التي يمكنها توليد فرص عمل مستدامة. ويمكن تكرار مثل هذه الأمثلة في جميع قضايا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

كما يصعب ضمان المساءلة عن هذه التوصيات، نظرًا لأنها ليست "ذكية"، مما يفترض أن يواصل المجتمع المدني في لبنان التعبئة والعمل بشكل استباقي. وبالفعل، طبّق المجتمع المدني اللبناني عدّة ممارسات فضلى قبل مراجعة الدورة الثالثة: بناء التحالفات، وإعداد تقرير منتصف المدة6 وجملة من التقارير المشتركة، والمشاركة بنشاط في الجلسات السابقة لبعثات الإحاطة في جنيف وعلى المستوى الوطني، وتنظيم حوارات أصحاب المصلحة، وغيرها. ويُفترض أن يستمر العمل التنسيقي في هذه المرحلة، في البداية لمطالبة لبنان بتوضيح موقفه من التوصيات الـ294 بتفسيرات واضحة، والبدء، بمجرد اعتمادها، في تقسيم التوصيات إلى إجراءات واضحة وخرائط طريق للتنفيذ. فالمجتمع المدني لديه خبرات غنية على أرض الواقع، يمكنها مساعدة الدولة على تحديد التعديلات الملموسة للإطار التشريعي والميزانية التي سيتم تخصيصها وتطوير إجراءات علاجية شاملة قائمة على الحقوق. من ناحية أخرى، فإن المشاركة في الاستعراض الدوري الشامل بشكل تقني فقط لن تحقق الكثير، كما هو الحال في غيرها من آليات حقوق الإنسان، مما يعني أنه على المجموعات المشاركة أن تنظر في نشر نتائج تقارير الاستعراض الدوري الشامل الخاص بها وأن تردد الإجراءات العلاجية التي تم اعتمادها في المسارات الأخرى، مثل مراقبة تنفيذ أجندة 2030، وجلسات هيئات المعاهدات، والتقارير المرحلية للاتحاد الأوروبي والمشاورات الأخرى التي تديرها الجهات الفاعلة الدولية.

بهتر موسكيني

المصادر
1- https://www.ishr.ch/news/universal-periodic-review-and-economic-social-and-cultural-rights-skewed-agenda
2- http://www.annd.org/new/en/publications/details/upr-civil-society-report-lebanon
3- https://www.euromesco.net/publication/the-socioeconomic-impact-of-covid-19-on-lebanon-a-crisis-within-crises
4- “10,000 workers lose jobs in Lebanon as nationwide protests continue,” Xinhuanet (6 February 2020), at: http://www.xinhuanet.com/english/2020-02/06/c_138758980.htm
5- “220,000 jobs lost estimated by InfoPro: 40 percent reduction in salaries and 12 percent of companies ceased operation,” BusinessNews.com.lb (7 February 2020), at: http://www.businessnews.com.lb/cms/Story/StoryDetails/7423/220,000-jobs-lost-estimated-by-InfoPro.
6- https://www.ohchr.org/Documents/HRBodies/UPR/NGOsMidTermReports/ArabNGONetworkDevelopment.pdf



احدث المنشورات
Mar 27, 2024
تاريخ من المرض الهولندي: هل يستطيع لبنان التغلب عليه؟
Mar 22, 2024
ملحق لاستراتيجية شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية 2024-2025